القطع لم يعجبنا أن ينخرط المصريون والجزائريون في سجال كلامي مسف في كثير من الأحيان بالذوق وفاقد للحصافة في الرأي وفي التقيد بأصول العروبة بعد موقعة أم درمان بالسودان قبل ثمانية أشهر، الموقعة التي أهلت ثعالب الجزائر لكأس العالم الأخيرة، والتي لم يكن فيها سفير كرة القدم العربية بمستوى الإنتظارات.

ولم تستطع وقتها كل المساعي لرأب الصدع وهدم هوة الخلاف أن تنتصر للحمة التاريخية لتبيد أسباب الخلاف الذي إستشرى بنيران أشخاص حشروا أنفسهم حشرا بدافع القومية وبواجب الدفاع المستميث عن كرامة البلد فأججوا النار وعظموا الحرب واستباحوا الحرمات الفكرية والتاريخية وحتى الرياضية..

وكان من الضروري أن يترك للإخوة بمصر وبالجزائر بعض الوقت لتستريح العقول من عناء المتاجرة يوميا في أسلحة الرشق بالكلمات، وعندما أخبرت شخصيا من زميلي الأستاذ محمد جميل عبد القادر رئيس الإتحاد العربي للصحافة الرياضية بوجود مشروع لإطلاق مبادرة لتذويب الخلاف والإجهاز على الأزمة المفتعلة والقفز على مسببات التطاحن..

وقادت الإستشارات العميقة وقتها إلى ضرورة إرجاء إطلاق هذه المبادرة، إلى حين أن تصفى القلوب وتهدأ الخواطر ويزول عن المصريين والجزائريين روع الأحداث المزاد فيها، ولكن كان هناك ما يقول بوجود توجه من قبل حكماء البلدين مدعوم من أصدقاء ورفقاء وكل من له حرص على وحدة الصف العربي لمعالجة الأزمة بشكل لا يترك في الذاكرة رضوضا وجروحا ونذوبا أيضا..

ADVERTISEMENTS

وعندما تكون الجاجة إلى بعض الوقت للشروع فعلا في علاج الأزمة التي تعمقت بفعل فاعل أتى في هيئة شيطان، فإن القصد أن يعود الطرفان معا إلى أساس الأزمة، كيف إشتعلت؟ ولماذا إشتعلت؟ وكيف خرجت عن سياقها الرياضي والأخلاقي وقد كان بالإمكان تطويقها؟

ولأن ما ينزع في العادة عن الإطار الرياضي ليأخذ بعدا سياسيا يحتاج إلى معالجة سياسية، فقد عمق الجانبان البحث للتقصي عن كل الحقائق، ومهما كان ضلوع «السياسي» في إخراج ما هو رياضي عن النص، فإن «الرياضي» هو من يؤدي في الغالب ضريبة كل هذا الذي حدث، وكثيرا ما تأتي هذه الضريبة في صورة إقصاء أو في صورة كسر العظم..

وبالقدر الذي أسعدني أن يأتي الإستقبال الكبير في صورة إحتفاء رائع بوفد شبيبة القبائل الجزائري الذي حل بمصر وواجه أمس الأحد نادي الإسماعيلي المصري عن أولى جولات عصبة أبطال إفريقيا، ليرمز إلى أن هناك فعلا خطوات حثيثة لرأب الصدع وإسدال الستارة على ملهاة لا قبل لنا بها كعرب، بالقدر الذي أتساءل فيه عن هذا الذي يحدث اليوم لسمير زاهر رئيس الإتحاد المصري لكرة القدم ولمحمد راوراوة رئيس الإتحادية الجزائرية لكرة القدم..

ولأن سمير زاهر ومحمد راوراوة خاضا حربا بطريقتهما الخاصة وقد دعت كثير من المناسبات لأن يلتقيا بعد موقعة أم درمان، فما إزدادا معها إلا غلظة وأنفة وإنتصارا لحق لا وجود له على أرض الواقع.. يكون ضروريا أن نربط بين هذا الذي يحدث لهما اليوم وبين وجود إرادة سياسية داخل مصر والجزائر للقفز كليا على ترسبات ومخلفات موقعة أم درمان..

