لم يتأخر السي حسبان ليخرج على قوم الرجاء وقبيلة الصحافة بعدما حشرهم قبل يوم واحد من ليلة القدر ليخطب فيهم ويرثي لهم حال رجاء عليلة، رجاء أصابها المرض وتورمت وضربها الوهن واقتربت من الموت الزؤام والإفلاس العلني الصريح ويصيب كل الخضر بحالة هلع مزمنة في العشر الأواخر لشهر المغفرة.
حسبان بدا مذعورا ومرعوبا، وكأن ذبابة لسعته أو أنه اكتشف اكتشافا خطيرا أسبوعا فقط على تنصيبه رئيسا للقبة الخضراء ورئيسا لزاوية رحل عنها بودريقة وتركها بلا بركة؟
وما إن كان الرجاويون يصحوا على إيقاعات حسابات العجز والديون وحالة الإرتباك التي أوقعهم فيها بودريقة، بين 3 مليار أو 6 مليار حتى أخبرهم حسبان أن الدين أغلظ مما توقعوه ويفوق حجم ما تصوروه وهو بحدود 16 مليار وبعض الملايين.
قال حسبان أن الرجاء إقتربت من العرض بالمزاد وفي حاجة لملايير عاجلة وملايير على الأمد المتوسط ومثلها على الأمد البعيد وناشد الدولة كي تتدخل لإنقاذ الفريق من حالة الإنهيار وكأن الرجاء مؤسسة من مؤسسات الدولة العمومية أو شركة تابعة لها وبنكيران آخر من يعلم؟ وهو بذلك يحاول تكرار ما فعلته أوروبا عبر واقعة مارشال بعد الحرب العالمية معتقدا أن الرجاء شركة تابعة للدولة.
بودريقة الذي لا يعترف بحدود ولا حرمات الأمكنة وصله الصدى وهو بحضرة صلاة التهجد فأقسم أن يقاطع نسكه وزهده ليرد على حسبان هناك من مكة المكرمة، حيث كان يعتمر ويغتسل من أدران الجمع العام والخاص، ليقصف على طريقة الفلول حسبان ويسخر منه غير عابئ لا بحرمة عشر أواخر ولا قدسية مكان اختاره للإنزواء وكف الأذى، وطالب حسبان بأن يحط «السوارت إن لم يعجبه حال».
بودريقة الذي يشبه جواد الأمين بـ «مول الدوا» الذي لا يفقه في التقارير المالية، والمنخرطين بالبلداء والإلترات بالمشاغبين وحتى لقجع والناصيري بالمتواطئين، كيف له أن يتأخر على مستوى السخرية من حسبان الذي يعرفه تمام المعرفة، لذلك سخر منه حين قال أن الأمر إختلط على حسبان ليعتقد أن الرجاء جماعة أو مقاطعة أو ملحقة تابعة لهما لذلك يطلب مدد الدولة وعونها.
للأسف الشديد أنه في خرجة بودريقة حتى وإن كانت قاسية وجارحة الكثير من الصدق وخرجته منطقية أكثر من خرجة وندوة حسبان، لأن حسبان قبل أن يحل مكان بودريقة كان على اطلاع بأحوال الفريق وسيولة الرواتب المتأخرة وما ينبغي عليه القيام به ولا جديد في الأمر، وبالتالي هو متحمل لكل المسؤولية في إنقاذ المركب من الغرق.
السي حسبان ترأس الرجاء وليس فريقا بالمريخ أو كوكب آخر، وكان على علم بما تداوله الإعلام أشهرا طويلة وهو يواكب إضرابات اللاعبين وحجز أقماري وبلمعاشي وروماو تارة على حافلة الفريق وتارة على  أشياء عينية أخرى بسبب كمبيالات بودريقة الجافة والتي لا سيولة فيها، وما عليه سوى أن يشمر على ساعده ويضع يده في جيبه كباقي أصحاب «الشكارة» لينقذ ما يمكن إنقاذه وبعدها يأتي الحساب.
قلتها في عمود سابق، أن حسبان ليس من أصحاب الشكارة، حسبان لن يضع يده في جيبه ولن يضخ ملايين كثيرة في حساب الرجاء حتى يستقيم قطارها على السكة، حسبان سياسي والساسة يجيدون الشفوي والنفخ في القرب المثقوبة واللغو المباح في المجالس، وحين يستبد به الحال وتشتد الغمة سيخرج ليخطب ويخطب ويعيد الخطب حتى يغير مجرى النقاش ويحشد الدعم والتأييد والتعاطف ويمسح كل الآثام في بودريقة.
بودريقة نبتت له أنياب ولم يعد ذلك الفتى أو المراهق أو حتى «الدري» كما قال زكي السملالي، بودريقة صار له لسان فصيح وسنطيحة تكسر الجوز الهندي واللوز فوقها، ومستعد لمناظرة مع حسبان وغير حسبان لمن يصدقون تقارير المحاسبين ويكذبون تقاريره التي تلخص عجز الرجاء.
لا لوم على بودريقة إذن ومن اعتقدوا أن الرجل يعتمر وقادر على كف لسانه ولو لفترة فهم مخطئون، بودريقة يتابع الكبيرة والصغيرة والشادة والفادة من هناك على مقربة من البيت العتيق، ومستعد للرد وبكل الطرق لذلك كل اللوم على حسبان الذي بذل الكثير ليرأس الرجاء وهو مقدر لحالة العسر التي أصابته، وكان عليه أن يضرب على الطاولة يوم الجمع لا بعده.
قلت سابقا أن حسبان حسبها مزيان، لكن بعد خرجته المذعورة بدا لي أنه غير ذلك، إذ يظهر غير «داوي وزربان».