شيء مؤسف بل ومؤلم أن تذبل الموهبة في عز التفتح، وتنطفىء الشمعة المنيرة في جحيم الظلام القاتم، وسط النفق الجبلي، المطل على ربوة التحرر.
حرام أن يحترق الشباب في ريعان الإنتاج، والبحث عن الذات، ومحزن أن يسقط الرجال على مشارف نهاية السباق، ويتيهوا ويفقدوا البوصلة، ويشهروا راية الإستسلام قبيل بلوغ خط النهاية.
في الرياضة وكرة القدم كباقي المجالات تضيع عدة مواهب لسبب من الأسباب، ويخسر الميدان عقلا مدبلا وعبقريا مبدعا، توقع له الكل مسيرة نموذجية وخرافية، لكن رياح الزمن والقدر ساروا بما لم تشتهيه رغبة المتكهن ومخطط الفنان.
كثيرة هي السيوف التي تقطع الرؤوس اليانعة، ويبقى أكثرها حدة سيف الغرور والطيش وغياب النضج والتأطير الصحيح، مما يذبح الأقدام ويضع الرقبات على مقصلة الإعدام.
اللاعبون المغاربة داخل أرض الوطن وخارجه يتمتعون بمواهب فريدة وإستثنائية، ويُعتبرون الأفضل على الإطلاق إفريقيا وعربيا ومن بين الأجود عالميا، لكن بلا عقول وبلا رزانة ولا هم يطربون.
الأمثلة عديدة ومتعددة، والنماذج كثيرة ومتنوعة، والمواهب الكروية المغربية ذائعة الصيت دوليا، ومثيرة للجدل إثارتها للحسرة والأسف، والتعجب من سلكها طرق الفشل والإستهتار، وسوء الإختيار عوض مسالك النجاح والنجومية وصواب القرار.
نهاية الموسم دنت، والصيف أقبل، وسوق الإنتقالات يتأهب لفتح بابه، والأعين تنظر إلى بعض اللاعبين المغاربة بشفقة، حيث لا أحد يتابعهم أو يخطب ودهم، بعدما هبطت أسهمهم إلى الحضيض نظير إختفائهم عن الساحة، أو سقوطهم في منحدر قلة التنافسية، أو إنتحارهم طوعا بإختيار وجهات خاطئة لم تزدهم إلا معاناة وألما.
هاشم مستور الموهوب الأول أضحى في خبر كان، وإختفى وهو يحبو في مدينة هولندية صغيرة إسمها زفول، حيث يتسكع ويتردد على المطاعم أكثر من تردده على الملاعب، فالمسكين شاخ وهو قاصر وغرق في الهموم، وما زال ينتظر إحدى المكالمات التي تحمل له خبر إهتمام أحدهم به، بعدما لفظه الطاليان والإسبان والهولنديون، ولم يعد يتحدث عنه أحد، ليدخل مبكرا قسم الأرشيف بملف تحت عنوان «موهوب وإحترق».
ويأتي عادل تاعرابت كمخرج فيلم فاشل بسيناريو مروع، عُرض في قاعات عدة دول أوروبية بداية من فرنسا وإنجلترا والبرتغال وإيطاليا، لكنه لم يلق القبول ولم يجذب إلا القليل الذي إقتنى تذاكر المشاهدة وندم بعدها، لينصح الجميع بطي صفحة هذا المخرج العاشق للفوضى والشغب، والقاتل لحسه الفني بسهام الطيش والتهور وغياب النضج.
الموهوبان أسامة السعيدي وأسامة طنان خذلا المعجبين والأنصار في ريعان شبابهما بإختياراتهما الخاطئة وتصرفاتهما غير اللائقة، فالأول غادر أوروبا دون سابق إنذار وذهب لنعيم الخليج غير مبالٍ بمساره الإحترافي وإنتظارات الجمهور منه، والثاني أقدم على خطوة غريبة بالذهاب إلى فرنسا بعدما كان مطلوبا بالكالشيو والليغا، وسقط في مستقنع الغرور وعدم الإنضباط وجنى على نفسه مبكرا، ليضعه سان إتيان في اللائحة السوداء وينهال عليه بسلسلة من العقوبات.
هذه الشموع التي أضاءت الساحات الكروية مع الأسود والأندية الأوروبية لزمن ضئيل، وجاءت بالتوقعات الغزيرة والإنتظارات الواسعة لتضئ العتمة وتنير فضاء التغيير، سرعان ما هبت عليها نسمات خفيفة من الثقة الزائدة والغرور المشبع والشهرة الزائفة، لتحترق بسرعة وتنطفئ فجأة، وتصبح ذكرى جميلة وقصيرة من الماضي. 
المشترون فطنوا وأضحوا يهتمون باللاعبين الأقل موهبة لكن الأكثر واقعية وإنضباطا وفعالية، وباتوا يتهافتون على من يملك العقول الناضجة ويقدم الإضافة وينصهر بسلاسة، ولا يتوفر على سوابق كروية أو أخلاقية حتى لو كان أمهر العازفين.
مستور، تاعرابت، السعيدي، طنان وحتى الشماخ والحمداوي أزهار خجولة تنظر إلى التراب الجاف في حدائق قاحلة، تشكو غياب الزوار وهروب العشاق، وتئن تحت وطأة العطالة وقلة الغيث، وغياب يدٍ تمتد إليها لتقطفها وتعيد لها القيمة والإعتبار، وتزين بها مزهريات الأمل والحياة.