على امتداد الـمواسم الأخيرة، فرط الدفاع الحسني الجديدي في عدد كبير من لاعبيه الأساسيين الذين غادروا النادي تباعا في ما يشبه الهروب الجماعي، وظل هذا السيناريو يتكرر مع نهاية كل موسم رياضي آخرهم الحارس زهير لعروبي واللاعبين أسامة لغريب وبكر الهيلالي الذين يتأهبون لـمغادرة القلعة الجديدية مع متم البطولة الحالية، تزامنا مع نهاية عقودهم الإحترافية رفقة الفريق الدكالي الذي تحول إلى جسر عبور للاعبين كانوا مغمورين ورسموا لأنفسهم مسارا متميزا خلال مجاورتهم للدفاع، ليغيروا الوجهة نحو أندية وطنية وأجنبية بعد ارتفاع أسهمهم في بورصة الإنتقالات، مستغلين بذلك سذاجة مسيرين يفتقدون لآليات ناجعة للتفاوض والقدرة على الإقناع، مما جعل الفريق الجديدي يخسر كل موسم رهان الحفاظ على استقراره البشري بتفريطه في أجود عناصره التي تصنع اليوم أفراح عدد من الأندية الوطنية أمام أعين جماهير دكالية تراقب الوضع  بكثير من الألم الممزوج بالحسرة الذي يعتصر قلبها.  
الجديدة محطة العبور 
ليست هذه الـمرة الأولى التي يفرط فيها مسيرو الدفاع الحسني الجديدي بفعل تدبيرهم الهاوي للموارد البشرية للنادي في أجود العناصر، إذ سبق وأن غادر القلعة الدكالية في الثلاث سنوات الأخيرة جيش عرمرم من اللاعبين سواء الـمحليين من أبناء الدفاع الذين تنكروا لفريق كان له الفضل الكبير في ما وصلوا إليه الآن من نجومية، أو القادمين من أندية أخرى والذين أدار عدد كبير منهم ظهره للدفاع ووقعوا لأندية وطنية وأجنبية، بعدما صنعوا مجدهم وتحولوا من أسماء مبنية للمجهول إلى نجوم مبنية للمعلوم، مستغلين نهاية عقودهم مع الفريق الجديدي وارتفاع أسهمهم داخل الساحة الكروية، ونذكر من بينهم على سبيل المثال: يونس حمال، عادل كروشي، منير الضيفي، أحمد الدمياني، عبد الله لهوا «بيبو» قبل أن يعود هذا الأخير لفريقه الأم في الـميركاطو الشتوي بدعم من بعض الجهات، محمد نهيري، أحمد شاكو، إبراهيم النقاش، الـمهدي قرناص، عمر منصوري، بل حتى المدربين تم التفريط فيهم كما حصل السنة الـماضية مع الجزائري بن شيخة وقبلهم لاعب إفريقيا الوسطى فيفيان مابيدي الذي رفض الإستمرار مع فارس دكالة ووقع للرجاء البيضاوي وهو ما زال على ذمة الدفاع، قبل أن تتم تسوية هذا الـملف وديا بين الأخضرين الدكالي والبيضاوي بعدما تعهد الرجاء بشراء ما تبقي من عقد إبن بانغي مقابل 200 مليون سنتيم، نصف الـمبلغ المذكور تسلمه الدفاع من الجامعة بعدما وضع شكاية لدى لجنة النزاعات ضد الرجاء، وقبله السينغالي محمد روبيز والنيجيري موسى سليمان وآخرين، كما لو أن الجديدة التي وصفها ذات مرة نائب الرئيس أبو الفراج بــ «العتبة السخونة»، تحولت إلى جسر عبور لـمن أراد البحث عن النجومية من اللاعبين والـمدربين على حد سواء.
ويستمر النزيف البشري
إستمر النزيف البشري هذا الـموسم داخل الدفاع الجديدي دون أن يستوعب القائمون عن الشأن الكروي للنادي الدروس والعبر من أخطاء الـماضي القريب، حيث حملت تباشير السنة الـميلادية الحالية أخبارا غير سارة للجماهير الدكالية مفادها أن حامي عرين الفرسان وصانع ملحمة كأس العرش للعام الـماضي زهير لعروبي أبرم «حسي مسي» في الثامن من شهر يناير الماضي عقدا مبدئيا يمهد له الإنضمام للوداد، وذلك في غفلة من الجديديين الذين كانوا  في دار غفلون.
تريث لعروبي الذي كان قد جلبه الدفاع قبل ثلاثة مواسم من النادي القنيطري مقابل مبلغ ناهز 175 مليون سنتيم، قبل أن «يفركع الرمانة» ويعترف لـمكتب الدفاع بتوقيعه لعقد مبدئي مع الوداد الذي كان يحلم بمجاورته وحضور أجواء الديربي حاملا ألوانه، وهو الخبر الذي شكل صدمة قوية للجديديين وفي مقدمتهم الـمكتب الـمسير الذي كان يرتب لتمديد عقده، إلا أن زهير فجر أزمة أخرى داخل مكتب الدفاع عندما صرح بأنه أكره على طلب اللجوء الرياضي للقلعة الحمراء وقصد «الدار الكبيرة» بعدما رفض عضو جديدي تمكينه من جزء من مستحقاته الـمادية لإنقاد أحد أقربائه من ضائقة مالية خانقة كان يمر منها، حيث مكنه الفريق الأحمر من شيك بقيمة 40 مليون قام بصرفه في الحين لتغطية ديون شقيقه، وهي دفوعات إعتبرها كثيرون غير مقنعة سعى من ورائها إبن حي يعقوب المنصور إخلاء مسؤوليته من تهمة الخيانة ورمي الكرة في معترك إدارة الدفاع التي تتحمل النصيب الأوفر في «هروب» لعروبي من الفريق الدكالي بسبب تماطل مسيريه في تمديد عقده قبل ارتفاع أسهمه.
