بتوقيع الطوسي عقدا يتيح أمامه إحياء ذاكرة نسر رجاوي مصابة هذه الأيام بالتلف ولم تعد تملك بوصلة تدلها على طريق الألقاب، استبدت بي الشيطنة وعدت بذاكرتي للتفتيش في مسار مدربين مغاربة منهم من يملك بوليصة حظ غريب ومنهم من ترافقه الرطوبة و«الغمولية» ويدخل أنفاق النسيان والتهميش ولا نتذكرهم إلا عند النكبات والمصائب والراحل سعيد الخيدر واحد من هذه الفئة المكلومة والمظلومة.
قادني هذا الفضول لحقيقة واحدة «اللهم لا حسد» ترتبط بنشاط ودينامية الطوسي ولو ما تحمله هذه الدينامية من تناقضات يسقط فيها الرجل ويغرق فيها أحيانا حتى أخمص القدمين من دون أن يدري.
الطوسي هو من المدربين الذين لا يتعطلون ولا ينكمشون ولا يتأخرون في إيجاد حلول تعقب طلاقهم لكونهم سرعان ما يعودون لتوثيق عقود زواج حتى وإن لم تنته فترة العدة وأحيانا يوقعون زواجهم وهم على ذمة طرف ثاني ولا يكاد يجف مداد الإنفصال حتى يطالعنا بارتباط جديد.
ترك الطوسي (الماص) وحل بقلعة العساكر وما إن كان أكرم ونيبت ودومو وغايبي والفهري وكبير عرابي الفكرة يومها  كريم عالم يتفقون على أنه هو رجل مرحلة ترويض الأسود، حتى باغتنا الطوسي بقوله أنه اختار نداء القلب والوطن على نداء العقل، وسيترك الجيش الملكي لمن هو أجدر وأقدر منه.
فشل الطوسي في رهانه الوطني مع الأسود ومن راهن على نهاية حقبته مع العساكر كان مخطئا ولا يقدر التقدير الجيد ملكات الرجل ومدربنا المحترم، الذي عاد وهذه الـمرة بتصريح أكثر غرابة أكد فيه ومن خلاله أن عقده مع العساكر كان «كونجلي» أي مثلج ومجمد وهي المرة الأولى التي أسمع فيها شيئا كهذا وعاد ليخرج عقده من الثلاجة ويكمل ما تركه قبل رحلة جنوب إفريقيا غير المظفرة.
فشل الطوسي مع العساكر فشلا ذريعا، لدرجة أن مسؤولي الفريق العسكري شكلوا لجنة رباعية من أبناء الفريق أحصت على الطوسي أنفاسه و راقبت عمله ومارست عليه رقابة ذاتية سرعان ما سئم وضجر منها المدرب ليرحل عن الفريق.
مخطئ من اعتقد  يومها أن الطوسي سيلتقط أنفاسه، وسيأخذ مساحة تفكير قبل مباشرة تفاصيل جديدة ومغامرة مختلفة في مساره، لأنه في اليوم التالي لانفصاله مع العساكر كان يصافح فيه رشيد والي علمي بمكتبه ويعود لإخراج «الكونطرا الكونجلي» مع النمور الصفر مجددا كما فعلها مع الفريق العسكري.
مرة أخرى تتأكد حقيقة ماثلة في مسار المدربين وهي أن العود ليس أحمد وأن التجارب الثانية مع نفس الفريق غالبا ما يرافقها الفشل إلا فيما نذر، ولم تكذب الأيام كما لم تتجمل ليقرر رشيد مغادرة سفينة الماص وبخلاف مع رشيد علمي وتبادل للإتهامات بين الطرفين أدخل رجل البورصة ومدبر أمورها الإدارية والمالية مدن الأحزان وعاش نكبة مرضية مزمنة تعطل فيها لسانه عن الكلام المباح.
هنا سيتناهى لعلمنا خبر مثير زفه إلينا صديقنا المحترم عبد الحق رزق الله بإلحاق الطوسي بكيان الجامعة، لكون الرجل يملك بروفايل تمثيل زملائه في اجتماعات لقجع ومكتبه المديري وبما يتلاءم ويتطابق مع تحديدات القانون الجديد المنظم لعمل الجامعة. فاعتقد الجميع أن الطوسي سيتفرغ للدفاع عن مصالح رفاق الدرب وأول ما سيطبقه هو ميثاق الشرف الذي قال ماندوزا أنه صار جاهزا ويمنع مدرب من الإشراف على فريقين في نفس السنة بعد أن يتلقى تعويضات من فريقه السابق.
استبشر المدربون المغاربة خبرا بهذا الميثاق الأفلاطوني الموعود، وآمنوا بدور «مولا نوبا» و«للي كلا حقو يغمض عينيه» ويترك المجال أمام زميل له ليأخذ دوره وهكذا.
كل هذا راح أدراج الرياح ومن انتظروا طلة الطوسي من سانية الرمل بتطوان أخطأوا التقدير لكون الرجل المحظوظ لم يضطر للتنقل بعيدا عن مدار الرباط ـ الدار البيضاء وتربص بسقوط كرول وهو في ذلك مدين لمساعده السابق بالمنتخب الوطني وليد الركراكي الذي أنهى 7 أيام الباكورية للمدرب الهولندي بقلعة الرجاء.
لا يهمني هنا أن يزين الطوسي ويعزز «السيفي» وبطلاقته التقنية كما قاتل في زلة لسان اعتيادة بتدريب الرجاء ولو لـ 24 ساعة وبعدها يرحل، ولا يهمني أن يواصل هذا الإطار الوطني جولته الجهوية ليشرف على باقي الفرق الوطنية وهو حق من حقوقه التي لا ينازعها فيها أحد.
ما يهم هو ما كشفه لي أكثر من مدرب مغربي في اتصال مباشر من أن الكيل بمكيالين وميثاق الشرف الذي روجنا له بالصحف على لسان رئيس الودادية وبسعي حميد من ماندوزا لتخليق المهنة كان مجرد لغو في حضرة مدربيه قبل عقد الودادية لجمعها العام.
والقاعدة تقول من «لغا فلا ميثاق له»، لذلك هو ميثاق شرف فيه الكثير من القرف..