القطع لن يكون هناك أسعد من الإيرلندين بهذا الذي صعق منتخب فرنسا بمونديال جنوب إفريقيا فأذله وأهانه ودفن منه الأنف والرأس في الوحل..

بعد يد تيري هنري التي تدخلت بفعل شيطاني فأعطت فرنسا الهدف »اللعين» الذي أهلها لمونديال جنوب إفريقيا وأقصى منتخب إيرلندا في لقاء سد مثير تعالت صيحات الإستهجان والإستنكار، وذهب البعض إلى رفع الصوت إحتجاجا على فعل لا يمت لأخلاقيات  الرياضة بصلة، فعل لم تجرمه الفيفا ولم تعاقبه، لأنه يدخل عندها في صلب اللعبة، ومن يقبل على هذه اللعبة يقبل بالضرورة بحيلها وبخدعها وبمكرها أيضا..

 وقد وجدنا بعض الإيرلنديين وقد أحبطتهم الفيفا عندما صادقت على الفوز الفرنسي يدعون على فرنسا  بأن تصيبها لعنة من السماء، فمن وعد بأن يهدي في مطعمه مجانا قطعة بيتزا عن كل هدف يدخل  مرمى منتخب فرنسا، ومن وجدناه يتوعد بأن يتوجه بالصلاة وبالدعاء لأن يصيب فرنسا إعصار فيخرج منتخبها مذلولا، مهزوما من المونديال وكل ذلك يدلل على عمق الحزن وعلى غلغلة الأسى في قلوب الإيرلنديين..

ADVERTISEMENTS

ليس القصد أن ننتصر لشماتة الإيرلنديين، ولكن القصد هو أن نقول أن منتخب فرنسا بالطريقة التي تأهل بها للمونديال ، بالأسلوب الذي يعتمده في تدبير المباريات، بعقلية المحمية التقنية وأيضا بالتجاوزات الخطيرة لفكر مدربه رايمون دومنيك لا يستطيع أن يمثل لكرة القدم العالمية مرجعية تقنية ثابثة، فما ساعده على الفوز لأول مرة بكأس العالم التي أقيمت على أرضه هو وجود جيل رائع تتقدمه عبقرية فتى ساحر إسمه زيدان، وقد كان كافيا أن يكون هذا الرجل  بعيدا عن توهجه لتخرج فرنسا من مونديال كوريا واليابان سنة 2002 وقد دخلته حاملة للقب مقصية من الدور الأول بنقطة وحيدة من تعادل  وهزيمتين، ومن دون أن تسجل هدفا واحدا.. وكان زيدان هو شعلة سنة 2006، إذ إستطاع الفتى الذهبي وقد أعاته حكاية غريبة عن إعتزاله دوليا.. أن يقود  لوحده منتخب فرنسا إلى اللقاء النهائي والذي سيشتهر خلاله بنطحة تاريخية، أقصي معها من المباراة فسكنت   اللعنة منتخب فرنسا..

منتخب فرنسا الذي حضر مونديال جنوب إفريقيا بيد غادرة لتيري هنري سيعيش ما هو لغة واصطلاحا كارثة لا أول لها ولا أخر، كارثة لا تكمن فقط في الخروج المبرمج من الدور الأول برصيد شبيه بذاك الذي كان في مونديال كوريا واليابان قبل ثمان سنوات ولكنها تكمن أيضا في النزيف الحاد يعد صراعات وتطاحنات ومؤامرات صاعقة.

بدأ منتخب فرنسا موندياله بنوع من الرتابة وهو يتعادل سلبا أمام الأوروغواي من دون أن يقدم ما هو مؤشر على تحسن في الأداء الجماعي، وأمام فرسان المكسيك كانت السقطة موجعة، فقد عبرت الخسارة على حقائق إجتهد الفرنسيون في التغطية عليها، وأبرزها أنهم لم يكونوا يملكون فريقا ولم يكونوا يملكون مدربا، وبالتالي فإن أقصى ما كان يمكن أن يحلم به هذا  المنتخب وقد شكله رايمون دومنيك بفكر تقني متجاوز وغير متطابق مع ضرورات المونديال، هو الخروج من كأس العالم بأقل الأضرار..