وعلى نفس المنوال سار زميله في الدفاع أسامة لغريب الذي اختار العودة إلى حيث تعلم أولى أبجديات الكرة مع فريقه الأم إتحاد طنجة الذي ظل يتتبع أدق تفاصيل مسيرته من الجديدة، وعندما أيقن الظهير الأيسر لـمنتخب الـمحليين أن الطريق معبدة أمام فارس البوغاز للصعود إلى «البريميرا»، إزداد حنينه للعودة لحمل القميص الأزرق، ومن ثمة لم يتردد في قبول عرض مسؤولي الإتحاد الذين صمموا صفقته شتاء، وتحديدا في فترة العطلة الشتوية، وأحيط هذا الموضوع بسرية تامة قبل أن يخرج إلى العلن، إلا أن أسامة نفى الخبر عدة مرات وظل يقدم تطمينات في شكل مسكنات للجماهير الجديدية بعدم التخلي عن قميص الدفاع، وأكد نفس الرغبة للمسيرين خلال جلساته الـمتكررة معهم، بل حسم الطرفان في كل البنود التي سيتضمنها العقد الجديد بما في ذلك الإمتيازات الـمادية التي سيحصل عليها أسامة على مدى الثلاث سنوات القادمة، قبل أن يكتشف الدكاليون الحقيقة الـمرة ويتلقون صدمة «كانت قوية» على حد تعبير الفنان الـمغربي الأصيل والـمعتزل عبد الهادي بلخياط، وهي توقيع ظهيرهم الأيسر للإتحاد في نفس الفترة تقريبا التي أمضى فيها لعروبي مع الوداد بعدما حصل على 95 بالـمائة من مستحقاته الـمادية لهذا الـموسم والذي قبله والتي كانت أحد شروطه أثناء جولات الحوار مع الـمسؤولين لتمديد مقامه بالجديدة، وما زال مدينا للدفاع بـ 14 مليون  سنتيم فقط. 
ثالث الـمغادرين للفريق الدكالي هو البركاني بكر الهيلالي الذي مهد له زميله لغريب الطريق للإنتقال لفارس البوغاز الذي سيدافع هو الآخر عن ألوانه بدءا من الـموسم الـمقبل قادما إليه من عاصمة دكالة التي جاور فريقها الأول لسنتين.
إدارة الدفاع في قفص الإتهام
تشير أصابع الإتهام إلى الـمكتب الـمسير للدفاع الجديدي باعتباره المسؤول عن تدبير أمور الفريق على مختلف الأصعدة وفي مقدمتها الـموارد البشرية، ذلك أنه أخفق في كثير من الـمرات في الحفاظ على الإستقرار البشري وصيانة مكتسبات النادي من خلال تفريطه في عدد كبير من الركائز الأساسية التي كانت تصنع الفارق للفريق الدكالي وساهمت بقسط وافر في تألقه خلال الـمواسم الأخيرة ودخوله نادي الأبطال، واستعرضنا بعض النماذج تمثيلا لا حصرا، حيث أثبتت التجارب أن مسيري الدفاع لغاية الأسف، يفتقدون إلى مهارة التفاوض وديبلوماسية الإقناع، بدليل أنهم نجحوا هذا الـموسم في إقناع لاعبين إثنين من أبناء الدفاع بالبقاء هما: زكرياء حدراف وعادل صعصع، وفشلوا بالـمقابل في إقناع المنتدبين من فرق أخرى الذين فضلوا تغيير الأجواء بعدما ارتفعت «كوطتهم» وأسهمهم بالجديدة، وهو أمر طبيعي ما دام أن مكتب الفريق ليست له رؤية إستراتيجية بعيدة الـمدى، حيث يظل الـمسيرون طيلة الـموسم يغطون في سبات عميق ويلعبون دور المتفرج، ولا يبادرون إلى مفاوضة اللاعبين جديا في موضوع تجديد عقودهم الإحترافية إلا قبل أشهر قليلة من نهاية ارتباطهم بالنادي، بعدما يكون هؤلاء «النجوم» قد حسموا بنسبة مئوية كبيرة في مستقبلهم ووجهتهم الـمقبلة، بل إن هناك من اللاعبين من تسلم نسخة من عقد الدفاع واستغلها كوسيلة ضغط أثناء مفاوضاته لأندية أخرى بغية الرفع من قيمة وسومة صفقة انتقاله.
الآن، وبعد أن فرط الدفاع الحسني الجديدي في مجموعة أخرى من عناصره المتألقة، أضحى مكتبه الـمسير الذي ستنتهي ولايته الحالية مع نهاية هذا الـموسم، مطالبا باستخلاص الدروس والعبر من أخطائه القاتلة السابقة، وأن يبادر إلى فتح نقاش جدي مع اللاعبين الـمتميزين الذين تشرف عقودهم على نهايتها في الـمواسم القادمة، من بينهم صانع الألعاب سفيان كادوم الذي يتعقبه رادار الرجاء البيضاوي، وثانيا فسح الـمجال لأبناء الفريق الـموهوبين للإلتحاق بالكبار، وتقنين عملية الإنتدابات الصيفية والشتوية، حتى لا تستنزف طاقات الدفاع الجديدي مرة أخرى ويتعرض الفريق لنزيف بشري جديد يؤثر سلبا على مستقبله الكروي.

أحمد منير