حكاية غريبة ترافق المدربين المغاربة الذين تعاقبوا على ترويض الأسود والأشبال وباقي الأتباع، حكاية محرقة تشوي جلود كل هؤلاء كلما رتب لهم القدر موعدا مع تدبير شأن المنتخبات الوطنية، ليصبح بنك احتياط الأسود حقل ألغام داخله مفقود والخارج منه مولود.

تدريب المنتخب المغربي من طرف المدرب المغربي أصبح نقمة بعد أن كان سابقا نعمة، وقليلون هم الذين غادروا رحى العارضة التقنية للمنتخبات الوطنية دون أن تطحنهم هذه الرحى وتعصرهم عصرا.

المنتخب المحلي وحده حكاية وكأنه مسكون بعفريت يتربص بكل المدربين المغاربة الذين حالفهم حظ قيادته، من الراحل بليندة الذي غادرنا وقلبه يعتصر كمدا على عقد بئيس لم يرتق لقامة الرجل الباسقة، فكان عقدا مبحوحا بلا صدى أطفأ شعلة وجهورية صوت مدرب شامخ لم يرحم كعزيز بين قوم الكرة.

ADVERTISEMENTS

خرج الطوسي من عرين المنتخب ولم يعد، أهل المنتخب لـ «الشان» فضاع شأنه وأحيل على مغادرة غير طوعية بعد أن أصر الرجل على ترسيخ ثقافة العقد شريعة المتعاقدين متشبثا ببقائه ومؤكدا أن سكوت الجامعة هو علامة الرضا، ليتفاجأ بصوت رخيم يسكن علبة هاتف الفهري الصوتية يجيبه «إن الرقم الذين تطلبونه غير موجود المرجو إعادة النداء لاحقا».

الذين يعرفون الطوسي قبل عشرين سنة بخفة دمه وعفويته وحرصه على التواجد في كل مكان وزمان، مذهولون اليوم للغبن الملازم للرجل ولحالة الإكتئاب التي يعيشها وكيف حوله منصب الناخب الوطني من شخص يفيض بالمرح لكائن استوطنه الحزن ويميل للوحدة.

حكم اللوزاني عصره فكان العملة الرائجة بين كل الفرق والطائر الناذر المرغوب فيه للجميع، قبل أن يترك في يوم من الأيام عارضة الأسود مكرها وسفينة الفريق الوطني على بعد مسافة أميال بسيطة من شواطئ بلاد العم سام، حيث كان مونديال أمريكا يفتح أحضانه للمنتخب المغربي.

تضاءلت أسهم اللوزاني وحتى الخطط الدفاعية التي كان يبدع فيها، لم تعد تحمل نفس الخاصية وبدا و كأن لعنة تلاحق الرجل الذي تأسف على زمن ضاعت فيه هيبته بفعل أكثر من فاعل.

أهل محمد فاخر المنتخب الوطني لأمم إفريقيا بغانا وما إن كان الكاف يجري مراسيم قرعة وضع المنتخب المغربي في مجموعته، حتى كان أوزال يزف خبر إقالة أو استقالة الرجل ليحشد له فيلقا من الإعلاميين بأفخم فنادق الرباط ليرتب له خروجا مشرفا ويمهد الطريق لصديقه هنري ميشيل.

داخل الفريق الوطني فقد فاخر الكثير من الكاريزما بعد خلافاته التي فبركها محيطون به مع خرجة وحجي ووادو، فخرج مقسوم الظهر، حيث تنقل بين تطوان وفاس في تجارب خالفت عادة الرجل الذي ظل يروض الفرق التي لها رصيد ألقاب، قبل أن يهتدي لاحقا للمعوذتين ليستعيد صورته التي خدشها مروره من محراب الأسود في سنة تلقى فيها غير قليل من الضرب تحت الحزام.

الناصيري واحد من الذين اكتووا بجمرة الفريق الوطني وهو اليوم من الذين اقتربت الذاكرة من نسيانهم، في وقت كان يفترض فيه أن يكون هذا المدرب اليوم واضعا زاد الخبرة وفلسفته التي يؤمن بها رهن إشارة أندية البطولة الإحترافية.

لم تسلم التركيبة الرباعية من شر قيادة الأسود، بعد أن لاحقتهم سخرية الشامتين في اضطلاع أربعة رؤوس بمهمة فك شفرة معادلة إفلاس منتخب.

رحل عموتا مكرها صوب قطر، وعوضه السلامي بالفتح وأحيل حسن مومن على بلاطوهات التحليل ليمارس بين الفين والآخر هواية قراءة فنجان المباريات.

بنعبيشة الذي كان يعيش هنيئا مريئا وفي سلام، سلطت عليه هذه الجمرة الخبيثة لتحرقه كما حرقت السلف الصالح الذي مروا قبله، وليتحول في ظرف 45 دقيقة من بطل لمدان ومن داهية لساذج تكتيكيا كما أجمعت قبيلة المحللين والمحرمين لوقائع المباريات.

ADVERTISEMENTS

الزاكي بادو الذي تصدى لضربات خطأ ولكرات ثابتة وأخرى متحركة في مشواره الإحترافي الطويل، والذي جرب مقالب مهاجمين وخداع مدافعين لم يسلم بدوره من شر المرور من بنك احتياط الأسود، وليعيش عقدا كاملا من الزمن كوابيس مفزعة لم يجد لها تفسيرا في كل كتب تفسير الأحلام، بخصوص طبيعة الفيطو المشهر في حقه ولا الموانع التي تعيق عودته لتدريب المنتخب المغربي.

الزاكي قبل الفريق ليس هو الزاكي بعد الفريق الوطني، وهو قاسم مشترك لكل المدربين المغاربة الذين يمرر لهم أصحاب الحل والعقد هدايا مسمومة بإسم المكافأة، وفي واقع الأمر هي قنابل موقوتة الغاية منها أن يخرج مالكو مفاتيح الجامعة ليؤكدوا أمام الجميع فشل اسطوانة إسمها «الإطار الوطني» بعد أن يضعوهم تباعا في السلخانة ويراقبوا مشهد نهش جلدهم بمكر كبير.