عرى تقرير غارسيا الذي طال إنتظاره مذيلا بتوقيع هانز خواكيم إيكرت رئيس الغرفة القضائية للجنة القيم التابعة للإتحاد الدولي لكرة القدم، عن الجمرة الخبيثة المدفونة وسط الرماد والتي تقول بوجود لهب متستر عليه بين الفيفا المعتد بوصايته المطلقة على كرة القدم العالمية وبين الإتحاد الأوروبي الذي يرى في نفسه القوة الضاغطة التي يمكنها تحويل مسار الأحداث في أي لحظة.
إنتفض الإتحاد الأوروبي لكرة القدم وبعض الخيوط الرابطة بين حلقاته القوية بصدور التقرير المختزل، والذي يبرئ ساحة كل من روسيا وقطر وينزه حصولهما على شرف تنظيم كأس العالم لسنتي 2018 و2022 من أي شبهة أو شائبة أخلاقية، فقد قال أن التقرير لا بد وأن يصدر كاملا ليقف الكل على الحقائق المستخلصة من كل التحريات التي قامت بها لجنة القيم من خلال غرفتيها، وفي ذلك تهجين للخبث الذي كشفت عنه الفيفا عندما أدانت بعض مسلكيات المشرفين على الملف الإنجليزي، بينما كان الكل يتوقع إشهار تجاوزات حدثت في عرض روسيا وقطر لملفيهما، ما يفضح وجود نيات مبيتة ويفسر ما كانت تعترض له قطر تحديدا من هجمات ممنهجة وممغنطة أحيانا.
ولأن الإتحاد الأوروبي لكرة القدم كان على الدوام مختلفا في العمق مع الفيفا سواء عند رئاستها من قبل البرازيلي جواو هافلانج أو من خلال قيادتها من طرف السويسري جوزيف بلاتر الذي يعتبر وريثا شرعيا لهافلانج، سواء عندما قدم رئيسه السابق يوهانسن للمنافسة على رئاسة الفيفا أو حتى عند تقديمه ودعمه لعيسى حياتو رئيس الإتحاد الإفريقي لكرة القدم لإسقاط الثعلب بلاتر، فإنه قرر اليوم أن يحارب السويسري عبر العديد من الجبهات مشهرا في كل ذلك ما أصبح الكل يجزم بوجوده من عبث وفساد يضربان الفيفا ويجعلانها محورا لفضائح أخلاقية.
أشهر الأوروبيون سيف المقاطعة للمونديال لضرب الفيفا في مقتل، فبقدر ما يرى الفيفا في كأس العالم الدجاجة التي تبيض بلايين الدولارات كل أربع سنوات، بقدر ما يرى الأوروبيون أن مصير هذه الدجاجة بأيديهم، إن أرادوا أوقفوا عملية التبييض فورا لأن قاراتهم هي صاحبة أقوى إشعاع بوجود منتخبات وازنة وبممارسة نسبة كبيرة من لاعبي المنتخبات الممثلة للقارات الأخرى في أندية أوروبية.
ليس هذا فقط، بل إن الأوروبيين شرعوا فعلا بعد أن خذلهم رئيس إتحادهم ميشيل بلاتيني بأن قرر بنوع من الأحادية عدم ترشحه لمنافسة بلاتر، في تحريك بعض الخيوط لرمي نوع من الضغط على السويسري، إذ قال البعض بوجود نية للأوروبيين بتقديم الأردني الأمير علي بن الحسين نائب رئيس الفيفا ليكون في مواجهة بلاتر مدعوما منهم ومن بعض الإتحادات الكروية بقارات أخرى، برغم أن الإتحادين الإفريقي والأسيوي سبقا الكل إلى دعم بلاتر لولاية جديدة على رأس الفيفا.
وأيا كانت القراءات، فلا أحد على الإطلاق يمكن أن ينفي عن بيت الفيفا ما يعلق به من فضائح وما يتفجر بين يوم وآخر من حالات تقول بوجود فساد مستشري على أكثر من صعيد، فساد وفضائح معلنة بكثير من الخبث لتصفية أشخاص بعينهم ومتستر عليها لتأمين طرف أشخاص منتفعين، ولا يمكن قطعا تجميل الفيفا بمجرد الحديث عن لجنة قيم متمتعة بأكبر قدر من الإستقلالية.
ولا خلاف على أن الصدع الموجود اليوم داخل أروقة الفيفا سيقود إلى ثورة معلنة لمنع مزيد من التهاوي لبيت الفيفا الذي قال بلاتر بأن سقفه من حديد وركنه من حجر، مع أنه يشكو من شرخ كبير، بقي أن نعرف إلى أي مدى ستنجح هذه الثورة في تصحيح الأوضاع وفي جعل مؤسسة الفيفا محكومة بالضمير الكروي الجمعي وليس بضمير المفرد المطلق ممثلا في الأزلي بلاتر؟