كيف لا نتغزل بالديربي وما شاهدناه يوم السبت ينطق بالإبداع بل ويسافر عبر الدنيا مرسلا أشعة الجمال، وكيف لا نصفه بمفخرة كرة القدم الوطنية وقد صدر للعالم كله صورة جميلة تتفاعل وتتقاطع فيها بشكل ساحر مصادر الإلهام، وكيف لا نقول أنه سلم فعلا من كل الشوائب وقد خرج في نسخته الثامنة عشرة بعد المائة نظيفا ونقيا وعامرا بمعاني الروح الرياضية.
بالقطع لنا الحق كاملا في أن نتغزل ونتشرف ونعلي الهامات والرؤوس لجمالية ما شاهدناه مجسدا على مدارج مركب محمد الخامس من إحتفالية جميلة ومن رسم بالتيفوات لعراقة الناديين ومن تعبير حضاري عن قوة ومتانة الإنتماء لهذا الفريق أو ذاك، لنا كامل الحق في أن نقول بأن المغرب ربح جولة أولى في معركة تنقية ملاعب كرة القدم من مشاهد الشغب المعيبة ومن صور العنف الدامية، فمن يذكر جيدا التمظهرات الأولى لظاهرة الشغب، يذكر على أن منطلقها وأساسها كان لقاءات الديربي بين الغريمين، عندما تجاوز البعض كل الحدود الأخلاقية للتعبير عن الإنتماء فلجأ للتخريب وللعنف عابثا بالأرواح وبالأمكنة، فجاء الرد الصارم بترحيل الديربي بعيدا عن وكره الجميل.
شخصيا أعتبر كل الذي شاهدناه من تأدب في حضرة الديربي ومن تخليق للفرجة وابتعاد عن كل ما له صلة بالإحتقان المفضي إلى الشغب إن داخل مركب محمد الخامس أو في محيطه، هو تحقق للمقاربة التحسيسية والتوعية والتي تتفوق في المفعول وفي التأثير على ما عداها من مقاربات عقابية أو إحترازية، لقد شعرت جماهير الوداد والرجاء على حد سواء أنها مؤتمنة على ديربيها وأن تأدية الأمانة على الوجه الأكمل يمر عبر حماية الديربي من كل الإختراقات ومن كل الهلوسات التي منها تندلع شرارات العنف، فركزت على إبداع التيفوات وعلى الدخول في منافسة شريفة من أجل ربح الإعجاب العالمي، لذلك مر الديربي 118 في أجواء شبه مثالية كتعبير عن أن هناك إنتصارا فعليا قد تحقق للديربي وللكرة المغربية، إنتصار على كل ما له طبيعة مفسدة للذوق ومحطمة للإبداع ومغتالة لنظافة ونقاوة الفرجة، وكان بالإمكان أن نلحظ في التقرير الرقمي الدقيق الذي قدمته المديرية العامة للأمن الوطني خلال ندوتها الدولية الثانية التي انعقدت الأسبوع الماضي بالقنيطرة، أن يخلو الديربي من أي حادث شغب هو إيذان فعلي على أن كرة القدم الوطنية في طريقها للتخلص من ظاهرة دخلت المغرب وتقمصت أشكالا مباشرة ومتسترة فأنتجت لنا جميعا قلقا مستداما.
لنا كل الحق في أن نتغنى كل بطريقته بالذي صدره الديربي إلينا وإلى العالم من مجسمات ودادية ورجاوية للإبداع الكاليغرافي ومن أداء على أرضية الملعب، حيث إرتقى لأول مرة منذ سنوات الأداء التقني للفريقين إلى ما يمتع العيون في المدرجات، أنا لا أقول أن الذي شاهدته السبت الماضي من لاعبي الرجاء والوداد على حد سواء يذكر بالسيمفونيات الكروية التي كان يصممها الديربي في سنوات الزمن الذهبي برغم مما يوجد في العادة من معطلات نتيجة الضغط النفسي الرهيب، إلا أنه من المؤكد أننا أهدينا من الغريمين مباراة حضرت فيها كل التوابل التكتيكية والبهارات الفنية التي تجعل منها وجبة كروية دسمة، فما شاهدناه في شوط الحقيقة، الشوط الثاني من إنقلابات ومن تحولات ومن خبث تكتيكي ومن إثارة في نزال فكر المدربين روماو وتوشاك، يقول بأننا كنا أمام نسخة فنية للديربي أكثر غنى وأكثر دسامة من الديربيات التي سبقته خلال الستة مواسم الأخيرة.
ولئن كانت نقطة التعادل قد أبعدت بشكل نهائي الرجاء من سباق الأمتار الأخيرة لحيازة اللقب، فإن تلك النقطة لم تضع لقب البطولة الإحترافية بالكامل بين يدي الوداد، فهناك بالتأكيد طريق لا بد وأن يمشيها توشاك برفقة أبنائه غير متوجس وغير مقترف للأخطاء المجانية ليحقق ما تراه جماهير الوداد قريبا، لقب البطولة.