كان لا بد والسجال يطول والتقييم يختلف، بين مهلل لما حدث بالغابون وبين من صنف ربع النهائي حدثا عاديا، التملي بطلعة الأسود الأولى بعد الكان ومواكبة جديدهم وإستشراف قدرتهم على الوفاء لأدوار الإستماتة والبطولية والعراك الذي إفتقدوه لسنوات ونقلت لنا سماء أوييم بعضا من شراراته.
وحين يقف خيل بوركينابي جموح، يمثل اليوم أحد الثوار بالقارة وأحد القوى الساطعة والصاعدة المصرة على قلب تربة الكرة كما قلبت تدبيريا بإثيوبيا وهو يتحل الصف الثالث ويصعد متقدما على غانا والجزائر وتونس وحتى على الأسود، حين يقف هذا المنتخب طرفا ومنافسا ولو في سياق ودي فإن درجة التقييم ومساحة تقدير ما إكتشفناه بأووييم تبدو أكثر من واقعية..
نفس سماء أوييم كانت قد حملت لنا لاعبا فذا إسمه فيصل فجر اختير في مناسبتين أفضل لاعب في مبارتين بالدور الأول.
وكما كل الصدف التي تصنع كل الأشياء الجميلة بالكون، هي نفسها الصدفة ورب ضارة نافعة التي حملت فيصل فجر ليلعب الكان رسميا، لأنه ما كان رونار ينظر إليه وبالدليل في سابق المواجهات الرسمية إلا لاعب طوارئ وأحيانا خيارا يصلح للمواعيد الودية فقط.
ما إن أصيب طنان وتعطلت أقدام أمرابط ونسف الإصابة حلم كل من بوفال وبلهندة في حضور الكان، حتى وجد رونار في فيصل الملاذ والحل ولربما كلمة السر التي إفتقدها منذ تنصيبه باحثا عن لاعب بلمسة خاصة في أزمنة خاصة.
غادر في أفكاره، يلسع كالنحلة ويلذغ كالعقرب ويوزع الرحيق كالفراشة ويصعق كالتيار.. تلك هي خصال فيصل فجر الذي إجتمع فيه ما تفرق في غيره من لاعبي الأسود في نفس المحور الذي يشعله وفي نفس الجبهة التي ينشط فيها.
إفتقدنا للاعب بدقة التسديد، للاعب يتجرأ على إتخاذ القرارات مهما كانت درجة تهورها لمنها تلامس الهدف وتحقق الغاية، وإفتقدنا سابقا للاعب بروح مشاكسة بالملعب ومرح خارجه وبشخصية قوية لا يحرجها أن تعترف بولائها للون الرجاء البيضاوي تارة وبأن يتقلد دور بنعطية كعميد إن طلب منه ثانيا وهو ما لم يقو أحد على قوله غيره.
لن نندم على أننا تأخرنا في إكتشاف فيصل فجر متأخرين، فقبله يوسف شيبو ولج العرين بعدما تم تشييعه لنهاية المشوار مصابا قبل أن يلتفت إليه هنري ميشيل في مباراة غانا بأكرا وهو لاعب بالخليج عائد من نقاهة كسر مزدوج وليوقع من يومها على رسمية لا تناقش ومسار إحترافي أنطولوجي ما توقعه كثيرون لابن القنيطرة.
«وقت ما جاء الخير ينفع» وهذا الخير حل بأقدام فيصل فجر، الذي عزز صورة التألق وإنطباع الألمعية الذي خلفه وراء ظهره بالغابون وهو يوقع بلمسة عالمية هدفا رائعا في مرمى بوركينافاسو ويمهد بشهد آخر لبوهدوز هدف التفوق.
ما يوقع عليه فيصل فجر هو ما لم يحلم به هيرفي رونار، كون تألق فجر سيصعب المهام أمام أمرابط وسيحرض بوفال على عطاء أنطولوجي أكبر وسيخرج كل طاقات بلهندة بل وسيفرض على المنتصرين لطرح زياش أن يكفوا حديثهم لأن لاعب لاكورونيا خلخل كل موازين القوى بوسط الأسود.
إنه بإختصار فيصل، الفيصل بين غسق الليل وكحلته الطويلة في سماء الأسود والفجر الذي أطل ليعزز الأمل في أن يكون ما حدث بأوييم مجرد إنطلاقة وليس صدفة.