كيف يمكن أن نضع الفوز العريض الذي حققه منتخبنا المحلي على منتخب الثوار وأهله لنهائيات «الشان» من دون حاجة لانتظار ما آلت إليه مباراة يوم الأحد أمام نسور قرطاج، في سياقه الطبيعي، فلا يغرر بنا ولا يفتح هوامش جديدة من الجدل البيزنطي ولا يسقطنا في مغبة عقد مقارنات أو مقايسات تبطل لغياب السند الموضوعي؟
قطعا يستحق المنتخب المحلي بأطقمه التقنية والطبية والإدارية وبلاعبيه، وتستحق الجامعة التي ما ترددت في تمكين هذا المنتخب من كل فرص التحضير العالية الجودة، التهنئة على التأهل للمرة الثانية لنهائيات كأس إفريقيا للاعبين المحليين، فقد بذل بالفعل مجهود على أكثر من مستوى ليكون العبور بهذه الصورة القوية، وبذات القطعية أتصدى إلى ما تداعى حول هذا التأهل الذي كان أمام منتخب ليبي فرض عليه في ظروف قاهرة وفي غياب للتنافسية التي هي أبرز سمات الجاهزية للعب على المستوى العالي، أن يلعب على واجهتين، واجهة إقصائيات كأس إفريقيا للأمم 2017 والتي إلتقى خلالها أسود الأطلس وأبدى أمامهم مقاومة كبيرة جعلته لا يتخلف سوى بهدف وحيد، وواجهة تصفيات كأس إفريقيا للاعبين المحليين 2016 والتي سقط خلالها سقوطا مدويا أمام الأسود المحليين بعد أن خسر منهم هنا بالمغرب بثلاثية نظيفة وهناك بتونس برباعية نظيفة.
ما تداعى فيه تقاطع بين من يلبس الفوز العريض لأسودنا المحلية على منتخب الثوار لبوس الهلامية، ويدعو إلى الإجهاز على القاعدة البشرية التي يقوم عليها المنتخب الأول بقيادة الزاكي والإستعاضة عنه بالمنتخب المحلي، وبين من يبخس هذا المنتخب المحلي حقه في أن يكون موضوع إشادة بالنظر للروح الإنتصارية التي واجه بها منتخب ليبيا، ويعتبر أن تمجيد الفوز في غياب العرض والأداء هو بمثابة دعوة للهلوسة وللتغليط ولعقد المقارنات التي لا تقوم على أي سند موضوعي.
والحقيقة أن الإنتصار لأي من الرأيين هو دعوة لتقويض المشروع الذي تبنته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم منذ اليوم الذي قررت فيه الفصل بين المنتخب الأول والمنتخب المحلي، الفصل الذي يبقي لكل منتخب مساحة للإشتغال تقنيا بنوع من الإستقلالية لا الفصل الذي يحدث قطيعة كلية بين منتخبين يفترض أن تكون بينها العديد من الجسور، لقد كان بمقدور الجامعة أن تعهد للناخب الوطني الزاكي بادو بالإشراف على المنتخبين معا كما هو حال عديد المنتخبات الإفريقية وأقربهما للتدليل المنتخب التونسي وحتى المنتخب الليبي، إلا أنها رأت غير ذلك ولها مبرراتها.
لقد أمكنني منذ أن هزم المحليون منتخب الثوار الذي يعيش حالة متفاقمة من التشردم وغياب الجاهزية المقوم الأساس لبناء أي منتخب تنافسي، أن أستمع لتحاليل وآراء وأطروحات، كثير منها حاد عن الموضوعية التي تفترض الإبتعاد أولا عن الأحكام القطعية وتفرض ثانيا الإبقاء على المسافة بين السياقات الزمنية والملابسات التكتيكية لأي مباراة وتستوجب ثالثا الإبتعاد كليا عن طرح المقارنات إما لأنها لا تصح لوجود ما يمنع ذلك وإما لأنها تصيب بالإرتباك ووجع الرأس، فمثلا لا أرى من شبه بين المنتخب الليبي الذي واجه الفريق الوطني بأكادير واستمات أمامه لينهزم بهدف للاشيء، قبل أن يهزم هنا بالمغرب المنتخب المحلي التونسي ثم يسقط بعد ذلك أمام منتخب الرأس الأخضر بمصر في مباراة أضاع خلالها ضربتي جزاء، وبين المنتخب الليبي الذي لعب أمام منتخبنا المحلي وانهار أمامه جماعيا وتكتيكيا وسجل خسارتين ثقيلتين.
