حفل سيأخد ملايين الناس لنهر السين ويرميهم بالدهشة


منذ أن أْعلِنت باريس منظمة للنسخة 33 للألعاب الأولمبية الحديثة، التي كان أحد باعثيها من مرقدها الأسطوري، واحد من أبناء فرنسا، البارون بيير دي كوبيرتان، وهي تغوص كعادتها في بحور الخيال، تبحث عن الدرر الإبداعية الساكنة في تجاوبف النبوغ والإلهام.

أرادت باريس لأولمبيادها الثالث منذ تاريخ الميلاد، والثاني خلال 100 عام، أن يكون استثنائيا، إستثناء السحر الذي عرفت به عاصمة الأنوار في إبداع العديد من الصور المتخلية، فعاصمة الأناقة والجمال، لا ترسم في المدى إلا ما هو جميل.

فما الذي يمكن أن يميز النسخة الحالية عن كل النسخ الماضية من حفلات الإفتتاح، حتى تخلد في الذاكرة، بل وتصبح مرجعا للنبوغ؟

لم يطل التفكير بباريس الطاعنة في سن الإبداع، المتجذرة في أعماق الجنون، إذ قررت أن تأتي من لحظة الصفر، لحظة رفع الستار عن الألعاب الأولمبية، بما سيصيب كل الناس بالدهشة، فيتذوقوا الطعم الخالد الذي لا يعوضه أي طعم آخر، وكان القصد هنا حفل الإفتتاح الذي يمثل للألعاب الأولمبية مرآتها الأسطورية، وهويتها الإبداعية ومخيالها الذي يركب قوارب الدهشة ليطلع من الأعماق بالنيرك المفقود.

وكانت ضربة السحر التي أتت بها باريس، لحظات فقط بعد أن أعلنت منظمة لدورة 2024، هي أن تخترق جغرافيا حفل الإفتتاح، فتشق الأخاديد ليمر منها ماء الجنون، ومن سمع بما اقترحته باريس، أصيب فعلا بالجنون.

قررت باريس أن تخرج بحفل إفتتاحها من الفضاءات المغلقة، وترمي به كالزلال على العطاشى في مرافئ الإنتظار والشوق. قررت باريس أن ترمي بحفل الإفتتاح في عرض نهر السين، ليغتسل بماء الأساطير، وليتحول إلى تراتيل يسمع لها صدى في ظلال مفتوحة على الكرة الأرضية.

قال الألماني طوماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية وهو يبلغ، بالجنون الفرنسي، "تصورت أن أسمع كل شيء، إلا هذا، أن يحتفل أولمبياد باريس بمولده على ضفاف نهر السين، شيء مدهش، يملأني وكل الناس شغفا وفضولا لمشاهدة فقرات هذا الحفل".

والحقيقة أن ما تنفقه الدول المستضيفة على حفل الإفتتاح، شيء يطابق في الضخامة، فخامة العروض التي تؤثث الفضاء الإبداعي، لهذا الحفل والتي تتبارى القرائح بحسب المقامات والمقاسات والمرجعيات، لإنتاج ما يعطل الحواس بل ويوقفها من فرط الدهشة، لذلك ستأتينا الأرقام بعد الإنتهاء من الحفل الإستثنائي لأولمبياد باريس، بما كنا له جاهلين، فأمام العشرة مليارات من اليورو، التي هي تكلفة تنظيم أولمبياد باريس، ستكون اللجنة المنظمة قد صرفت على حفل افتتاح هذه الدورة، أكثر بكثير مما صرفته دول نظمت نسخا سابقة، بحكم أن مولد الأولمبياد من ضفاف نهر السين، وليس من ستاد دو فرانس، الجاثم هناك في سان دوني على أجساد منهكة ويائسة من المهمشين في عاصمة الأنوار، تطلب أشهرا أكثر في التحضير، وأعدادا أضخم من الممثلين، وآلافا من رجال الأمن الذين عملوا ليل نهار على حراسة نهر السين جوفه وسطحه وتجاويفه وحتى سماءه.

وإذا ما نحن أتينا لتفاصيل هذا الحفل الإفتتاحي، وهو مفرد متفرد بإبداعه في صيغة الجمع الكوني، سنجد أن أساس الفكرة أن ينطلق الموكب الأولمبي، على شاكلة قوارب عائمة، سيصل تعدادها إلى 85 قاربا، تقل قرابة سبعة آلاف رياضي في عرض عائم بطول يصل إلى ستة كيلومترات في نهر السين الذي يخترق أضلع باريس.

ستكون إنطلاقة الموكب من جسر أوسترليتز، ومنه يمر بكاتدرائية نوتردام الشهيرة، إلى أن يصل بالقرب من برج إيفل، وقد تخطى العديد من الجسور والبوابات،  بينها "بون دي زار" و"بون نوف" وبمحاداة العديد من معالم العاصمة الفرنسية.

ومن المقرر أن يبدأ الحفل في تمام الساعة 7.30 مساء بالتوقيت الفرنسي (18.30 بتوقيت المغرب) ويستمر نحو ثلاث ساعات و45 دقيقة.

وبحسب ما استقيناه من إشارات، بالنظر إلى أنه جرى التكتم الشديد على تفاصيل أو حتى عناوين هذا الحفل الإفتتاحي، بدافع المباغثة وبوازع أمني أيضا، فإن الحفل سيكون جريئا ومبهجا وسيسخر كثيرا من معالم الجمال والتاريخ في العاصمة باريس، وضفاف الأنهار والسماء والمياه ليرسم اللوحة الخالدة "ولن تكون هناك ضفة نهر أو جسر إلا وتملأه الموسيقى والرقص والعروض".

وستبث نحو 80 شاشة عملاقة على طول الطريق العرض الذي سيتضمن موكبا عائما للرياضيين والفنانين، ومن المتوقع أيضا أن يضم راقصين يؤدون عروضهم من فوق أسطح المباني على طول نهر السين.

بعد ساعات، سيكون علينا أن نربط الأحزمة ونربط على فهمنا مهما كان شاسعا، لأن ما سيأتي به حفل الإفتتاح سيرمينا في نهر الدهشة..