من رحم المعاناة توج الرجاء البيضاوي بالكأس الفضية، ليعود لسكة الألقاب بعد أربع سنوات عجاف، إذ يعود آخر تتويج له لموسم 2012ـ2013 حين فاز بلقب البطولة الإحترافية، ما اهله للمشاركة في كأس العالم للأندية، ونجح النسور في كسب هذا التحدي متجاوزين كل الإكراهات والمشاكل التي اعترضت طريقهم، واستطاعوا التفوق على خصومهم قبل بلوغ المباراة النهائية، حيث ابتسم لهم الحظ بعد الإحتكام للضربات الترجيحية التي منحتهم اللقب الثامن على حساب فريق جديدي عنيد كان ندا قويا ومنافسا شرسا طيلة أشواط المباراة، فكيف تمكن الفريق الأخضر من الوصول لهذه المحطة؟ وما هي العوامل الأساسية التي كانت وراء هذا الإنجاز؟ الطريق نحو اللقب لم تكن بداية الفريق الأخضر موفقة في هذه المنافسة الفضية حين أرغم على التعادل السلبي بميدانه أمام أولمبيك الدشيرة المنتمي للقسم الثاني، لكن أشبال المدرب غاريدو عوضوا هذه النتيجة في مباراة الإياب بالدشيرة حين تفوقوا برباعية مقابل هدف واحد، بعدها اضطر النسور لاستقبال الفتح الرباطي بمركب مولاي عبد الله ومرة أخرى انتهت المباراة بالتعادل السلبي، لكن اصدقاء الراقي انتفضوا في مباراة الإياب حين فازوا بهدفين مقابل هدف، ليتأهلوا لربع النهائي، حيث المواجهة مع شباب خنيفرة، وليتفوقوا ذهابا بحصة قوية (5ـ0) و إيابا (2ـ0)، وفي نصف النهائي كان الموعد مع كلاسيكو مثير مع العساكر إنتهى بالتعادل الإيجابي بالرباط هدف لمثله، وآخر سلبي بالدار البيضاء، وساهم امتياز الهدف خارج القواعد في بلوغ النسور للمباراة النهائية. المنافسة على واجهتين قدم الرجاء مباريات قوية بداية هذا الموسم و حقق نتائج جيدة، بل إن الفريق الأخضر نجح في تحقيق المعادلة الصعبة حين جمع بين النتيجة و الأداء الراقي، هذه الإنطلاقة القوية جعلت الرجاء أكبر المرشحين للتتويج باللقب خاصة بعد تجاوزه لعقبة الفتح الرباطي في دور الثمن، لكن برنامج بداية الموسم كان شاقا وصعبا، في ظل المنافسة على واجهتي البطولة والكأس ما جعل الفريق الأخضر يعاني من ضغط المباريات في ظل توفره على تركيبة بشرية محدودة، وهذا ما اضطر المدرب غاريدو للتضحية بالمواجهة التي جمعت فريقه بأولمبيك أسفي على مستوى البطولة حين زج بتشكيلة احتياطية، ليكون الفريق الأخضر في كامل جاهزيته أمام الجيش الملكي في نصف نهائي إياب إنتهى بالتعادل السلبي وبتأهل مستحق للنهائي. خنيفرة تدق الجرس في مجال كرة القدم الإنتصارات تأتي بالإنتصارات،و الهزائم تولد الهزائم، لذلك وبعد مسار موفق جاءت الهزيمة الأولى أمام أولمبيك أسفي في البطولة لتكسر ذلك الإيقاع التصاعدي للنسور، وفي المباراة الموالية تم الإكتفاء بتعادل سلبي أمام العساكر تلتها هزيمة مفاجئة وغير متوقعة بالميدان أمام شباب خنيفرة، هذا التراجع على مستوى النتائج أدخل بعض الشكوك لدى الأنصار والعشاق في فريقهم قبل أيام معدودة من النهائي الذي يجمعهم بفريق دكالي متمرس بمثل هذه المباريات القوية، لكن تأثير هذه النتيجة السلبية كان له المفعول الإيجابي على