الأسود يغيبون عن مونديالين إفريقيين و10 ملايين دولار غرامة للجامعة
أما آن الأوان لتنظيف جحور «الكاف» من الأرواح الشريرة
خابت آمال المغاربة في استصدار الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم لعقوبات رياضية ومالية مخففة على المغرب، عندما إجتمعت اللجنة التنفيذية للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بمالابو فقررت توقيع أقسى العقوبات المالية والرياضية على المغرب، بحرمان أسود الأطلس من المشاركة في نسختي 2017 و2019 لكأس إفريقيا للأمم وبفرض غرامة تصل إلى 10 ملايين دولار، مليون دولار كغرامة مالية تحددها لوائح كأس إفريقيا للأمم عند الإنسحاب من التنظيم وثمانية ملايين أورو (حوالي تسعة ملايين دولار) كتعويضات على نقل الكأس الإفريقية من المغرب لغينيا الإستوائية، غير عابئة ولا مكثرتة بكل الدفوعات التي قدمها المغرب تبريرا لإمعانه في طلب تأجيل كأس إفريقيا للأمم، والتي يبدو كثير منها وجيها ومرتبطا بما يمكن وصفه بالقوة القاهرة.
عيسى حياتو بقي على وعده
وكما كان عيسى حياتو رئيس (الكاف) قد توعد بذلك عند أول خروج إعلامي له في أعقاب تشبث المغرب بطلب تأجيل «كان 2015»، فإن العقوبات التي نطقت بها اللجنة التنفيذية للكونفدرالية الإفريقية تأتي متطابقة مع ما كان قد توقعه الشيخ حياتو عندما قال أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ستقع عليها عقوبات، واستدل وقتها بالعقوبات التي كانت قد صدرت في حق الجامعة النيجيرية لكرة القدم عندم قاطع منتخبها الأول نهائيات نسخة 1996 لكأس إفريقيا للأمم بجنوب إفريقيا بقرار رئاسي، العقوبات التي كانت قد أبعدت وقتها المنتخب النيجيري من المنافسات القارية لأربع سنوات، قبل أن تخصم سنتان من مدة التوقيف بعد الإستئناف.
وبرغم أن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم حاولت في ديباجة القرار النهائي تكييف الأحكام التي نطقت بها مع روح القانون وتحديدا ما تدلنا عليه الفصول التي تتحدث في النظام الأساسي لكأس إفريقيا للأمم عن حالات الإنسحاب سواء من المشاركة أو من تنظيم الأدوار النهائية لكأس إفريقيا للأمم، إلا أن الأساس القانوني الذي قام عليه هذا التكييف يعتبر باطلا، فإن كانت الكونفدرالية الإفريقية قد تحدثت في أكثر من بيان لها عن رفض المغرب تنظيم النسخة الثلاثين لكأس إفريقيا للأمم في موعدها، فإن المغرب وإلى اليوم ملح في التنصيص على أنه أبدا لم يمانع في التنظيم، وأبدا لم يعلن إنسحابه من تنظيم (الكان)، هو فقط طالب بتأجيل النسخة 30 عن موعدها الأصلي لوجود ما يستطيع أن يبرهن عليه قانونا أنه قوة قاهرة، متمثلة في وباء إيبولا.
عقاب بنيات مبيتة
والحقيقة أن اللجنة التنفيذية للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم التي لا تضع في صلب الإهتمام سوى الهاجس المادي، كيفت موقف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بحسب ما تشتهيه، فمن منطلق أنها أي (الكاف) لم تبد أي استعداد لتأجيل النسخة الثلاثين لكأس إفريقيا للأمم، لما قالت أنها إكراهات تتمثل أساسا في الضغط الممارس عليها من قبل المستشهرين والرعاة والناقلين الحصريين لإجراء الدورة في موعدها الأصلي، سعت إلى إعتبار إمعان المغرب في طلب التأجيل ما دام أن الأساس الإنساني والقيمي والرياضي الذي قام عليه طلب التأجيل الأول، بمثابة رفض للتنظيم، وهو الأساس القانوني الذي قام عليه مبدأ العقاب بإنزال هذه العقوبات الثقيلة والتي تنم عن وجود نيات مبيتة وعن تدبير موغل في الرعونة، أيا كانت الإعتبارات التي يمكن أن تسوقها الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم وعلى رأسها عيسى حياتو الذي أعطى لنفسه الحق في التشهير بمصداقية دول ومعاقبتها باتباع مساطر قانونية مطعون في صدقيتها وسلامتها.
