مهما إلتمسنا من أعذار للرجاء في تضحيته بالمدرب تلو الآخر، ومهما أخذنا من أسباب لهذا الهدر التقني المعلن الذي يمارسه الرجاء على عارضته التقنية، ومهما تعاطفنا مع الدفوعات التي يقدمها محمد بودريقة لتبرير هذا الإنفصال المتكرر عن المدربين إلى الحد الذي جعل ولايته التي تصل سنتها الرابعة تعرف تعاقب سبعة مدربين على تدريب النسور الخضر دون إحتساب أزمنة الطوارئ التي تعقب كل إنفصال بتثبيت من يملأ الفراغ، مهما فعلنا فإننا بالتأكيد لن نتفق مع بودريقة ومع كل مكونات الرجاء على هذه الفوضى العارمة التي تسود المرفق التقني للرجاء، وهو المرفق الذي له دور إستراتيجي في صناعة النتائج وتحقيق الإنجازات التي يطمح لها الرجاء كفريق قيادي لا يقبل على نفسه بأن تتوالى عليه المواسم البيضاء العجاف.
يقول بودريقة كالواثق من نفسه والمطمئن لأطروحاته بل والمتطرف أحيانا في الدفاع عن منظوره للأشياء، أن كل مدرب يفشل في تحقيق الأهداف إلا ويكون مآله ومصيره الحتمي الإقالة إستجابة لما تنص عليه العقود، أليست العقود شريعة المتعاقدين؟ 
هكذا فعلت الرجاء مع التونسي فوزي البنزرتي الذي أنهى موسم الوصول إلى وصافة لقب بطولة العالم للأندية هنا بالمغرب عندما ختم الموسم بعيدا عن لقب البطولة الإحترافية ومقصيا من الأدوار الأولى لعصبة الأبطال الإفريقية، والشيء ذاته فعلته الرجاء مع المدرب الجزائري بنشيخة وهو يسقط من الدور ثمن النهائي لكأس العرش أمام الجيش بالضربات الترجيحية والمصير ذاته لقيه البرتغالي روماو الذي لم يفلح في الوصول إلى أي لقب، ولا غرابة إذا أن يقيل الرجاء الهولندي رود كرول وهو يقف عند عتبة الدور النصف النهائي لكأس العرش وقد سلب منه الفتح تذكرة المرور للمباراة النهائية.
بالقطع لا أمانع في أن يرتبط بودريقة مع أي مدرب كان بعقد أهداف، بل على العكس من ذلك كان أكثر شيء عاتبنا ولمنا عليه مسيري الأندية أنهم يرتبطون بمدربين بعقود لا تنصص على هذه الأهداف أيا كانت طبيعتها، فتكون النتيجة أنهم يتحملون التبعات المالية الثقيلة للفشل المعلن لأن فسح العقود كان يلزم هذه الأندية بسداد مبالغ مالية مهولة، إلا أنه قبل اشتراط أي هدف من الأهداف التي تكون في العادة موضوع تفاوض ونقاش قبل التصديق عليها، يكون ضروريا أن نسأل عن المعايير التقنية التي تم الإعتماد عليها في الإرتباط بهذا المدرب أو ذاك، ما هي أوجه المطابقة بين هوية وموروث وحاجيات الرجاء وبين فكر وفلسفة عمل كل مدرب من هؤلاء الذين تعاقبوا على الرجاء في زمن قياسي؟ وهل الذي فشل في النهاية هم هؤلاء المدربون الذين جرت التضحية بهم؟ أم التي فشلت هي المقاربة التقنية التي وظفت للتعاقد مع هذا المدرب أو ذاك؟
تلزمني الأمانة الأدبية أن لا أتجنى على كل من تعاقبوا على تدريب الرجاء منذ التضحية بمحمد فاخر، فمن يجب أن ينعث بالفشل هو محمد بودريقة كرئيس للرجاء ومن عهد إليهم بتدبير هذا الشأن بما له من أهمية تكاد تعلو على ما عداه من شؤون للرجاء، فإن فشل المدرب في وجود كل وسائل العمل وفي ظل مناخ يتيح الإشتغال بطريقة إحترافية، فإن المسؤولية تقع على من إختاره لتدريب الفريق وهو أبعد ما يكون تجاوبا وتطابقا مع خصوصيات الفريق، وإن فشل المدرب برغم كفاءته المهنية وتطابقه الفكري مع خصوصيات الفريق والمرحلة، فإن المسؤولية تقع على من قدر الأهداف وأصبح سجينا أو عبدا لها لا يعصى لها أمرا، فقد يفشل مدرب في بلوغ هدف على المدى القريب برغم الإحترافية التي يظهرها والنجاعة التي يبديها والجسارة التي يدير بها الفريق، لأنه حتما لا يستطيع السيطرة على محيط مباراة ما، بأخطاء الحكام وبانقلاب الظروف أو بتكالب ظروف سيئة كما هو الحال مع المدرب بنشيخة الذي وجد نفسه مقالا بسبب الخروج من الكأس بضربات حظ مع أن الفريق وقتها كان متصدرا لترتيب البطولة من دون خسارة أو تعادل.
