رفعنا الأسود المحليون إلى عنان السماء حتى مشينا معهم فوق السحاب وهم ينهون جولة أولى أكثر من مثالية متقدمين بثلاثية نظيفة على منتخب نيجيريا، ثم أنزلونا سريعا إلى سفوح المذلة والهوان وهم ينهارون بشكل مريع في جولة ثانية كارثية، ليسمحوا لنسور ظنناها قد ذبحت من الوريد بأن تحلق عاليا لتنهش فينا العظم واللحم، لتجهز على الحلم ولتنشر في المدى الحزن والهم.
صعب جدا أن نصدق هذا الذي حدث لهوله ولغرابته ولقوة الصدمة التي حدث بها، حتى أنه يصعب مساءلة النفس عن مسببات هذا السقوط الكارثي.
هل بعنا جلد نسور نيجيريا قبل قتلها؟
هل أدينا غاليا ثمن الهشاشة والسذاجة وهواية التكوين والتدبير؟
هل لدغنا من نفس جحر الضعف التكتيكي والضعف البنيوي؟
هل كنا فاقدي القدرة على مجاراة كرة المستوى العالي؟
هل الخروج بمثل هذه الصورة المستفزة للمشاعر كان بخطإ المدرب حسن بنعبيشة أم بأخطاء اللاعبين أم بخطإ المنظومة الكروية؟
وهل يمكن القول أن سقوط المنتخب المحلي بالشكل الذي كان عليه أمام نيجيريا هو صورة من بطولتنا التي تعيش طفولة إحترافية عسيرة؟
هي أسئلة لو أجبنا عنها الواحدة منزوعة عن الأخرى أو أجبنا عليها مجتمعة ليقيننا أنها تتصل ببعضها، لانتهينا لنفس الإجابات ولذات الخلاصات التي تعترف ضمنيا أن لنا تأخرا كبيرا عن الزمن الكروي الإفريقي الحديث، تأخر في كل المجالات المرتبطة ببناء المنظومة الكروية التي تستطيع مقارعة صنواتها قاريا قبل الإنطلاق نحو العالمية، فمن يقف على حقيقة تحضيرنا للشان وكيف نهضنا في وقت متأخر جدا من سبات عميق نصنع القرارات على عجل بدون أدنى وازع إحترافي، ومن يستقرئ الظروف الكارثية التي رافقت وصول هذا المنتخب المطبوخ على نار الفتنة إلى جنوب إفريقيا، ومن يتبين المناخ المتعفن الذي إخترنا لهذا السبب أو ذاك أن تعيش فيه كرة القدم الوطنية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصدم للمآل الحزين وحتى للخروج المرتبك من الدور الربع النهائي لبطولة محجوزة للاعبين يمارسون في بطولات وطنية لا تكلف ماديا ما تكلفه بطولتنا.
كان المستفز والكارثي في الإقصاء من دور الربع هو أن يكون بتلك الطريقة البديئة التي تفضح المحدودية البدنية والذهنية ثم التكتيكية لفريق بكامله، حتى لا أفصل اللاعبين عن مدربهم وحتى لا أفصل الفريق عن مناخه وبيئته الكروية، فقد كنا نظن ومنتخب المحليين يتخلص من الدور الأول بأعجوبة ويقفز على مثبطات بنيوية كثيرة أهمها ضعف التحضير، أنه سيمضى حثيثا في تحصين نفسه وفي التعبير عن مقدراته الجماعية، وبرغم ما توقعته مثل الكثيرين من صعوبة في تدبير مباراة حاسمة في الدور ربع النهائي أمام منتخب نيجيري قدم نفسه بصورة الفريق القوي وهو يهزم في ثالث جولات الدور الأول منتخب جنوب إفريقيا مستضيف البطولة ليرمي به في مستنقع الإقصاء، برغم ما أبرزه منتخب نيجيريا مع مدربه ستيفان كيشي من شراسة في التعاطي مع المباريات، إلا أنني شخصيا ما كنت أتصور أن يقدم فريقنا الوطني جولة أولى حالمة يتقدم فيها بثلاثة أهداف ثم يردفها بجولة ثانية كارثية يخرج منها صفر اليدين، هو من ظننا أنه أمسك بالنجوم وما عاد ممكنا أن يخرج من المولد مقصيا ومهانا.
مؤكد أن أخطاء كثيرة أرتكبت على أكثر من صعيد، أخطاء هي من وحي اللحظة وأخطاء هي من فعل الهشاشة التكيكية وأخطاء يبررها العجز الجماعي عن تدبير الجولة الثانية وأخطاء أوقعنا فيها ما كان يوجد من إختلافات جوهرية بيننا وبين النيجيريين، بين لاعبين مغاربة ساذجين، عاقبتهم المباراة على رعونتهم بأن طيرت التأهل من بين أيديهم وطيرت النوم من عيوننا، وبين لاعبين نيجيريين ما همهم أن يتأخروا بثلاثة أهداف فآمنوا بقدراتهم ونالوا ما كانوا يستحقونه، بين مدرب مغربي ضاقت عليه المباراة وقد رحبت في الجولة الأولى حتى أفقدته القدرة على تحصين المنظومة التكتيكية ضد كل أشكال الإنهيار وبين مدرب نيجيري خبر كرة قدم المستوى العالي وكان يعرف أن في الفريق الخصم نقاط ضعف كثيرة منها ما يتصل بالضعف التقني وما يتصل بالضعف التكتيكي فاستغلها على أحسن وجه فاستحق على ذلك لقب الجسارة والشجاعة.
وطبعا من يكون معرضا لارتكاب كل هذه الأخطاء التي ذكرتها والتي لم أذكرها لأنها كانت بأعداد كبيرة ومرعبة، فإنه لا يستحق أن يفوز ولا يستحق أن نبكي كثيرا على إقصائه ولا يستحق أن نمضي الساعات الطوال نبحث له عن عبارات المواساة وعن أشجار الأعذار لنخفي عوراته التقنية والتكتيكية.
قال «الشان» كلمته، فنحن في مرحلة تقتضي التعبئة الجماعية للقطع مع كل مسببات الفشل الذي أصبح لازمة للعمل الرياضي المغربي، القطع الذي يكون بالتوجه رأسا إلى قاعدة وعمق الهرم لنشتغل عليه بمقاربات علمية تحدد جيدا جوانب القصور في تكوين لاعبينا، القطع الذي يكون بتحرير المشهد الكروي من فكر سوداوي أصبح رهينة لديه منذ سنوات والقطع الذي لا يسمح أبدا بأن يتهيأ منتخب وطني يحمل آمال وأحلام شعب بكامله لاستحقاق قاري بالصورة التي كان عليها التحضير للشان.
غير هذا سنستمر إلى ما لا نهاية في تشييد صروح تبنيها إرادات وسواعد الشباب ولكنها تهوى بمعاول الفساد ورعونة التدبير.
بدر الدين الإدريسي