وبالنظر لما تمخض عنه هذا الإنتظار الطويل من قرارات عقابية قاسية بل وظالمة، فإننا نتساءل عن مصدر تفاؤل السيد فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الذي كان قد عاد بعد إجتماع عقده مع عيسى حياتو بالقاهرة شهر دجنبير الماضي والذي قدم فيه جملة من الدفوعات التي تظهر حسن نوايا المغرب، متفائلا بأن العقوبات التي ستقع على المغرب لن تكون ثقيلة، بينما كان مؤكدا أن اللجنة التنفيذية لـ (الكاف) لا تخضع فقط لضغط أدبي متمثل في أنها لا تريد خلق سوابق وفي أنها لا تقبل أبدا بالتلاعب بمصير كأس إفريقيا الدجاجة التي تبيض ملايين الدولارات، ولكنها تخضع أيضا للوبي ينصب بالأساس العداء للمغرب والمؤكد أنه ضغط على حياتو الذي يضع نصب عينيه البقاء لمدة أخرى على رأس (الكاف)، لتكون العقوبات بهذه القساوة متجاوزة كل الحدود وغير آخذة بالإعتبار أي ظرف من ظروف التخفيف، لطالما أن الكل متأكد من المغرب طلب تأجيل (الكان) مكرها لا بطلا.
أين مسؤولية «الكاف»؟
وما تأخر الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم كل هذا الوقت في معاقبة المغرب بهذه الغلظة، إلا لأنها كانت تنتظر معرفة ما سيكلفه ترحيل النسخة الثلاثين لكأس إفريقيا للأمم من المغرب إلى غينيا الإستوائية، حجم الخسائر المالية وحجم المعاناة التي يترتب عنها ذلك، فالفصل القانوني الذي إعتمده في معاقبة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم (الفصل 92 من النظام الأساسي لكأس إفريقيا للأمم) يقول بتغريم البلد المنسحب من التنظيم قبل 6 أشهر من موعد الحدث بمليون دولار، ويتحدث أيضا عن خسائر مالية يجري جردها جراء نقل المنافسات من بلد لآخر، وقد إهتدى عباقرة (الكاف) بإعمال حساب ذهني إلى أن حجم الخسائر بلغ ثمانية ملايين أورو، وهنا يبرز السؤال، إذا كانت العقوبة الرياضية التي تقضي باستبعاد الـمنتخبق الوطني من نسختي 2017 و2019 لكأس إفريقيا للأمم مبررة تجاوزا ببند قانوني وكذلك الأمر بالنسبة لغرامة المليون دولار برغم أن القانون يتحدث عن الإنسحاب بينما في حالة المغرب لا يوجد هناك أي إقرار بوجود إنسحاب، فكيف نستطيع تبرير غرامة 8 ملايين أورو كتعويض عن خسائر مالية حدثت بنقل الكأس الإفريقية من المغرب إلى غينيا الإستوائية؟
من يستطيع أن يدلنا على كل أوجه الإنفاق المالي، حتى نتأكد من أن (الكاف) سجل بالفعل خسائر مالية بهذا الحجم؟
ثم إذا كانت الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم تعتبر المغرب مسؤولا عن هذا الوضع الذي وصف بالكارثي، وهو صاحب حق وسيادة في ما ذهب إليه، ألا يمكن أن يعتبر نفسه مسؤولا عن عشرات الأشياء التي ساقتنا جميعا إلى هذا الوضع المأساوي؟
أين أخطأنا وأين أخطأوا؟
إن سئلت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وقبلها وزارة الشباب والرياضة المسؤول الأول عن التنظيم، عن التطبيق السيء لمسطرة التبليغ عن قرار صدر عن الحكومة بطلب تأجيل كأس إفريقيا، فبدل أن يكون الإعلان عن طلب التأجيل مسبوقا بمباحثات ومفاوضات ربما كانت ستهذب الصيغة وتلين المواقف، سقط الخبر ضدا عن رغبة عيسى حياتو، ولربما هذا ما خلق حالة التشنج الكبير، فإن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم وبخاصة لجنتها التنفيذية يسألون عن الرعونة في التعاطي مع طلب المغرب بتأجيل «الكان» والتي تنم عن وجود قصور كبير في إدارة الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم كمؤسسة رياضية موكول لها صيانة وحماية مصالح الكرة الإفريقية بالمقام الأول، ليس باعتماد سياسة العقاب والتركيع ولكن باعتماد سياسة المصاحبة، وبوضع الإعتبار الرياضي فوق ما عداه من إعتبارات حتى المادية منها.
