بدا وكأن التاريخ يعيد نفسه فقد فاز سيب بلاتر بفترة ولاية جديدة كرئيس للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) يوم الجمعة 29 ماي 2015 وألقى خطابا مشابها تماما لما قاله في 2011 حول الحاجة للإتحاد للعمل بصورة جماعية لاقتلاع جذور الفساد.
قال بلاتر إن سمعة الفيفا سقطت إلى أدنى مستوياتها وتحتاج إلى استعادتها، وحتى يتحقق ذلك سيكون بلاتر في حاجة إلى اكتساب ثقة عائلة كرة القدم وأن تتحول كلماته إلى أفعال على أرض الواقع.
وحتى التشبيه المجازي الذي استخدمه بلاتر كان مشابها لما حدث منذ أربع سنوات عندما أكد أنه بحاجة إلى قيادة سفينة الفيفا في الأمواج العاتية وإعادتها إلى بر الأمان.
لكن هذه المرة وفي ظل دخول بلاتر فترة ولايته الخامسة على رأس الفيفا والتي سيبلغ مع نهايتها عامه 83 فإن التحدي سيكون أكثر صعوبة مما كان عليه قبل أربعة أعوام.
ولم يفشل بلاتر فقط في تطهير سمعة الفيفا الملطخة بالفضائح لكنه قد يواجه المزيد من التشكيك في مصداقية الإتحاد الدولي لكرة القدم بعدما كشف المحققون في الولايات المتحدة عن تفاصيل تتعلق بالفساد الكروي وتورط مجموعة من مسؤولي الفيفا.
وما يزيد من تعقيد المهمة أن ملامح الإنقسام بدأت بالفعل في الظهور بين أعضاء الفيفا.
ومن شأن هذا المزيج أن يمثل إختبارا لبلاتر الذي قضى معظم سنوات مشواره في منصبه على مدار 17 عاما في مواجهة مشكلة تلو الأخرى.
وفي 2011 نال بلاتر دعم 186 من أصل 208 أعضاء بالفيفا وفاز برئاسة الفيفا دون منافسة.
 معارضة قوية
هذه المرة واجه بلاتر معارضة قوية من أوروبا معقل معظم الأندية الكروية العملاقة والفائزة بآخر ثلاثة ألقاب لكأس العالم وهي القارة التي تجتذب معظم كبار وأبرز اللاعبين.
ونال بلاتر 133 صوتا أمام منافسه الأمير علي بن الحسين الذي حصل على 73 صوتا، ولم يكن ذلك كافيا لكي يفوز بلاتر بالمنصب في الجولة الأولى من التصويت لكن الأمير علي انسحب وأقر بالهزيمة بعد ذلك لتحسم المواجهة.
وقال مايكل فان براغ رئيس الاتحاد الهولندي لكرة القدم: "يعاني هذا الرجل من ضغط متزايد، لو كنت مكانه لفكرت مجددا في جدوى الإستمرار وهذه نصيحتي له".
وأضاف الرجل الذي كان مرشحا لرئاسة الفيفا قبل أن ينسحب من السباق قبل أيام: "لقد أبلغته عدة مرات بأنه بغض النظر عما سيفعله وحتى لو اتخذ قرارات جيدة فلا أحد بالعالم سيكترث بذلك كثيرا".
ودخل الإتحاد الأوروبي لكرة القدم في خلاف مع بلاتر في العام الماضي عندما لم يلتزم الأخير بوعده بأن تكون فترة ولايته الرابعة هي الأخيرة بالفيفا.
وقال ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي إن اتحاده لن يساند بلاتر وشدد الرجل الفرنسي على ذلك في ليلة الانتخابات.
وفسر بلاتيني سبب معارضة بلاتر بهذه الطريقة وقال "أنا أحب بلاتر وكان يقول لي دائما إنه مثل عمي. لكن لكل شيء حدود".
