إلى الآن لم يتخلص المغاربة من طوق الحزن ومن أحزمة الإحباط التي ضربت الأعناق وأحاطت بالرؤوس بعد عثرة الفريق الوطني الموجعة أمام إفريقيا الوسطى، فما إستطاعت رياح العيد المشبعة بالفرح أن تإد الوجع وتدفن المرارة، وما إستطاع المغاربة أن يشيحوا بوجوههم عن منظر الفريق الوطني وهو يتهاوى طبقا طبقا، صرحا بعد صرح أمام خصم لا حاجة للتذكير بمن يكون، من أي كوكب كروي جاء ولا من أي تربة هو معجون..

لم تكن المرارة في الذي شاهده المغاربة من فريقهم الوطني ولا حتى من تعادلهم الأرعن أمام إفريقيا الوسطى، لأن الفريق الوطني لا يتخير عن المنتخبات الأخرى في السقوط بين الحين والآخر في وحل الرداءة. ولأن نتيجة التعادل برغم أنها مذلة لا يمكن إطلاقا أن تكون نهاية العالم، ولكن المرارة هي في أن المغاربة يئسوا من فريقهم الوطني.. لقد أصبحوا معه عاجزين عن غزل الحلم وعن صياغة أمل ولو صغير في المستقبل، فما يتداعى في هذا الحاضر الأسود لا يترك في الأفق سوى الغيوم والغبار والإنسداد والمرارة هي في سؤال المرحلة..

كيف ستتعامل الجامعة مع سقطة الأسود؟ بأي شكل ستتصرف؟ وكيف تكون ردة فعلها؟ وماذا تملك من وسائل فكرية لمواجهة حالة الإحباط الشديد؟ وهل بمقدورها أن ترتب للفريق الوطني مناخا نفسيا يقوده إلى تانزانيا في أفضل حال فيسعى بجرأة إلى  التعويض؟

ADVERTISEMENTS

بالقطع فإن نتيجة التعادل والصورة التي قدم بها الفريق الوطني نفسه خلال مباراة إفريقيا الوسطى كانا يستوجبان  تحركا عاجلا من الجامعة، كأن تتشكل خلية أزمة تجتمع فورا لتدرس المسببات والتداعيات  وتقترح ما تستوجبه الظروف من بدائل، فلا أحد يقبل إطلاقا أن يبقى الفريق الوطني على هذا الحال.

أن يبقى مدارا تقنيا من مدرب هو على ذمة فريق آخر، ولا يستطيع فعليا أن يتدبر الأمور بشكل مباشر وأن يبقى مؤسسا بشريا على عناصر إما أن صلاحيتها إنتهت وإما أنها أصلا لا ينطبق عليها معيار الدولية..

وطبعا عندما توجب المباراة الأخيرة تشكيل خلية أزمة، فإن الجامعة وهي تقسم بأغلظ الإيمان، أنها تعمل بحسن نية تدرك أن الأزمة قبل أن تكون أزمة نتيجة هي أزمة تدبير، ولن يقنعني أمهر المجادلين داخل المكتب الجامعي أن تنصيب طاقم رباعي على رأس الفريق الوطني بعد إقالة لومير، وأن  تعطيل الفريق الوطني عمدا عن الممارسة لعشرة أشهر كاملة وأن تسمية غيرتس مدربا وناخبا وطنيا من دون أن يكون له حضور فعلي بيننا ونحن نقبل على مباريات تصفوية ليس من علامات الأزمة، وهي أزمة يصعب الخروج منها ويصعب إحتواء كل الحرائق التي تشعلها في البيت لأنها أزمة فكر وتدبير وليست أزمة مال أو أزمة إمكانيات أو حتى أزمة لاعبين..

ولأننا داخل «المنتخب» قضينا ما يناهز الخمسة وعشرين سنة في تعقب مسيرة الفريق الوطني وفي الإحاطة بكل ما يمر به من ظروف، فإننا نقدر عمق  وخطورة الأزمة، وتعترف على أنفسنا  قبل أن نعترف على الجامعة أن تجاوزات كثيرة وقعت للأسف هي التي مهدت لهذه الأزمة المركبة والهيكلية، أزمة يقول ظاهرها أنها أزمة ثقة وأزمة حظ ولكن باطنها يقول أنها أزمة فكر يعجز عن صنع السياسات ووضع الإستراتيجيات، ويترك أي شيء لمجرد أن هناك ثقة مزاد فيها أو ثقة مخادعة تقول أنه بالإمكان فعل هذا الشيء أو ذاك، لأن درجة الفشل والخطورة والمجازفة أقل من واحد بالمائة، ولعل من أفتى مثلا بعدم تعظيم شأن إفريقيا الوسطى ولم ير من حاجة لإحضار غيرتس لحما ودما وفكرا أصابنا قبل أن يصيب نفسه بصعقة كبيرة..