فأن يكون الرفض المطلق لتأجيل «الكان» مهما كان من قوى قاهرة لأسباب مادية ترتبط بعقود المستشهرين وثقة الرعاة والناقلين، معناه أن لغة المال هي التي تتحكم لوحدها في إدارة الأمور، بدليل أن الكونفدرالية الإفريقية التي لا تعمل كما المؤسسات بمبدأ البدائل بخاصة عندما يتعلق الأمر بالأحداث الكبرى، وجدت نفسها في مأزق عندما كرر المغرب طلب تأجيل (الكان)، فعندما عجز عن إيجاد بلد من عينة المغرب لتنظيم «كان 2015» في موعده الأصلي، ذهب إلى غينيا الإستوائية ضدا عن كل الأعراف، فغينيا الإستوائية عوقب منتخبها الأول وأقصي من تصفيات هذه الكأس بسبب حالة غش، وغينيا الإستوائية ترك تنظيمها المشترك مع الغابون لنسخة 2012 من «الكان» ذكريات سيئة، إذا فاللجنة التنفيذية لـ «الكاف» مسؤولة مسؤولية كاملة عن الشطط في استعمال السلطة، ومسؤولة تلقاء ذلك عن كل الخسائر المالية التي تكبدتها بفعل ترحيلها لـ «الكان» من المغرب إلى غينيا الإستوائية ومسؤولة أيضا عن الصورة المعيبة والسيئة التي صدرتها للعالم جراء ما شاهدناه في مباراة تونس وغينيا الإستوائية وجراء ما شاهدناه في مباراة غانا وغينيا الإستوائية من صور أعادتنا للزمن الجاهلي لكرة القدم الإفريقية.
سياسة التركيع والترهيب
بالقطع ما عمدت اللجنة التنفيذية للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم إلى تغليظ العقوبات ورفع سقف الغرامات إلا لأنها تريد ترهيب وتخويف الجامعات الوطنية الإفريقية، فهي تريد أن تضرب مثلا لكل من قد تسول له نفسه أن يعصاها في المستقبل، وهذه مقاربة متجاوزة ولا تليق قطعا بهذا الزمن، ويجب أن يسأل عنها أعضاء اللجنة التنفيذية لـ «الكاف» الموكل لهم من الجمعية العمومية للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم تدبير الشأن الكروي القاري بمقاربات العصر وليس بمقاربة العقاب والتركيع.
وما تعمدت «الكاف» أن تكون عقوبتها ثقيلة إلا لتترك هامش المناورة، لأن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ستذهب لاستئناف العقوبات المالية لدى لجنة الإستئناف داخل «الكاف»، وستذهب أيضا للمحكمة الرياضية الدولية للمرافعة طلبا للإنصاف وإبطال مفعول الأحكام ما دام أنها صاحبة حق وما دام أن الأساس القانوني الذي قامت عليه العقوبات باطل.
وطبعا سيكون هناك منحى ثالث سيكون فيه المغرب بحاجة إلى كل أصدقائه الأفارقة من أجل إحداث ثورة داخل هيئة الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، ثورة هادئة وعاقلة ومخطط بعناية لها لرأب الصدع الفكري ولطرد الأرواح الشريرة ولإسقاط الفكر البائد الذي تسير به «الكاف» ولجعل كرة القدم الإفريقية في هذا الوقت بالذات بين أيدي رجال متنورين ومتبصرين، ينتصرون للقيم الرياضية الرفيعة ويبدعون أقوى الطرق لأفضل ترويج ممكن لكرة قدم إفريقية تستثمر على نحو أفضل ثرواتها البشرية.
لقد فاض الكيل وفاضت الكأس وما عاد صدر الأفارقة يتحمل كل هذه الكوارث التي يصممها حياتو ومن ينعقون كالبوم داخل جحور «الكاف».
بدرالدين الإدريسي