• إنجاز البقالي والأسود لن يخفي 
• لا رجاء في هؤلاء لصناعة الأبطال والإنجازات

أسدل الأولمبياد أمس الأحد الستار على نسخته الثالثة والثلاثين، على درجات جمالها وسحرها وإثارتها فقد كشفت عن تصنيف عادل للدول بحسب دقة إستراتيجياتها الرياضية ونجاعة أو ضعف المنظومات.
وقد رأت الرياضة الوطنية وجهها في مرآة الأولمبياد، بل ووزنت نفسها وقاست حجمها بالمقياس الأولمبي الكوني، فأدركت كم هو شاحب وجهها، وكم هو وزنها خفيف في ميزان الكبار، وكم هو هزيل حصادها، ولا حاجة لأن نتخفى وراء أي من المبررات التي لطالما أوهمنا أنفسنا بأنها هي السبب المباشر في فشلنا أولمبيا.
فأين يكمن فشل الرياضة الوطنية الذريع؟ وما هي يا ترى مسبباته؟ وكيف نتخلص منه؟ وما طريقنا لصناعة النجاح الذي نستطيع أن نقارع به الآخرين أولمبيا؟

• حصيلة هي الأفضل والأسوأ؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن نصف حصيلتنا في أولمبياد باريس (ميداليتان، ذهبية وبرونزية)، بشيء آخر غير أنها حصيلة سيئة وضعيفة وموجبة لمساءلة منظومة ، حول نجاعتها ومطابقتها لمنظومات الإشتغال عالميا.
صحيح أنها الحصيلة الأفضل منذ دورة أثينا 2004 التي تحصلنا فيها على ثلاث ميداليات، منها ذهبيتان للأسطورة الكروج، أعطتنا المركز 35 عالميا، لكن بميزان التطور الذي تشهده الرياضة وبمنطق الإرتقاء الذي هو سباق مفتوح بين الدول لمضاعفة الغلة أو على الأقل لتحسينها، فإن ما جنته الرياضة الوطنية في العشرين سنة الأخيرة التي تمثل 6 دورات أولمبية (10 ميداليات)، يقول بأن الرياضة الوطنية تجتر في كل هذه السنوات فشلا ذريعا على المستوى الأولى، وأن الإستراتيجية الوطنية حول الرياضة التي أطلقت بعد أولمبياد بيكين 2008، لم تغير شيئا من الحال البئيس، وأبدا لم تتغير منظومة الإشتغال لتصنيع أبطال رياضيين قادرين على المنافسة أولمبيا، برغم الدعم المادي الكبير الذي رصد سنة 2009 لتأهيل أبطال المستوى العالي (33 مليار سنتيم).

• البقالي والأسود.. مؤسسة النجاح
وإن كانت هناك من مكاسب رياضية تحققت في أولمبياد باريس، ووجب ذكرها إحتراما لأدوات النقد الإيجابي، ويمكن التأسيس عليها لصناعة "التميز الأولمبي"، فهي بالتأكيد الميدالية الذهبية الثانية على التوالي لبطلنا الكبير سفيان البقالي الذي تحول منذ وقت بعيد إلى مؤسسة نجاح قائمة بذاتها، ولا يمكن الجزم بأنها وليدة سياسة رياضية ناجعة تتبعها جامعة ألعاب القوى، والميدالية البرونزية التاريخية لكرة القدم التي قال إنجازها الكبير، كأول رياضة جماعية تصل للبوديوم الأولمبي، أن جامعة كرة القدم هي أكثر جامعة تطابقت مع الإشتغال العلمي الحديث، الذي حول الرؤية لاستراتيجية، تم تنزيلها بشكل إحترافي ورصدت لها الإمكانات اللوجيستية، وكان من نتائجها المنطقية والطبيعية، أن كرة القدم المغربية هي الرابعة موندياليا والثالثة أولمبيا.
خلف هذه المكاسب وهي قليلة جدا، حصدت الرياضة الوطنية الكثير من الإخفاقات والأوجاع والفشل الذريع، وأبدا لم تظلم الرياضة المغربية فيما جنته في عمومها بأولمبياد باريس، لأن الحصيلة الفاضحة هي في حقيقة الأمر تحصيل لحاصل كنا نعرفه، وبسببه لم نتفاءل بحصول المغرب على ميداليات كثيرة، حاصل ضعف المنظور وهواية التدبير وعدم التطابق في أي شيء مع المستويات العالية جدا والتي يرتفع مؤشرها من دورة أولمبية لأخرى.

