أبدا ما كان مسموحا لأسود الأطلس وهم يقابلون ثوار إيران في مستهل مونديالهم الخامس بروسيا، أن ينسجوا على منوال مبارياتهم التي افتتحوا بها مونديالاتهم الأربعة السابقة، أي أن يتنازلوا عن الفوز الذي بدا لنا بالنظر لمكونات مجموعة الموت، مطلبا استراتيجيا للحفاظ على الأمل في مطاردة بطاقة التأهل للدور الثاني.
كانت نقطة التعادل تعني أن هذه الآمال قد تقلصت، فكيف هو الحال اليوم والفريق الوطني قد ترك النقاط الثلاث كاملة تذهب للمنتخب الإيراني؟
وهل بعد الذي شاهدناه في مباراة الكبيرين البرتغال وإسبانيا من روائع تكتيكية ومن مستويات هي من أصل الإعجاز الكروي، أن نقول بأنه بقي للفريق الوطني أمل في الحصول على تأشيرة العبور للدور ثمن النهائي؟
لنقل أن الأسود جنوا كثيرا على حلمهم المونديالي وهم يتنازلون عن فوز كانوا هم الأحق به، ولنعترف أن سقوطهم المريع والمحزن أمام المنتخب الإيراني كان بسبب ما سقطوا فيه من حماقات وما ارتكبوا خلال المباراة من أخطاء في تدبير فصولها المعقدة وبسبب عجز الناخب الوطني هيرفي رونار عن مضادة الأسلوب الذي ابتدعه البرتغالي كارلوس كيروش لمنتخبه الإيراني، ولعله عرف الآن ما هي الخصوصيات السحرية لكأس العالم، وما هي الطبيعة المجنونة للمباريات المونديالية.
كنت دائما ما أقول أن هيرفي رونار يجيد قراءة خصومه والتغلغل في فكر المدربين الذين يواجههم، وكثيرا ما يكون ذلك بإيعاز من التقارير الفنية التي توضع على طاولته، إلا أنه هذه المرة بدا بحجم صغير جدا قياسا بما كان عليه خصمه كيروش، ليس القصد أن رونار حصل على معطيات خاطئة عن المنتخب الإيراني، ولكن ما ظهر واضحا بل ومفضوحا أن رونار تفاجأ لحد أصابه بالذهول، بالنهج التكتيكي الذي اختاره كيروش لفريقه، وهو مناقض في الطبيعة لما تعود عليه، ذلك أن مدرب المنتخب الإيراني كان يعرف خطورة تحويل النزال إلى مواجهة مباشرة بين الخامات الفنية للاعبين، لوجود تفوق مغربي واضح، فقرر تكريس كل العمل الجماعي للمنتخب الإيراني من أجل زعزعة التنظيم المغربي ومصادرة كل الثروات الفنية التي غالبا ما تكون قاعدة للبناء.
وباللعب بستة لاعبين في وسط الميدان لتحقيق كثافة عددية على مستوى وسط الميدان، وبالمراقبة الجيدة للمنطقة وباستهلاك ما يكفي من الوقت لتكسير الإيقاع وضرب الوثيرة المتصاعدة للنسق، نجح كيروش في إفراغ الفريق الوطني من كل حمولاته التكتيكية، فلا هو نجح في الإختراق ولا هو نجح في الرفعات الجانبية ولا هو  نجح في ضغطه العالي، ولأن كرة القدم غالبا ما تعاقب كل من فرط في هويته التكتيكية ولم يفلح في استثمار احتكاره للكرة، فإن كيروش سنال في النهاية أكثر بكثير مما كان يخطط له، الفوز بهدف أهداه إياه المسكين عزيز بوهدوز الذي أخطأ بالتسجيل في مرماه وجل من لا يخطئ.
طبعا يسأل رونار كثيرا على هذه الهزيمة التي كان تدبيره التكتيكي مصدرا قويا لها، يسأل عن حالة العجز التي بلغها خلال المباراة لمواجهة كيروش، يسأل عن إصراره على وضع نورالدين أمرابط ظهيرا أيمن مع ما يتسبب فيه ذلك من اختلال على مستوى تنشيط الرواق الأيمن، ويسأل عن التحويرات التكتيكية التي أحدثها على بنية اللعب الأساسية ولم تكن أبدا ناجعة.
لنعترف أن الهزيمة أمام إيران وما أفضت إليه مباراة الكبيرين بين إسبانيا والبرتغال، يعقد مهمة أسود الأطلس بل ويجعلها مستحيلة، إلا أن الظرفية تقتضي أن نظل متفائلين وندفع أسودنا لكي يظهروا أمام البرتغال بالوجه الذي تعودنا عليه والذي كان مصدرا لكل أحلامنا وأبدا لم نجده في مبارة إيران.