الحديث عن المحترف الأجنبي المتألق في البطولة المغربية لكرة القدم يكاد يكون حديثا خرافيا أشبه بالحديث عن الأساطير، بل إن التعاقد مع لاعب محترف ناجح بات في بطولتنا مصادفة المصادفات.
فما إن تأتي الأندية بمحترفيها الأجانب، وتجلس تفرك يدها بحماس في إنتظار توهجهم ولمعانهم وعطائهم الساحر، حتى يصطدم رأسها بصخرة الواقع، إذ تسقط التوقعات والأحلام كالعصافير الميتة!! فلا تملك حينئذ سوى أن تضرب كفا بكف للتعاقد الرديء، وسوء الإختيار، وفشل الصفقة..فإما أن حاسة التهديف لدى هذا المحترف الأجنبي تعطلت، أو أن شهية ذاك النجم باتت تحت الصفر، وإما أن جهاز العطاء عند ذلك اللاعب لم يعد يلتقط الموجات الحسية التي تقوده إلى الشباك.. وإما.. وإما..
العشرات من المحترفين والنجوم الأجانب خاضوا تجربة الإحتراف في البطولة المغربية، ولم يتألق منهم إلا القليل جدا.. جدا.. فهل أصبح حصول أنديتنا على محترفين متألقين ومن العيار الثقيل ظاهرة شادة، وعجيبة من عجائب الطبيعة تشبه ولادة طفل برأسين؟!
كل محترفي البطولة الوطنية مع إستثناءات نادرة جدا.. جدا.. يتشابه عطاؤهم تشابها دقيقا كحبات القمح!!
في الموسم الكروي المنصرم إنتظروا الكثير من أجانب الوداد.. وتنبأوا بأن أجانب الرجاء سيتحولون إلى جمر من التوهج ساعة يشاؤون.. وقالوا إن أجانب الدفاع الجديدي سيقودون فريقهم بسهولة بالغة لزعامة البطولة.. وتحدثوا بأن أجنبي الجيش الذي فتح الحدود سيكون رجل زمانه في الفريق.. وانتظروا.. وقالوا.. وتنبأوا.. وتحدثوا.. بإستثناء الليبيري ويليام جيبور الذي تألق مع الوداد وأحرز لقب الهداف، فإن الأغلبية الساحقة من المحترفين الأجانب كانوا نشازا في سيمفونية البطولة.
لقد أثبتت جل التجارب أن العديد من أجانب البطولة المغربية خاضوا حرب إستنزاف إحترقوا خلالها حتى آخر مباراة، ودخلوا من خلال لقاءات البطولة معارك خاسرة بكل المقاييس.. إذ كلما حاولوا الإقناع بأن أقدامهم تجيد العطاء وتقدم المتعة، سقطوا وتهاووا سريعا، وتيقنوا بأن الإخفاق قدرهم المحتوم، وبأن الإفلاس عالق في خاصرتهم إلى أبد الآبدين!
فما سبب إفلاس وإخفاق اللاعبين الأجانب في بطولتنا؟ إن هذا السؤال بالقدر الذي يبدو واضحا ومفهوما، بالقدر الذي تبدو الإجابة عليه غامضة ومعقدة.. ففي حين يرى البعض أن الكثير من اللاعبين الوافدين أفلسوا لأن مدة صلاحيتهم أصلا منتهية، يرى البعض الآخر أن السبب يكمن في سوء التوظيف وعجز المدربين على إستغلال مهاراتهم على النحو الصحيح، بينما يدعي آخرون أن هؤلاء إستعصى عليهم التعبير الكروي السلس بسبب صعوبة الإنسجام الناجم عن تغيير الوسط والظروف والمناخ.. كما أن هناك من يرى أن اللاعبين الأجانب هم من جنوا على أنفسهم بأنفسهم عندما استخفوا بالبطولة المغربية ولم يقيموها على الوجه الأمثل على إعتبار أنها لم تتخلص من كل سلبيات الهواية بعد.
بالتأكيد مهما قيل ويقال، فإن أجنبي البطولة الوطنية بات يدرك جيدا أنه بمجرد التوقيع في كشوفات فريقه، يخوض معركة واحدة مصيرية، فإما أن يكون أو لا يكون.. كما أن الأندية التي ترغب في تغيير أجانبها وضخ دماء جديدة في شرايين صفوفها، تدرك جيدا أنها تخوض بدورها معركة مصيرية مع الإختيار ومع التعاقد.. وما عليها سوى أن تتقن عملية الإنتقاء وتهتم بقيمة المحترف المهارية، قبل أن تهتم بقيمته المالية.