• بعيدون جدا عن المستوى العالي
ما كان من ضعف كبير وهزيل للمحصول الأولمبي، ينطق بحقائق قديمة لطالما كررناها بعد كل إخفاق أولمبي، وأبدا لم نعتبر ولم نتقدم خطوة واحدة على درب التغيير، برغم كل الخطابات المطمئنة التي كانت اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية ترسلها كلما كنا على مشارف الألعاب الأولمبية.
لقد كشف السقوط المرير والمحزن ل17 نوعا رياضيا شاركوا في دورة باريس 2024، عن حقيقتين إثنتين:
الحقيقة الأولى، أن الخروج المتواتر لأغلب رياضيينا من الأدوار الأولى للمسابقات، يفضح بعدنا الكبير عن المستوى العالي، وضعف تأهيلنا للرياضيين المؤهلين للألعاب الأولمبية، ويقول بأننا لا نملك أي إستراتيجية لتأهيل رياضيي المستوى العالي باحترام الدورة الزمنية الأولمبية.
الحقيقة الثانية، أن ما وقفنا عليه بأولمبياد باريس، ورياضيونا يمنون بخسائر فادحة تعبر عن إفلاس منظومة التحضير، يقول بأن فاقدي النجاح لا يمكن أن يصنعوه، وبالتالي، لا منظومة الإشتغال تستطيع أن تعطينا بطلا، ولا الذين يديرون أغلب الجامعات الملكية مؤهلون لصناعة هذا النجاح المأمول.  

• استقيلوا.. أريحوا واستريحوا!
ونصل إلى السؤال الذي يشغلنا جميعا، ومع أفول شمس أي دورة أولمبية نكرره بعد أن نعود موجوعين، ما هي يا ترى الوصفة التي يمكن أن نتبعها لصناعة النجاح الأولمبي؟
إن جزمنا بأن الفشل الذريع في الأولمبياد، هو متاج لوضعية رياضية موشومة بالكثير من المعطلات والإختلالات، فإن التغيير يجب أن يبدأ من الداخل، أقصد من داخل الجامعات الرياضية التي يتربى في حضنها هؤلاء الرياضيون، وبداخلها يتنفسون حلمهم بتحقيق الإنجازات القارية ثم العالمية.
التغيير الذي يجب أن يطال الأسلوب الذي تدار به الرياضة في كل هذه الجامعات، سواء التي حضر رياضيوها بباريس أو الذين سقط رياضيوها عند حاجز التصفيات الإفريقية.
ومتى طالبنا بتغيير منظومة الإشتغال، متى حضر السؤال بخصوص جدوى إستمرار رؤساء جامعات بعينهم وقد أحاط بهم الفشل من كل جانب.
إن إقران المسؤولية بالمحاسبة، وهو أحد المبادئ التي تقوم عليها الديموقراطية، يفرض إزاء هذا الفشل الذريع أن يستقيل كل من تسببوا فيه من رؤساء ومديرين تقنيين، وأن نعتمد مقاربة جديدة في انتخاب الكفاءات التي ستدير هذه الرياضات، وقد أكره عدد من رموزها وأبطالها بل وأساطيرها الإبتعاد بسبب الترهيب وبسبب التحرش بهم من "مؤسسة الفساد".
أولمبياد لوس أنجليس يقف على بعد 4 سنوات، وإذا لم نبادر من اليوم إلى طرد "شياطين الفشل"، والإشتغال على تأهيل الرياضيين من المستوى العالي من خلال قطب تقني مستقل، فسنجد أنفسنا مجددا أمام حائط المبكى، نكرر ذات الخطاب، خطاب الشكوى والتأسي، وكأننا نلدغ من نفس جحر الفشل ولا نتعظ..
اللهم فاشهد، إني قد بلغت.