ثمة شيء لا بد وأن نذكره اليوم وقد طوت الأندية الـمغربية الثلاثة الـمفوض لها من الكرة الوطنية الدفاع عن الحلم الإفريقي، مرحلة ذهاب الدور ثمن النهائي لعصبة الأبطال ولكأس «الكاف»، هو أن لا شيء حسم تماما كما كنا نتصور حتى قبل أن تهل جولة الذهاب، فعندما يتعلق الأمر بنزالات هي على نفس الدرجة في المحرار التقني والتكتيكي وبمباريات يكون طرفها أندية تتشابه في الخصوصيات وفي الشخصيات الفنية برغم ما يوجد بينها من فوارق في الرصيد التاريخي، لا يمكن الجزم بأن الأمور تحسم من البداية أو من مرحلة الذهاب.
لا الـمغرب التطواني أمن على دخوله لدور الـمجموعات لأول مرة في تاريخه الإفريقي البكر لـمجرد الفوز بسانية الرمل بهدف محسن ياجور، ولا وفاق سطيف الجزائري قال بأن تعادله هنا في الدار البيضاء أمام الرجاء بهدفين لمثلهما رجح كفته وقطع به ثلثي المسافة نحو الدور القادم ولا الفتح الذي نال بدرجة الإستحقاق العالية التعادل هناك بمصر أمام القوي والجريء الزمالك، يمكنه أن يتصور للحظة أن مباراة العودة ستكون لصالحه مرفقة بتأشيرة العبور إلى الدور ثمن النهائي المكرر والذي سيستقبل المقصيين من ثمن عصبة الأبطال.
أبدا لم يحسم شيء، وأبدا لا يمكن أن نتوهم أن أي فريق قد ربح مسافة عن منافسه بالفوز على أرضه أو بالتعادل خارج حصونه، فما دلتنا عليه المباريات الثلاث برغم الإختلاف الواضح في المضامين الفنية والحمولات التكتيكية، أن الأندية الستة الـمتسابقة بشراسة من أجل البطائق الثلاث الممنوحة تحتفظ فعليا بذات الحظوظ، حتى وإن كان بعضها لم يستثمر عنصر اللعب بالميدان.
كثيرون رأوا في تعادل الرجاء بالهدفين بمركب محمد الخامس، إهدارا لكثير من الحظوظ وإعداما لجانب كبير من الأفضلية التي يهيؤها في العادة اللعب بالميدان، فقد أصبح الوفاق الذي يلعب بروح الفريق الحامل للقب الإفريقي مالكا لكثير من الأفضليات عندما يستضيف النسور الخضر على أرضه، أن يفوز بالحصة التي يريد أو يتعادل بلا أهداف وأيضا بهدف لـمثله، ومن يعود لمضمون مباراة الذهاب سيعثر على أشياء كثيرة تفيد بأن الرجاء ظلم نفسه كثيرا أولا عندما لم يحسن التعامل مع كل الفرص التي صممها بدقة جماعية، وثانيا عندما إرتكب هفوات دفاعية بدائية بعضها من جنح التوظيف وبعضها الآخر من التفريط في التماسك الذي هو شرط لبناء أي عمق دفاعي، وعندما يكون الرجاء قد تعادل بفعل أخطائه أكثر ما تعادل بفعل قوة منافسه، فإنني لا أنظر لمباراة العودة هناك في سطيف نظرة المتشائم، فالرجاء بحاجة لأن يكون هو نفسه، الرجاء الواثق من إمكاناته وممكناته، الرجاء الذي يملك القدرة على تحويل الضغط النفسي إلى قوة دفع رهيبة والرجاء القادر على أن يترفع عن كل الأخطاء الـمجانية التي سقط فيها يوم واجه الوفاق هنا بالدار البيضاء.
ولا يعني إفراطي في التفاؤل بقدرة الرجاء على تجاوز حالة الإحتباس التي إشتكى منها ذهابا، أن المبارة أمام الوفاق بسطيف ستكون سباقا هادئا لا رياح فيه ولا أعاصير، بالعكس سيوضع لاعبو الرجاء تحت فوهة بركان، سيقذفون بالحمم الحارقة وعليهم أن يحولوا كل الجمرات إلى أزاهير يجلبون بها عطر الفوز والتأهل.
ولا أستطيع حيال ما شاهدته من لاعبي المغرب التطواني من شجاعة في المحاكاة ومن جرأة في اقتحام حصون الأهلي المصري الذي له تقاليده الكروية التي تنمحه نوعا من الرهبة، إلا أن أقول بأن الفوز ذهابا بهدف محسن ياجور يوزن فعلا بالذهب، لأنه يعطي سبقا رقميا لا بد وأن يكون موضوع تقييم صريح وموضوعي، إنه سبق لا يضمن التأهل لدور المجموعتين ولكنه يمنح المغرب التطواني فرصة لأكثر من مقاربة لمباراة الإياب الحاسمة التي يجب أن يهيأ لها السيناريو الأمثل، فما تأكدنا منه في مباراة سانية الرمل بمعزل عن الفوز، هو أن كثيرا من المسافات التقنية والتكتيكية التي كنا نظن أنها موجودة بين مغرب تطواني ساع إلى كتابة إسمه في سجل كبار إفريقيا وبين أهلي هو نادي القرن بإفريقيا، هي فقط من صنع الإنشاءات الصحفية.
نثق في قدرة الـمغرب التطواني على كسب الرهان ونعرف أن مصدر هذه الثقة معرفتنا الكبيرة بأن الحمامة البيضاء لها كل القدرة على التحليق الجيد في سماء مصرية ملأى بالنسور والطيور الجارحة.
وكانت فرحتنا ستكون كبيرة لو أن الفتح عاد من مصر فائزا على الزمالك، فما قدمه على طول المباراة التي لعبت بلا جمهور كان يشفع له بالوصول للمرمى في مناسبة أو مناسبتين، إلا أنه لا يجب أن نغتر بالصورة القوية التي ظهر بها الفتح وهو ينوم كل إبداعات الزمالك ويخرس ما بداخله من أصوات أسطورية، ونقول أن التأهل أصبح نصفه بالجيب، ففي انتظار الفتح مباراة عودة لا بد وأن يناقشها بأسلوب يقوم على الإحترام الكبير لـمقدرات هذا الزمالك الذي لا ندري إن صحا من غفوته ماذا سيفعل وكيف سيتصرف؟
نحن في انتظار جولة إياب شائكة، حاسمة ومثيرة.