مؤكد أن لا أحد اليوم سيضع الفريق الوطني وهو يواجه قروش الرأس الأخضر، أمام حتمية الفوز هناك ببرايا إحتكاما فقط إلى جبل الفوارق وإلى معطيات التاريخ والجغرافيا التي ما عاد لها ذكر في أدبيات التقديم للمباريات.
مجنون أو معتوه أو مكابر من سيقول ذلك، لأن ما هو موجود اليوم على الطبيعة يقول بأن أسود الأطلس تاهوا في فيافي بعيدة لا تكاد ترى بالعين المجردة، فلا قياس بينهم من حيت لغة الأرقام الجافة وبين منتخب الرأس الأخضر، ويكفي أن نلقي نظرة على آخر تصنيف للفيفا، برغم كل ما نبديه عليه من مؤاخذات، لنصدم بحقيقة أن الفريق الوطني يتخلف بخمسين مرتبة عن منتخب الرأس الأخضر.
قبل سنتين ونيف لم يكن الأمر كذلك ونحن نصطدم بالقروش الزرقاء لأول مرة في نزالاتنا الإفريقية، وكانت المناسبة نهائيات كاس إفريقيا للأمم 2013 بجنوب إفريقيا، فقد أوقعتنا القرعة في الدور الأول مع هذا المنتخب الذي راح كل منا يقلب أوراق  غوغل عله يعثر له على هوية، لينتهي بنا كبرياؤنا الكاذب إلى حقيقة أن هذا المنتخب سيكون هو الحلقة الأضعف في مجموعتنا، وأن هناك حتمية عليها يقوم الترشح للدور الربع النهائي، تقول بأن شيئا آخر غير الفوز على هذا المنتخب سيعني بالضرورة العودة للديار بوصل الإقصاء والعار.
وما أكثر ما أذنبنا في حق هذا المنتخب وفي حق أنفسنا باسم التاريخ والجغرافيا وعلم الأثريات والمرجعيات، وإلى اليوم أذكر تلك المباراة التي لعبناها بملعب موزيس مابيدا بجنوب إفريقيا، أمام منتخب الرأس الأخضر الذي كان بصدد كتابة التاريخ وهو يصل لأول مرة في تاريخه للأدوار النهائية لكأس إفريقيا للأمم.
في شوط أول خرافي للرأس الأخضر شابت رؤوسنا من هول ما شاهدناه، فهذا المنتخب الذي عرفناه بتاريخه الصغير وبمرجعياته الناشئة سيرينا العجب، سيتقدم علينا بهدف لنجمه بلاتيني، وكم عانى الأسود من أجل أن يدركوا التعادل وينالوا نقطة واحدة كانت عنوانا لإقصاء مبرمج برغم ما قدمناه من أداء هلامي أمام جنوب إفريقيا في ثالث المباريات عن الدور الأول، وبينما كان أسود ألأطلس يحزمون الحقائب للخروج من الأدوار الأولى، كان منتخب الرأس الأخضر بتأهله للدور ربع النهائي يوقع على شهادة ميلاد وعلى إنجاز تاريخي، إنجاز إحتفل بها لبرهة من الزمن من دون تبجيل ولا تقديس، ثم راح ينحث في الصخر ليواصل الصعود تدريجيا بثقة عالية في النفس والقدرات إلى أن أصبح اليوم متصدرا لتصنيف إفريقي نقف فيه نحن على بعد خمسين مركزا.
في أقل من سنتين أصبح منتخب القروش الزرقاء قوة كروية وازنة بإفريقيا وقد حقق بالعمل طفرات مذهلة، وفي أقل من ذلك واصلنا نحن التوهان في الفيافي إلى أن أصبحنا بلا هوية وبلا ذاكرة.
هذه هي الحقيقة التي يجب أن تحضر اليوم ونحن نتأهب لملاقاة منتخب الرأس الأخضر بمعقله الذي لم يقو أي منتخب إفريقي على إسقاطه به، وعندما تحضر هذه الحقيقة المؤلمة والصادمة والموضوعية أيضا، فإن مباراة برايا ليوم السبت ستكون للفريق الوطني مناسبة للبحث عن الهوية المفقودة ولبداية الخروج من السرداب المظلم، ولأن كرة القدم لا تعترف لا بالأرقام ولا بالتاريخ  القديم والجديد، فإن أمام الفريق الوطني فرصة تاريخية لينتصر على ما يوجد بداخله من قهر ووهن، وليقفز على ما يجره دوما إلى الدرك الرديئ الذي لا يعبر عن مكنوناته وإن كان يعبر عن حقائقه وسفاسفه.
شخصيا لا أمارس عملية التثبيط للعزائم، فأبدا لم تكن تلك عادتي، ولكنني ألح على ضرورة أن نضع مباراة برايا قبل مباراة مراكش في سياق الأحداث والوقائع والحقائق الظاهرة، فالفريق الوطني سيكون في مواجهة منتخب لا يشق له غبار في ملعبه، وسيكون في مواجهة نفسه وهو الذي عجز بشكل كامل عن التعبير عن ممكناته البشرية برغم كل الذي رصد له من إمكانيات، وسيكون مطاردا لثلاث نقط ليس هناك أثمن منها، لو تحصل عليها فسيوقع ثلاثة عصافير بحجر واحد، أولها أن يبتعد بثلاث نقاط عن المنافس الكبير على بطاقة التأهل، وثانيها أن يتحفز لمباراة العودة هنا بمراكش والتي ستكون فعلا بوابة العبور لنهائيات الغابون وثالث العصافير أن يبدأ رحلة الصعود نحو القمة القارية، وكيف لا وهو يقصي من يتصدر قائمة المنتخبات الإفريقية عالميا.
مباراة برايا بحاجة لحذاقة ولتركيز وأيضا لجرأة في تدبير نزال تكتيكي ملغوم، والفوز فيها سيكون كالشمس التي تطلع علينا بعد سنوات من الظلام.