قبل أيام طفت على السطح قضية الطعن المقدم من طرف مرتضى منصور في أهلية سمير زاهر ليستمر رئيسا للإتحاد المصري لكرة القدم، وصدر حكم قضائي يرفع الأهلية القانونية عن سمير زاهر ويقيله من منصبه كرئيس للإتحاد المصري، ما دعا حسن صقر رئيس المجلس القومي للرياضة إلى إحاطة هاني أبو ريدة علما بأنه هو من سيتولى قيادة الإتحاد المصري بالإنابة إلى حين إنعقاد جمعية عمومية استثنائية لانتخاب قيادة جديدة.

ولست أدري إن كان ذلك ضربا من ضروب الصدفة أم هو أمر مخطط له عن سبق إصرار أن يتعرض قطب الصراع الثاني محمد راوراة رئيس الإتحادية الجزائرية لكرة القدم لحملة إعلامية قوية جدا، ربما كلفته منصبه كرئيس للإتحادية الجزائرية، وهو العضو النافذ داخل هيئتين رياضيين كبيرتين الإتحاد العربي لكرة القدم والإتحاد الإفريقي لكرة القدم.

راوراوة، تطلعنا صحيفة «أخبار اليوم» الجزائرية أنه متورط في أزمة مالية لخصتها ذات الصحفية في أن رئيس الإتحادية الجزائرية قام بتحويل ما يقارب 5 ملايين سنتيم لحسابه الشخصي، وأضافت أن المبلغ هو عبارة عن مكافأة تحصل عليها بعد أن تمكن منتخب الجزائر في فترة ولايته من الصعود إلى نهائيات كأس العالم بعد غياب عنها دام 24 سنة كاملة، وقالت بأن محمد شرارة رئيس الرابطة الجزائرية لكرة القدم تحصل هو الآخر على مكافأة تفوق مكافأة راوراوة لقاء ذات الإنجاز..

واعتبارا إلى أن المكافأة التي تحصل عليها راورارة رئيس الإتحادية تفوق بكثير تلك التي حصل عليها المدرب رابح سعدان صانع إنجاز التأهل إلى المونديال، فإن الصحيفة الجزائرية طالبت بفتح تحقيق فوري في قضية ألبستها ثوب الفضيحة،  وبالطبع إذا ما تأكد حصول راوراوة على هذه "المكافأة" المزجية فإن ذلك سيخلق أولا سابقة في تاريخ الإتحادية الجزائرية لكرة القدم كما أنه سيضرب ثانيا مبدأ التطوع الذي يقوم عليه عمل رئيس الإتحادية والمنصوص عليه قانونا..

ADVERTISEMENTS

بمصر أسقطت دعوى لم يطلها بعد التقادم سمير زاهر رئيس الإتحاد المصري لكرة القدم، وبالجزائر قد تسقط «فضيحة» المكافأة المونديالية محمد راوراوة رئيس الإتحادية الجزائرية لكرة القدم، وقد يكون مع السقوط «المحتمل» لضلعي الخلاف ما يقول بأن هناك نية للتضحية بهما فتحا لطريق التصالح السيار، إذ أن اللوم الكبير الذي يقع على سمير زاهر وعلى محمد راوارة أنهما وقد كانا قريبين من بعضهما لم يظهرا أي قدرة ديبلوماسية لتجاوز أزمة كان مبتدؤها صغيرا فأصبح منتهاها كبيرا بحجم مهول.

وليس لنا إلا ندعو بصفاء القلوب وبألا يكون ذلك الصفاء على حساب أفعال كانت بالأمس حية مبنية للمعلوم وأصبحت اليوم شبه ميتة مبنية للمجهول، وعلى حساب ضمائر كانت قبل أشهر ظاهرة واليوم أصبحت مستترة.