تعطينا جنوب إفريقيا الإنطباع على أنها تأخذنا كأفارقة أولا وكعاشقين لكرة القدم ثانيا وكمستهلكين للمنتوج  الكوني ممثلا في كأس العالم ثالثا إلى طريقين متعارضين..

طريق أولى تقنعنا بأن جنوب إفريقيا وقد إستأثرت بحق ناضلنا نحن المغاربة من أجله لسنوات كثيرة، حق إستضافة القارة الإفريقية لكأس العالم لأول مرة في تاريخه، تنجح  إلى اليوم بامتياز في مطابقة كأس العالم مع  كونيته، وهو أمر يزيل عنا كمغاربة بعض المرارة التي تحسسناها يوم نطق جوزيف بلاتير بإسم جنوب إفريقيا بلدا إفريقيا مستضيفا لمنافسات كأس العالم وأكثر  منه يعدم كثيرا من الشكوك التي حامت حول أهلية جنوب إفريقيا، ومن خلالها القارة الإفريقية لتنظيم حدث كوني ثقيل في ميزان الإستثمار والمشاهدة، قوي في بورصة القيم المالية (كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا تحقق إلى الآن إيرادات مالية تزيد بنسبة 50 بالمائة عن إيرادات كأس العالم 2006 بألمانيا)..

ولو أننا وضعنا جانبا الجدل الذي أثارته الفوفوزيلا لأصواتها الصاخبة في الملاعب، وما كان عليه بلاتير كعادته من ذكاء في إعتبار هذه الأبواق جزء من الثقافة الإفريقية، فإن جنوب إفريقيا تتفوق إلى اليوم تنظيميا في إستضافة نهائيات كأس العالم، فالملاعب المصممة على أحدث طراز تهيء لكل اللاعبين مساحات مشجعة على الإبداع، والجهود المبذولة من أجل مكافحة الشغب والجريمة بمختلف مظاهرها، وقد صرف عليها مبلغ مهول، وبالطبع لم نسمع عن حوادث خارج عن النطاق الإحتفالي الذي تحرص عليه الفيفا، فليس هناك بالقطع شيء يشغل الفيفا بصرف النظر عن الملاعب وعن المرافق الرياضية أكثر من تحقيق درجة  عالية من التأمين على الإحتفالية..

ADVERTISEMENTS

أما الطريق الثانية التي تأخذها جنوب إفريقيا والمتقاطعة على نحو حزين مع الطريق الأولى، فهي إقتراب الأولاد من باب الخروج، ذلك أن الخسارة الموجعة والثقيلة أمام الأوروغواي بثلاثية نظيفة قلمت أظافر الأولاد وأثت على أغلب حظوظهم في الإنتقال للدور الثاني، وفي حال ما إذا لم تحدث معجزة التأهل المشروطة أولا بالفوز على منتخب فرنسا بحصة محترمة وبهزيمة منتخب المكسيك بالذات أمام الأوروغواي ثانيا، فإن منتخب جنوب إفريقيا الذي ينظم كأول بلد  إفريقي كأس العالم سيجد نفسه تاريخيا أول منتخب ينظم المونديال ويخرج من دوره الأول.

وبالقطع فإن السيد بلاتير الذي يملك خبرة كبيرة في تصريف الأقدار وتوجيه الأشياء ويجيد لعبة الكواليس بامتياز، لا يملك لجنوب إفريقيا حيلة ليساعد منتخبها على أن يكسب رهانا  على الملعب، مثلما ساعدها على ربح رهان الكواليس ، لما أثقن لعبة تحويل المونديال إلى جنوب إفريقيا وقد رأى كثير من الأوروبيين والأفارقة والأسيويين أيضا، بخاصة منهم الممثلين في المكتب التنفيذي صاحب القرار الحازم والحاسم أن المغرب أفضل من يستضيف هذا المونديال.

وإذا ما كان علينا كأفارقة أن نراهن على منتخب آخر غير منتخب البافانا بافانا لتحقق القارة الإفريقية ما  هو أكبر من الوصول إلى الدور الربع النهائي، والذي  تحقق  لأول وآخر مرة قبل عشرين سنة في مونديال 1990 بإيطاليا مع منتخب الكامرون، فإن إفريقيا إطمأنت إلى نجاح بلاد مانديلا في تنظيم كأس العالم،  أي في كسب رهان كبير وثقيل، ما بات يفرض أن تدخل إفريقيا تلقائيا من اليوم مع القارات الثلاث الأخرى لعبة التناوب والمداورة في تنظيم كأس العالم،برغم أن جوزيف بلاتير قال تحت إملاءات كثيرة، سياسية وإقتصادية، أن نظام التناوب سيعلق إعتبار ا من سنة 2018 وكأني به يلمح قبل أن يصرح على أن ما ألزمه الفيفا إعمال نظام المداورة هو حاجتها لأن تفرض على العالم إقامة المونديال بإفريقيا لأول مرة سنة 2010 بعد أن تطايرت شرارات الفضيحة سنة 2000 عند التصويت على ألمانيا كمنظمة لكأس العالم 2006.