وأضاف بلاتيني الذي كان حليفا قويا في الماضي لبلاتر: "لو لم يكن بوسعي إبلاغه بأن هذا هو الوقت للتوقف فمن سيفعل ذلك غيري؟ الصديق المخلص هو من يستطيع إبلاغ صديقه بالحقيقة، أقول ذلك والدموع في عيني".
 مقاطعة كأس العالم
ووصلت الخلافات إلى أن تحدث البعض عن مقاطعة المنتخبات الأوروبية لكأس العالم وهو الأمر الذي لم يكن من الممكن أن يتطرق لأذهان المشجعين في الماضي.
وقال غريغ دايك رئيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم: "إذا قال كل الإتحاد الأوروبي لكرة القدم وأرادت كل الدول أن تفعلها فأعتقد أن ذلك سيكون مناسبا".
وحذر بلاتيني الفيفا من الاقتطاع من حصة أوروبا في نهائيات كأس العالم المقبلة وقال إنه "خط أحمر لا يمكن اجتيازه".
وربما يفكر الفيفا بشكل منطقي في أن تكون أوروبا تملك حصة زائدة عن المفترض خاصة مع خروج سبعة منتخبات أوروبية من الدور الأول لكأس العالم 2014 من أصل 13 منتخبا أوروبيا.
لكن بلاتيني كان مصرا على موقفه وقال: "لن تخسر أوروبا مقعدا في 2018 وسنتمسك بالعدد 13، هذا لن يتغير ولن نسمح بذلك".
ولم يفسر بلاتيني ما يمكن فعله لو اجتاز الفيفا هذا الخط الأحمر لكن فكرة مقاطعة أوروبا للمسابقة تبقى حاضرة.
وتبقى كرة القدم خالية من مثل هذه المقاطعات في أغلب الأحيان ولو حدث انقسام مثل ذلك فإن تحرك الاتحاد الأوروبي قد يمثل كارثة لكأس العالم حسبما ترى معظم وسائل الإعلام.
وألقت أوروبا بثقلها خلف منافس بلاتر الأمير علي وثارت تكهنات حول وجود رغبة من أعضاء في اتحادات أخرى بالسير على النهج ذاته.
لكن في النهاية حسم بلاتر السباق الذي يملك فيه كل اتحاد من 209 أعضاء صوتا واحدا فقط وهو ما يعني مثلا أن اتحاد ساوتومي يملك نفس حقوق التصويت مثل عمالقة الكرة كالأرجنتين وألمانيا.
المجندون وراء بلاتر
ويوزع الفيفا إيراداته بالتساوي على أعضائه البالغ عددهم 209 وبعيدا عن مسابقات الدوري الثرية في أوروبا فإن مثل هذه المبالغ تمثل طوق النجاة للإتحادات الصغيرة.
وكان ذلك حاضرا بقوة قبل انعقاد الإجتماع السنوي للفيفا عندما عرض فيديو يوضح مشروعات الفيفا للتطوير في جزر القمر وكوستاريكا وغوام.
وفي اتحادات أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا والكاريبي ينظر كثيرون إلى بلاتر بأنه الرجل الذي يواجه الأفضلية المادية لأندية أوروبا ومسابقاتها الكبيرة ويتصدى لها.
وعندما ألقى بلاتر كلمته لمدة 15 دقيقة في الإجتماع السنوي كان واضحا أنه سيفوز بفترة جديدة بعدما ارتفع صوت التصفيق قبل أن ينتهي من كلماته.
وقال بلاتر: "هذا سؤال يتعلق بالثقة والثقة يجب أن تأتي منكم، أنا تحت أمركم ولو أردتم بقائي فأنا أشكركم على ذلك".
وأضاف الرجل الذي شغل أيضا منصب الأمين العام للفيفا بالفترة بين 1981 و1998: "البعض قد يقول إني معكم منذ فترة طويلة للغاية لكن لماذا الإشارة إلى موضوع الوقت؟".
وتابع: "أشعر أني قضيت وقتا قصيرا في الفيفا".

وكالات