يذكر جميعنا أن بودريقة عندما جاء للرجاء ليخلف الحاج عبد السلام حنات وليطوي صفحة جيل من المسيرين الذين أعطوا للنسور أجنحة حلقوا بها للكثير من الألقاب، حضر حاملا في يده كتابا أخضر كان بمثابة خارطة طريق لاستراتيجية تم تحضيرها بتركيز كبير، وكان أقوى ما في الإستراتيجية هو الشق التقني الذي عهد بالكامل إلى رجل الخبرة والتحديات ومن ننعته بصائد الألقاب محمد فاخر.
وبرزت الحنكة والجدارة في رسم معالم الطريق للوصول إلى كل الأهداف القريبة منها والبعيدة، عندما وضع فاخر هيكلا لفريق نال لقب البطولة الإحترافية الذي أهله للمشاركة في كأس العالم للأندية ونال لقب كأس العرش بل الأكثر من ذلك حضر الرجاء للتحدي المونديالي بإخضاعه بنجاح كبير للعديد من المحكات التجريبية أمام أندية وازنة ما كان يؤشر فعلا على أن النسور الخضر سيحلقون بأجنحة حديدية في سماء المونديال.
غير فاخر وبنسبة أقل التونسي فوزي البنزرتي، هل كان الرجاء ناجحا في اختيار الربان الذي يستطيع تكييف فلسفته التقنية مع الخصوصيات التكتيكية للرجاء؟
وعطفا على هذا السوال نسأل أيضا، هل ما زال الرجاء محتفظا بروح المشروع الذي جاء به بودريقة منذ أول يوم، بأضلاعه التقنية والتسويقية والهيكلية؟ 
الجديد هذه المرة والرجاء ينفصل عن رود كرول الذي نسب فشله ليس فقط للخروج من نصف نهائي كاس العرش ولكن أيضا للأخطاء التقنية التي قدرها مكتب الرجاء، ولست أدرى على أي دراسة تقنية إستند في حديثه عن هذه الأخطاء، وأيضا في ضعف تواصله مع اللاعبين، مع أن الذي تعاقد مع كرول كان يعرف أن الرجل له أعطاب كثيرة على مستوى لغة التواصل، الجديد هذه المرة هو أن الرجاء عاد مجددا إلى كنف المدرب المغربي بأمل إنقاذ ما بقي من روح المشروع، فقد يكون إهتدى أخيرا إلى أن رشيد الطوسي المعجون في تربة مغربية وصاحب لمسة تقنية في منظومة الكرة الوطنية بهيئتها الحالية بحكم كل التراكمات والتجارب التي راكمها على مدى عشرين سنة، ربما تكون له القدرة الفكرية قبل التقنية على الجمع بين الإثنين، إعادة الرجاء إلى المسلك التقني الذي تركه فيها فاخر وتحقيق ما هو متاح من أهداف، ولكن شريطة أن تتجاوب كل المكونات مع هذه المهمة الصعبة والمزدوجة، فقد ينجح الطوسي في بلوغ كل الأهداف التي تضغط على رأس بودريقة، إلا أن النجاح الأكبر بالنسبة لي هو أن يقدم الطوسي للرجاء مشروع لعب يتطابق مع هويته المغيبة، وهو قادر على ذلك إن حصل على مساحة آمنة يشتغل فيها بهدوء، من دون ضغوط ومن دون هواجس.