هذا الحق في أن تحصل إفريقيا على كامل الضمانات لتتقاسم مع القارات «المرفهة» تنظيم حدث كوني هو ملك لكل العالم، وبالتالي ملك لكل الشعوب، وقد قدمت بالدليل في المونديال الحالي ما تستطيعه، عبر عنه بصوت  مسموع السيد عيسى حياتو رئىس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم متحدثا للصحافة الأوروبية، وتحديدا لإحدى الصحف الهولندية عندما قال أن إفريقيا هي  من سينظم كأس العالم لسنة 2026، ووضع ببداهة وبرجاحة عقل وأيضا بوفاء غير مسبوق المغرب في طليعة الدول الإفريقية المرشحة بامتياز لتنظيم المونديال بعد 16 سنة من الآن.

لماذا بعد 16 سنة من الآن؟ ولماذا المغرب؟

يعتبر السيد عيسى حياتو أن مونديال 2014 سينظم  بأمريكا اللاتينية وتحديدا بالبرازيل، التي نظمت  لأول ولآخر مرة المونديال سنة 1950 وكان لها مأساة تاريخية، إذ تقول السيرة الذاتية لكأس  العالم أن منتخب البرازيل بلغ النهائي في تلك السنة إلا أنه أصاب جماهيره التي قدرت بنحو 174 ألفا في ملعب ماراكانا وكل البرازيليين بنكسة رهيبة.

ويعتبر عيسى أن كأس العالم 2018 سينظم بأوروبا وعلى الأرجح بأنجلترا التي نظمت هي الأخرى مونديالها الوحيد سنة 1966، وطبعا فازت به في نهائي تاريخي على ألمانيا، وظل  ذاك هو لقبها العالمي الوحيد، ثم إن مونديال 2022 سيعود مجددا إلى آسيا التي  إستضافته سنة 2002 بتنظيم مشترك بين اليابان وكوريا الجنوبية هو الأول في تاريخ كأس العالم، وهنا سنكون  كعرب بالقلب وبالوجدان وأيضا بالقوة النافذة مع دولة قطر التي تنوب عن عرب آسيا وعن منطقة الشرق الأوسط بكاملها، لتجعل من تنظيم كأس العالم جسرا حقيقيا تعبر منه قيم التسامح والسلام لتبيد حقول الحقد والإرهاب والتجويع.

أما لماذا المغرب سنة 2026؟ فلأن السيد عيسى حياتو يؤمن بالمغرب ويؤمن بقدرات المغرب، وهو  يفعل ذلك بلا موارية وبلا مداهنة ولا طمعا في فتات الموائد، لأنه رجل مبادئ..

ولا يجد السيد عيسى حياتو المسلم الملتزم، الثابث على المبدأ حرجا في إشهار تعاطفه مع المغرب، ففي المرات الأربع التي تقدم فيها المغرب بترشيحه للحصول على شرف تنظيم كأس العالم، كان عيسى حياتو  مع المغرب قلبا وقالبا، وإذا كان قد فعل ذلك بإيعاز من منصبه كرئىس للإتحاد الإفريقي في المرات الثلاث الأولى، فإنه فعله أيضا عندما تنافست جنوب إفريقيا مع المغرب، فقد جهر بأعلى الصوت، أنه يفضل المغرب، وجنى من ذلك عداوات كثيرة، ويمكنكم أن تلحظوا كيف تعاقبه جنوب إفريقيا على هذا الموقف بروتوكليا وأدبيا في المونديال الحالي، من دون أن يمس كل ذلك شعرة من رأسه وذرة من مبادئه.

وحتما إن حياتو الذي يستشعر سعادة نسبية بنجاح جنوب إفريقيا في تنظيم المونديال الحالي، لا يريد  أن تضيع فرص إستثمار هذا النجاح بالضغط على الإتحاد الدولي لكرة القدم ليستحضر باستمرار إفريقيا في التنافس على هذا الحق الكوني، لذلك وجب أن نلتقط نحن المغاربة جيدا ما قدمه الرجل عن وفاء وعن اقتناع أيضا من إشارات على أن المغرب أصبح اليوم صاحب حق مثلما أنه صاحب أهلية ليكون ثاني بلد إفريقي بعد جنوب إفريقيا، وقد يكون ثاني بلد عربي  بعد قطر إن شاء الله لينظم كأس العالم سنة 2026،

كيف نلتقط هذه الإشارات؟

كيف نصوغها؟

وبأي إستراتيجية سندخل السباق هذه المرة؟

أسئلة محورية، تكون الإجابة عليها بالتفكير من الآن في الأمر، فالمغرب الذي فكر بشجاعة تحسب له في كسر قاعدة الإحتكار الأورو أمريكي في تنظيم كأس العالم قبل 24 سنة من اليوم، عندما  وجه المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، المرحوم الأستاذ عبد اللطيف السملالي وكان وزيرا وقتها  للشبيبة والرياضة لتقديم ترشيح المغرب لإستضافة كأس العالم 1994 إستثمارا للحضور الرائع لأسود الأطلس في مونديال المكسيك سنة 1986.

ADVERTISEMENTS

هذا المغرب الذي صاغ حلم القارة ومشروع الأمة في أربع مناسبات، حري به وهو يؤسس للعقدين القادمين ببناء  الدولة وببناء الإنسان بصورة حداثية فيها كثير من الإستباقية أيضا، حري به أن يحين حلمه بتنظيم كأس عالم لا تفصلنا عنها سوى 16 سنة..

ربما تكون البداية الحقيقة لتحيين هذا الحلم الكوني من اليوم، مع خالص الشكر والتقدير  للسيد عيسى حياتو على وفائه وقلبه الكبير.