إما أنني لم أعد أفهم الكرة أو لا أفهم ما يفهمه من يسيرون شؤون هذه الكرة عندنا، أو أن هناك من يزيد في العلم ولا يريد لأصحاب العقول الضيقة مثلي أن يفهموا من الأصل.
قبل نحو سنة جاء فوزي لقجع بمشروع رائد، مشروع كبير انتهى باتفاقية تاريخية للجهاز الذي يسيره مع قطاعات حكومية لم يكن يملك الواحد منا إلا أن يدعو له بالتوفيق والسداد ويختم بـ «الله يكمل بيخير».
حمل رئيس الجامعة أفكارا طبيعية تطابقت مع كان يتمناه كل واحد من أن تعود كرة القدم الوطنية لأصلها، والمقصود هو الممارسة فوق بساط طبيعي بعد بدعة العشب الإصطناعي بكل القبح الذي جاءت به وبكل البشاعة التي رافقت بعض من مبارياته والتي خلت من سياقها الفرجوي الذي جبلت عليه اللعبة بالممارسة فوق «الغازون الطبيعي».
تطابق ما جاء به لقجع مع كثير من هذه المتمنيات وانتظروا تفعيلها على أرض الواقع بدل الشعارات، سيما في ظل الخطابات القوية لرئيس الجهاز والذي قال أنه لا بد للكرة وأن تعود لطبيعتها.
وبالفعل إنتصرت الجامعة لأطروحتها وبدأ هذا الموسم في مرحلة أولى من تقويم المسار، وبغلق 3 ملاعب منها ملعب اكتوى بنار الإصطناعي (البلدي بالقنيطرة) والذي كان شاهدا أيام نشأته على سجيته الأولى على مباريات تاريخية وخالدة للمنتخب المغربي وللكاك العملاقة حين كانت تصول وتجول وتقدم معزوفات كروية رائعة بذات الملعب.
تفعيلا لوعوده قرر السيد رئيس الجامعة أن يكسو ملعب المسيرة بآسفي برداء طبيعي يتيح للعبديين تفجير طاقات إبداعاتهم كما يحلو لهم، وقرر إعادة الرونق المفقود بملعب الفوسفاط بخريبكة والذي كان يعرف بملعب العقرب، في انتظار أن يسري القرار على ملاعب الشيبولا بالحسيمة والشرفي بوجدة وبوبكر عمار بسلا والحارثي وما أدراك ما الحارثي بمراكش.
إلى هنا كان شيء يوحي بالمثالية ويؤشر على العودة للأصل، بعد الكوارث التي تسبب فيها هذا العشب الإصطناعي وحبات الليستيروم و «الكاوتشو» التي تسببت في حساسية البصر للاعبين وإعاقات لبعضهم وقطع أربطة صليبية لفئة ثالثة، وللأسف لم يتطوع أي مسؤول أو باحث للنبش في حصيلة هذه الملاعب الدخيلة على ثقافتنا الكروية ومدى تأثيرها صحيا وتقنيا على اللاعب المغربي ومنظومة اللعب ككل.
ما ليس مستقيما مع هذه المثالية هو «الموسم» بالسكون على السكين الذي نتابعه هذه الأيام من خلال توزيع ملاعب اصطناعية على فرق الهواة وعلى فئات سنية يفترض أنها مستقبل كرة القدم المغربية، في قمة التناقض بين القمة والقاعدة وفي تضارب صريح بين الغاية والوسيلة.
ما تقدم عليه الجامعة حاليا في سخاء لا يمكن إلا الثناء عليه ومدحه بخصوص مقاربة دعم الفرق وتهييء فضاءات الممارسة أمامها، وبين تطلعاتها المستقبلية وما تنشده في المنظور المتوسط أمران لا يستقيمان ولا يلتقيان ولا يتطابقان أبدا.
الأمر يشبه رضيعا يدمن الحليب الإصطناعي وتتطلع أن يفرز هرومونات طبيعية أو أن يكون فطامه طبيعيا، وهو ما يدخل ضمن خانة المستحيلات.
ملاعب القرب التي أصبحت منتشرة كالفطر دون أن يكون بعضها مطابقا لمعايير الجودة المطلوبة في مثل هذه الحالات بكل ما قد يتداعى وراء هذه الآفة وهي فعلا آفة من مشاكل لا حصر لها على الممارس الكروي بالمغرب.
كيف يعقل أن تهيء الجامعة لاعبي الفئات السنية الصغرى وبعدها لاعبي الهواة فوق بساط اصطناعي وبعدما ينضج  كل هؤلاء ليلتحقوا بفرق الأقسام الممتازة يجدون أنفسهم بملاعب ذات عشب طبيعي، وهو ما  ستترتب عنه الكثير من العيوب لا على مستوى التكوين ولا حتى الإبداع والخلق المرتبط بالطبيعة أكثر من سواها.
ملاعب «الحمري» والطين التي كانت منتشرة بمدننا قبل أن يكتسحها وحش إسمه الإسمنت المسلح، وهي الملاعب التي أنجبت لاعبين منهم من حاز الكرة الذهبية ولكم أن تسألوا الزاكي عن ملعب «الروسطال» و«فريميجة» و«الفرشي» بتابريكت، والتيمومي عن ملعب «باعلال» و«الهيلطون» و«تواركة» وغيرهم كثير، ليخبروكم عن قيمة الطبيعي الذي لا يعلى عليه كما لا يقارن مع غيره.
مستحيل أن تطلب لاعبا تربى على الإصطناعي ونشأ في الإصطناعي أن يبهر وينجح ويخلق فوق الطبيعي.
من غير المعقول أن يأتي طالب ظل يتلقى أبجديات التعليم كلها بالعربية ويأتي يوم الإمتحان ليختبر بالفرنسية، أظنكم فهمتم الفرق في المسألة.