لا أقصد من المقارنة إلغاء كل إشادة بذكاء المنتخب المحلي ومدربه امحمد فاخر في الإجهاز على منتخب الثوار بضربه من اليد التي توجعه، ولكن أقصد بها ما يسرح بالفكر إلى ما هو أبعد من ظروف كل مباراة على حدى، إن تواجد المنتخب المحلي في نهائيات النسخة الرابعة لكأس إفريقيا للاعبين المحليين برواندا يحقق للجامعة واحدا من الأهداف الكثيرة المعقودة على المنتخبات الوطنية لتصليح ما كان من أعطاب ولتجاوز ما كان من عجز وقهر، وبصرف النظر عن الطريقة التي كان بها هذا التأهل، فإن الضرورة تفرض الإنكباب على المرحلة القادمة، بطرح أسئلة جوهرية هي:
ماذا نريد من مشاركتنا في نهائيات «الشان»؟
هل نريد الفوز باللقب لمطابقة المشروع الإحترافي المغربي مع محيطه القاري؟
أم نريد أن يكون «الشان» مرحلة إستكشافية لبناء القاعدة البشرية المحلية التي يمكن أن يعتمد عليها المنتخب الأول في الآتي من الأيام؟
بمعية الناخب امحمد فاخر، يجب أن تكون للجامعة وللإدارة التقنية الوطنية جلسة للتقييم وللحسم في الإختيارات بالنظر لاستراتيجيتها ومصيريتها أيضا، فهذا المنتخب المنتقى ليكون سفيرا للبطولة الإحترافية في مسرح التباري القاري، لا بد وأن تعرف له هوية ولا بد أن تحدد له أهداف ولا بد أن توضع له خارطة طريق يعتمدها في السير، ليكون في لحظة الصفر بأتم جاهزية بدنية وذهنية وتكتيكية ليكافح من أجل بلوغ تلك الأهداف برواندا.
مع اقتراب المواجهة الحاسمة التي سيخوضها الفريق الوطني أمام نظيره الغيني الإستوائي برسم الدور الإقصائي الأول لكأس العالم روسيا 2018، يبدو الناخب الوطني الزاكي بادو منشغلا أكثر بالجبهة الهجومية التي كشفت عن محدوديتها في الوديتين الأخيرتين، إذ لم يسجل هجوم الفريق الوطني سوى هدفين في 180 دقيقة لعب من كرة ثابتة من نقطة الجزاء بواسطة عمر قادوري.
وبرغم أن الزاكي لا يشك في قيمة مهاجم مثل يوسف العرابي ويعتبره خيارا لا محيد عنه، إلا أنه منشغل بمن يستطيع إلى جانبه رفع النجاعة الهجومية، وفي ذلك هو منقسم على نفسه بالقيمة المضافة التي يمكن أن يأتي بها كل من عبد الرزاق حمد الله الذي سجل هدفه الثامن في دوري نجوم قطر بمعية ناديه الجيش، من دون أن يبرز حضورا مقنعا مع الفريق الوطني بخاصة في مباراة غينيا الودية، ومحسن ياجور الذي لم يوقع غير هدفين في دوري نجوم قطر مع ناديه قطر.
وإذا كان الزاكي بادو يعض الأنامل أسفا على أن مهاجما مثل مروان الشماخ الذي لطالما تفاءل بمردوده الكبير مع الفريق الوطني لم يتخلص كليا من الإصابة التي تبعده منذ أشهر عن فريقه الإنجليزي كريستال بالاس، فإن البدائل المطروحة أمامه لرفع النجاعة الهجومية بخاصة في المواجهة الحاسمة أمام منتخب غينيا الإستوائية والتي سيكون للأهداف المسجلة دور كبير فيها لا تبدو كثيرة جدا، برغم أن التفكير يمكن أن يذهب إلى مصطفى الكبير الذي وقع خامس أهدافه في البطولة التركية مع ناديه جينسليربيرليجي وإلى ياسين بامو الذي عاد أساسيا لهجوم نانط ووصل إلى هدفه الثالث، وحتى إلى أسامة طنان مهاجم وهداف نادي هيراقليس الهولندي في حال ما إذا شفي من إصابته، علما أنه كان من بين خيارات الزاكي في الوديتين الأخيرتين أمام كوت ديفوار وغينيا.
ولا يمكن للنجاعة الهجومية المفتقدة نسبيا داخل الفريق الوطني على اعتبار أننا سجلنا أربعة أهداف في مباراتينا الرسميتين أمام ليبيا وأمام ساوطومي برسم تصفيات كأس إفريقيا للأمم، لا يمكن لهذا الإستعصاء الهجومي النسبي أن يحل فقط بشريا، ففي حال إنتفاء هذا الحل، فإنه يكون لزاما التوجه إلى طريقة اللعب لتنقيحها في محاولة لرفع المردودية الهجومية، إن لم يكن باللعب بمهاجمين صريحين، فاللعب بمجموعة متغيرات تكتيكية ترفع الأداء الهجومي إلى السقف المطلوب وتضفي عليه نسبة كبيرة من الفعالية، وأعتقد أن الزاكي بادو مؤهل للتفكير في كل الخيارات التكتيكية لعبور حاجز غينيا الإستوائية واستشراف الأفق المونديالي القادم بكثير من التفاؤل.