وبرغم أن أي إخفاق يضرب الفريق الوطني يحيل المغاربة جميعا إلى آخر أزمنتهم الذهبية، فينادون بلوعة وبصدق وبدون مواربة بإسم المدرب الوطني الزاكي  بادو الذي كان عنوانا كبيرا لآخر ملاحم الفريق الوطني، فإننا لن نتهم الجامعة بمعاكسة إرادة  الجماهير وباستخفافها بصوت الشعب وهي تباشر البحث للفريق الوطني عن مدرب جديد بأسلوب قيل أنه حداثي ومطبع بالشفافية، إلا أننا لا نستطيع أن نجنبها سؤالا تفرضه المواطنة..

إن كانت قد وثقت من كفاءة وأهلية غيرتس وثبت لديها أنه مدرب من عيار عالمي ويتطابق جوهرا وشكلا مع متطلبات المرحلة وأبدت ما أبدته  من سخاء في الإرتباط به، إعتبارا إلى أنه سيكون  صاحب أكبر أجر في تاريخ المدربين الذين تعاقبوا على الفريق الوطني، فلماذا تركت الإرتباط به يكون بهذه الصورة الغريبة التي لا أظن أن جامعة أخرى من الجامعات التي تحترم نفسها وتصون ميثاقها ستقبل بها؟

أبدا لم نكن من مصدري ثقافة اليأس حتى في أعتى المراحل وأكثرها ضنكا وشظفا.. فنحن على ثقة من أن ليل الإخفاقات سينتهي ذات يوم لإيماننا الكبير بأننا في مغرب الكفاءات والمواهب، ولكننا نعزز الإعتقاد لدى رئىس وأعضاء المكتب  الجامعي حتى يصل إلى درجة الجزم بأن الفريق الوطني قد يكون باحترام التسلسل هو آخر حلقة في المنظومة، ولكنه في مقابل ذلك يظل أولوية مطلقة، فإذا ما سقط هذا الفريق الوطني في حمى الهزائم تداعت له كل الأوراش الأخرى بالحمى والوهن وانعدام الفائدة..

ويحيلني ما يقع اليوم للفريق الوطني وتصنيفه في سلم الأولويات بحسب الجامعة على جملة نطق بها الرئىس السابق للجامعة الفرنسية لكرة القدم جون بيير إسكاليت، فقد قدمه مندوبنا بفرنسا الزميل ميمون محروج من خلال حوار ثري قبل أربع سنوات، وعندما سأله عن أكثر شيء يخيفه كرئيس لأكبر جامعة في العالم، كان جوابه كالتالي:

«فزنا بكأس العالم سنة 1998 ولعبنا المباراة النهائىة للمونديال سنة 2006 و توجنا أبطالا لأوروبا، ونحن اليوم مرجعية دولية في مجال التكوين، وأنديتنا تتقوى قاريا، وأوراشنا كثيرة، إلا أن كل شيء أي شيء داخل الجامعة الفرنسية يظل وقفا على ما يحققه المنتخب الفرنسي، ليس هناك من شيء يخيفني هو أن تتسبب هزيمة بضربة حظ مثلا في إتلاف كل العمل الذي نقوم به..».

وكأني بالسيد إسكاليت كان يحدس هذا الذي قد يقع له ويصيب مشروعه بالسكتة القلبية عندما يسقط منتخب فرنسا، فما إن إنتهى المونديال الأخير بجنوب إفريقيا عند الفرنسيين بخروج الديكة صاغرين من الدور الأول وما  صاحب ذلك من فضائح، حتى كان السيد إسكاليت يقدم من دون حاجة لمحاكمة علنية إستقالته ويرحل وقد تحققت فيه ذاك الذي أخبر به قبل سنوات..

منذ اليوم يجب أن يكون الفريق الوطني مبتدأ العمل وليس منتهاه..

ADVERTISEMENTS

منذ اليوم يجب أن ينتبه المكتب الجامعي إلى أن ما جاء به إلى مسرح الأحداث ليدير كرة القدم سقطة مدوية عصفت بمكتب جامعي سبقه، وحتما إن  توالت سقطات الأسود فإن هذا المكتب الجامعي لن يطول به المقام..

وقد أعذر من أنذر..