من يصدق؟
الرجاء الذي نال لقب وصيف بطل العالم بوصوله قبل أسابيع للمباراة النهائية لكأس العالم للأندية متخطيا أبطال ثلاث قارات، يخرج من الدور الأول لعصبة الأبطال الإفريقية مقصيا ومهزوما بضربات الترجيح من نادي حوريا كوناكري الذي ليس في رصيده أي لقب قاري، وقد يكون أقصى حلمه بلوغ دور المجموعات.
الرجاء الذي أضاء من حولنا شموع الأمل وسنة 2013 ترخي الستارة على كم مرعب من الأحزان بنيله لعالمة التميز عالميا يعود بعد أقل من ثلاثة أشهر ليطفئ القناديل ويعيدنا لسراديب العذاب.
من يصدق أن الرجاء الذي يوجعنا اليوم هو نفسه الرجاء الذي أهدانا بالأمس القريب بارقة أمل ومشروع رجاء؟
قطعا هي كرة القدم التي لا يمكن أن يأمن لها أحد، ولا يوجد أي فريق بمقدوره أن ينجو من شظايا مفاجآتها المتطايرة كالشرر، ولكن ما كان أحد بيننا يتوقع أن يتوقف النسور الخضر عند أولى أدوار عصبة الأبطال، هم من مكنوا من كافة الإمكانيات اللوجستيكية المساعدة على فرض الذات وقهر كل الظروف حتى تلك التي تجني على الإبداع، وهم من جيء لهم بمدرب قيل أنه على دراية كبيرة بالكرة الإفريقية وأنه ربان يخبر جيدا كل الكهوف والمغاور بل وبيده ما يكفي من الحلول السحرية لفك أعتى المعضلات، ما كان أحد يتوقع أن يكون الخروج بنفس الكارثية التي تصيب بالوجع بل وبالعار الذي كان قبل سنتين عند الإقصاء المخجل من تشيلسي الغاني، برغم أن الرجاء ظل على الرغم من موندياله الأسطوري يعيش نفس حالة الإنقباض والوجع والإحتباس التي عكستها بدرجات متفاوتة مبارياته في البطولة الإحترافية.
من شاهد الرجاء أمام حوريا كوناكري الغيني يجهز بنفسه على أحلام كبيرة تتمثل في استعادة اللقب القاري الذي غاب عن الرجاء منذ 15 سنة كاملة، من شاهد النسور يسقطون مرة ومرتين من دون أن ينجحوا في التحليق عاليا، يدرك جيدا أن فوزي البنزرتي لم يغير شيئا من نمطية الأداء، لم يستطع إلا في لحظات إطلاق النسور من معاقلها وأبدا لم ينجح في وضع جلباب تكتيكي على مقاس الفريق، وأن النجاح الذي تحقق في كأس العالم للأندية كان بالفعل لحظة إلهام عابرة مرت على الرجاء فألهمته تلك الملحمة الجميلة ثم توارت عن الأعين.
بالقطع نحن أمام خنجر مؤلم يخترق الجسد بكامله ويسقط كل أمل في القطع مع مآسي الإقصاءات والنكبات، فقد قدر لنا أن نعيش من جديد سبتا أسود، فبعد الخروج المتوقع للمغرب الفاسي من الدور الأول لكأس الكاف على يد ميدياما الغاني هو من حمل لقبه قبل ثلاث سنوات بالنظر إلى ما كان من إندحار هناك بغانا في مباراة الذهاب بخسارة ثلاثية الأبعاد، وبعد الإقصاء المخجل للجيش من الدور التمهيدي لعصبة الأبطال الإفريقية على يد ريال باماكو المالي، ها هو الرجاء يعجز حتى عن الوصول إلى دور المجموعتين وهو من كان قبل أسابيع تاجا على رؤوس الأفارقة بل والمرشح الأول للفوز باللقب القاري.
ثلاثة أندية مغربية تعتزل بشكل مبكر وبصورة فجة وجالبة للعار التنافس قاريا لتخلو الطريق المفضية إلى لقب الأبطال من كل فارس مغربي وليقتصر الحلم على الدفاع الجديدي الذي قد يكون وضع قدما في الدور ثمن النهائي لكأس الكاف، ولا أحد يعرف ما ستأتي به الأيام.
وإذا ما نحن إلتمسنا للمغرب الفاسي العذر وما أكثر ما أصبحنا هذه الأيام نهرع للأعذار لنخبئ هلعنا مما يحدث، لو نحن إذا إلتمسنا العذر للنمور الصفر في خروجهم السريع من كأس الإتحاد الإفريقي بالنظر إلى حالة الشتات المعنوي التي يعيشها ممثل العاصمة العلمية الأول والتي تنسب في واقع الأمر إلى طريقة مستهجنة وبديئة في إدارة النجاح والإستثمار فيه، فإننا لن نجد للاعبي الرجاء أي عذر يعفيهم ومدربهم من مسؤولية الصفعة القوية التي وجهوها إلينا جميعا، نحن من كنا نظن أن النسور حصلوا أخيرا على أجنحة فولاذية تساعد على التحليق في سماء ملأى بطواحين الهواء، ولن نجد مزيدا من الحاجة إلى الكذب على أنفسنا بترديد تلك الأسطوانة المشروخة التي تقول أن كرة القدم الوطنية لها في الرجاء وفي البطولة الوطنية نبع لا ينضب.
لم تكن ليلة سقوط الرجاء والمغرب الفاسي وقد كانت قبل ذلك ليلة حزينة سقط فيها الجيش من مرتفع قاري بسيط لتتكسر فيه الضلوع علامة على الهشاشة، ولكنها بالأصل ليلة سقوط آخر قلاع الوهم الكبير.
علينا أن نعترف أننا تأخرنا عن إفريقيا بعشرات الأميال، نحن من توهمنا أن المال قد تقدم بنا خطوات للأمام..
علينا أن نكف عن زيف المقارنات بعد هذا الإقصاء الثلاثي الأبعاد، فقد سقطنا في بئر ليس له قعر سوانا.