وفيما قال البعض بأن منتخب فرنسا سيلاحق آخر آمال التأهل ولو أن قدر هذا التأهل لم يعد بيد لاعبيه، جاءت الأيام الفاصلة بين مباراة المكسيك وجنوب إفريقيا لتفجر قنبلة العار، فقد جهرت صحيفة «ليكيب» بجملة تفوه بها نيكولا أنيلكا وصف فيها مدربه دومنيك بابن العاهرة بين شوطي مباراة المكسيك، كان من تداعياتها أن الجامعة الفرنسية إجتمعت  على الفوز وأصدرت قرارا بطرد أنيلكا، وهو القرار الذي أثار ضجة كبيرة، داخل منتخب فرنسا، بل أصبحت مثار تعليقات متضاربة على كافة الأصعدة بفرنسا، فمن يتحدث عن خونة ومن يتحدث عن المهانة ومن  يقول أن هذا المنتخب أصاب فرنسا بالعار..

كانت قمة العار أن لاعبي منتخب فرنسا رفضوا إجراء حصة تدريبية حرروا بيانا يدعو إلى إسقاط حكم الطرد عن أنيلكا، ومنهم من هدد بعدم لعب مباراة جنوب إفريقيا، بل إن العميد المخلوع باتريس إيفرا سيرفع الصوت مستنكرا وجود خائن داخل منتخب فرنسا.. وكان غريبا أن يحضر دومنيك لمباراة جنوب إفريقيا وهو فاقد للكثير من مستلزمات رأب الصدع وتلطيف الأجواء  وأيضا للكثير من الأدوات التكتيكية، لذلك جاءت  المباراة أمام الأولاد وكأنها ذبحة للتاريخ، للأمجاد، وأيضا لكل الذي مثلته كرة القدم الفرنسية لتاريخ الكرة عالميا..

 وقطعا فإن إشتداد الحمى وارتفاع ضغط الخيبة واتساع رقعة الخذلان لا يمكن أن تتوقف عند كل الذي يقوله الفرنسيون اليوم عندما يتبرؤون من هذا المنتخب، من لاعبيه ومن مدربه وبخاصة من رئىس الجامعة إيسكاليت الذي عاكس بقوة ثيار الرفض داخل المحيط الفرنسي لشخص دومنيك بعد السقوط المهول للديكة بكأس أوروبا للأمم قبل سنتين، بل إن الأمر  يجب أن يذهب لمساءلة الذات حول طبيعة هذا الذي  يأتي في صورة إعصار لا يبقى ولا يذر، كما أنه يحرضنا  نحن المفتونين دائما بالنموذج الفرنسي إلى مساءلة الواقع، هل بقي هناك من شيء يمكن أن نتعلمه من الفرنسيين..

ADVERTISEMENTS

إن ما قاد فرنسا إلى هذه الكارثة المونديالية، هو تعنت أصحاب القرار، ثباثهم على أشياء تغيرت ولم تعد ذات مفعول ، جهرهم بأن الكرة الفرنسية معافاة حتى وإن ساءت نتائج منتخبها، وهو ذات التعنت الذي كان عليه مسؤولونا في تدبير العديد من الإخفاقات والتي كان آخرها خروجنا الصاغر من تصفيات كأس العالم، خروج أحالتنا القراءة العميقة لأسبابه ومسبباته إلى ما زرعه في عرين أسود الأطلس مدرب  إسمه روجي لومير، ينتمي لغاية الأسف إلى مدرسة  كلاسيكية تقوم فكرا وتدبيرا وإجتهادا على قواعد فنية وتكتيكية متجاوزة..

وما حدها تقاقي وهي كتزيد في البيض الفاسد..