هكذا هي هذه البلاد الطيبة والمبروكة، عندما ييأس الناس من هطول المطر يرسل الله سبحانه وتعالى مطرا به يغاث الناس، وعنما تسحق الأزمة المالية كثيرا من دول العالم فتنهش إقتصادها، يبدو هذا المغرب عصيا على كل الأزمات والتقلبات الإقتصادية، وعندما يصيبنا جميع القنوط ونتشاءم بمستقبل رياضتنا الوطنية وقد خلا حاضرها من أساطير تسير بذكرهم الركبان، عندما ننهش بعضنا  ونحن نقذف جزافا بالتهم ونقول أن ثدي الوطن قد جف، يأتي من يكذبنا ليقول أن هذا المغرب له رب يحميه وله ملك يسهر على شأنه ليل نهار وله رجال صدقوا ما وعدوا به، أن يعطوا اللحم والدم من أجل أن ترتفع الراية المغربية في كبريات المحافل الرياضة والفكرية والإبداعية، فقد كان رائعا في موسم القحط وفي خريف الإقصاءات والنكبات الرياضية، أن يطلع علينا الملاكم محمد ربيعي من الدوحة القطرية بربيع جميل وساحر يزيل بعضا من الغمة التي جثمت طويلا على القلوب.
نجح محمد ربيعي في الوصول لنهائي وزنه في بطولة العالم للملاكمة التي تختتم اليوم بالدوحة، بعد أن عبر بإصرار الأبطال العديد من الأدوار، فقد دخل هذا الفتى المتبسم دائما والجسور أبدا والطامح لإهداء بلده شيئا رائعا، التاريخ عندما كان بوصوله للنهائي أول ملاكم مغربي يتبارى في تاريخ بطولات العالم للملاكمة على المعدن النفيس.
والواقع أن المنطق أحترم بشكل كبير في وصول ربيعي للقاء النهائي، فقد نجح هذا الملاكم الجسور في فرض نفسه كأحسن ملاكم عالمي في وزنه من خلال منافسات السلسلة الدولية التي لم يخسر أيا من مبارياتها، ليس هذا فقط بل إن محمد ربيعي قدم للفن النبيل نموذجا مبتكرا وجميلا يضعه بامتياز في طليعة الملاكمين العالميين.
بالقطع لن يقف طموح محمد ربيعي عند الميدالية الفضية التي باتت موضوعة سلفا على عنقه، بل إنه سيطمح وهو ينازل الملاكم الكازاخستاني دانيار يليسنوف بطل العالم إلى رفع سقف الإنجاز إلى درجة هلامية لطالما أن الميدالية الذهبية ستضعه بلا أدنى شك في مصاف عظماء الملاكمة الإفريقية والعربية، ولأنه نزال يجمع بين ملاكم يحمل لقب بطل العالم وملاكم يحمل لقب الأحسن عالميا، فإنه بالإمكان أن نتصور ضراوة وقوة النزال الذي بدأ الحديث عنه منذ اليوم كنزال تاريخي.
كنا نطمح لو أن ملاكمين آخرين غير محمد ربيعي نجحوا في الوصول إلى العتبة ألأخيرة المطلة على البوديوم العالمي، ولكن علينا أن نقنع بالحصيلة ونثمن عاليا الإستراتيجية التي وضعتها الجامعة الملكية المغربية للملاكمة على عهد رئيسها السيد جواد بلحاج والتي قامت أفقيا على تعزيز عالمية الملاكمة بوضع الملاكمين المغاربة الواعدين في سياق التظاهرات العالمية سواء من خلال تنظيم الدوري الدولي محمد السادس الذي يستقطب كبار المدارس والملاكمين في العالم، أو من خلال الدخول في صلب السلسلة الدولية للملاكمة العالمية والتي أتاحت لنا فرصة إكتشاف البطل محمد ربيعي، وعموديا ببعث الملاكمة في الأغوار التي نبتت فيها وتمكين الأندية المرجعية من كل الإمكانات للعودة مجددا إلى تكوين الملاكمين.
بعد مونديال الدوحة الذي نتمنى أن ينهيه محمد ربيعي في أعلى المراتب العالمية، ستبدأ رحلة من نوع آخر يجب أن يتعبأ لها الجميع، رحلة تحضير محمد ربيعي لأولمبياد ريو دي جانيرو الذي ستحلم الملاكمة الوطنية  ونحن معها بميدالية أولمبية بعد ميداليات الأخوين عشيق والتمسماني.