اللاعبين، إذ فرضت عليهم تجنب الإفراط في الثقة،و التعامل مع المباريات بكل جدية، واحترام كامل للجديدة، كما مكنت المدرب غاريدو بدوره من الوقوف على بعض الإختلالات وإصلاح بعض الأخطاء، وبالتالي فإن الهزيمة وإن كانت قد ضيعت ثلاث نقط ثمينة على الفريق الأخضر، فإنها كانت مثل الضارة النافعة، لأنها كشفت عن بعض العيوب قبل وقوع الفأس في الرأس. اللاعبون يثورون مثل هذه المباريات النهائية لا تحتاج لتحفيزات مالية، حيث كان الحافز الأكبر للاعبي الرجاء هو العودة لسكة الألقاب وإسعاد الجماهير الرجاوية التي باتت تحضر بكثافة للملعب للدعم والمساندة، وشكل تتويج الوداد وكذا تأهل الأسود للمونديال بدوره حافزا مهم للنسور، ويبدو جليا بأن العناصر الرجاوية كانت متعطشة للبوديوم بعد أن غابت عنه خلال السنوات الأربع الأخيرة. وهذا ما ركز عليه المدرب غاريدو منذ التحاقه بالفريق،حيث أبدى تضامنه مع لاعبيه بخصوص مطالبهم و مستحقاتهم المالية، لكنه بالمقابل حاول جاهدا إقناعهم بالجدية في التداريب والتركيز على تحقيق النتائج الإيجابية، لأنها الكفيلة بحل الكثير من المشاكل المالية، وبالفعل فقد نجح في هذه الخطوة، وعلى عكس الموسم الماضي وبالرغم من بعض الإحتجاجات الناتجة عن تأخر المستحقات، لم نعد نسمع عن إضرابات اللاعبين. غاريدو والبصمة إعتمد المدرب غاريدو على عناصر الخبرة والتجربة لحسم نتيجة المباراة لصالحه، وراهن على تركيبة بشرية تتكون من لاعبين متمرسين بمثل هذه المباريات أغلبهم لهم تجربة رفقة المنتخبات الوطنية، بداية بالحارس الزنيتي مرورا بثلاثي الدفاع كروشي، يميق وبانون، ولاعبي الوسط الراقي ومابيدي والشاكير ثم ثلاثي الهجوم الحافيظي، حدراف وياجور، ويبقى الإستثناء هو المدافع عمر بوطيب. وبالرغم من انتفاضة الفريق الجديدي وتحكمه في المباراة فإن تجربة العناصر الرجاوية كانت حاضرة سواء أثناء المباراة، حيث كان الهاجس الأول هو التتويج بغض النظر عن الأداء، وأثناء الضربات الترجيحية ظهرت كذلك خبرة الحارس الزنيتي وباقي اللاعبين، عكس عناصر الفريق الدكالي التي افتقدت للتركيز. دور الجمهور الحضور القياسي للجماهير الرجاوية كان حاسما، ولا يمكن إغفال الدور الكبير الذي لعبته هذه الجماهير ليس في المباراة النهائية فحسب، بل في كل المباريات الإقصائية، ففي ظل المشاكل المالية التي يتخبط فيها الرجاء، ظل الجمهور هو المساند الرسمي والداعم الأساسي، وتنقله مع الفريق أينما حل وارتحل شكل أكبر حافز للاعبين وكذا الطاقم التقني من أجل الإجتهاد أكثر والعودة لسكة الألقاب، وبالتالي فإن الرجاء يستمد قوته من هذه القاعدة الجماهيرية العريضة التي تتابعه باستمرار، وهذا الحضور الجماهيري الكبير في المباراة النهائية هو من رجح كفة النسور على الفريق حساب الفريق الجديدي، وكما جاء في بلاغ لمجموعة المكانة فإن الحضور يزكي «ديمومة الإرتباط بالرجاء كفكر وممارسة، رجاء التحدي رجاء المغامرة رجاء السمو والمجد، هاته هي رسالتنا الشاملة للاعبين والطاقم التقني والجمهور».