كان المغاربة وأعضاء اللجنة المحلية المنظمة لكأس العالم للأندية يتمنون لو كان أحد القطبين برشلونة أو ريال مدريد هو من توج بطلا لأبطال أندية أوروبا، فقد كان الأمر سيضمن للنسخة العاشرة نجاحا جماهيريا منقطع النظير، لما للريال والبارصا من قاعدة جماهيرية واسعة ولما لهما معا من ملايين المناصرين هنا في المغرب، وقد عض أكثرنا على العناب أسفا والمطحنة الألمانية تدور دورة مدوية، لتفرم البارصا والريال وتحرم كأس العالم للأندية من نقطة اجتذاب كبيرة.

كان لا بد إذن من أن يتحفز المغاربة ملكا وحكومة وشعبا لتحميل هذا الحدث الكروي العالمي كل الدلالات والرسائل الممكنة للتأشير أولا على القدرات الخارقة للمغرب وللتدليل ثانيا على حجم الإبداع الرياضي والكروي المكتسب بالطبيعة وبالموروث  للمغاربة، وللبرهنة ثالثا على أن المغرب لم يكن في مطاردته لحلم تنظيم كأس العالم للمنتخبات وجرأته في تكسير الإحتكار الأورو أمريكي للحدث الكروي الكوني، لم يكن متبجحا أو محبا في الظهور على المسرح العالمي، وإنما كان إيمانا بالمقدرات ويقينا من أن المغرب إن إحتضن تظاهرة رياضية أيا كان حجمها أضفى عليها طابع الأسطورية.

تدفق المغاربة بالآلاف على مسارح العرض بأكادير ومراكش وحققوا للنسخة العاشرة لكأس العالم للأندية نجاحا لا يضاهى، بتحطيم الرقم القياسي في نسب المشاهدة العينية، إذ إقترب معدل الحضور في المباراة الواحدة من 34.000 متفرج، ومع الإحتفالية الرائعة التي صممتها الجماهير المغربية في المدرجات واستحقت عليها الثناء الكبير من جوزيف بلاتير رئيس الفيفا، تحفز اللاعبون فأبدعوا مباريات كبيرة بمضامين تكتيكية غنية إنعكست على معدلات التهديف، فجعلت المباريات السبع تشهد تسجيل 28 هدفا بمعدل أربعة أهداف في المباراة الواحدة.

ADVERTISEMENTS

وجاوز الرجاء المدى وسقف الإنتظارات، هو من ليس كالآخرين بطلا قاريا وإنما حاصل على بطاقة دعوة، فألهب البطولة وهو يحلق بالعالم كله إلى سماء الدهشة عندما عبر إلى المباراة النهائية متخطيا بطل أوقيانوسيا وبطلي القارتين الأمريكيتين اللتين يقال أنهما مستودع السحر الكروي، وكان من موجبات هذا التحليق الأسطوري والخرافي للنسور الخضر أن أثنى رجال الفيفا على الرجاء، وأن أعاد نسور الرجاء الكرة المغربية إلى سطح العالم هي التي عاشت زمنا طويلا في كهوف الإخفاق والخيبات المظلمة.

ولأن الملحمة كان لا بد لها من خاتمة جميلة ومخملية تخلدها في سجل التاريخ أولا ثم تجعلها حديث العالم بمضمونها الخرافي وبطابعها المغربي ثانيا، فقد جاء تشريف صاحب الجلالة الملك محمد السادس مرفوقا بولي العهد المصون الأمير مولاي الحسن وبالصنو السعيد الأمير مولاي رشيد للمباراة النهائية، ليضفي على الحدث رونقا كبيرا وليبعث بالكثير من الرسائل إلى صناع القرار داخل الإتحاد الدولي لكرة القدم والذين كان أكثرهم تأثيرا حاضرين بالملعب الكبير لمراكش، أولى هذه الرسائل أن المغرب الذي إستضاف حدث كأس العالم للأندية بملعبي أكادير ومراكش أتبث لمن يهمهم الأمر أنه يفي بكل العهود التي يقطعها على نفسه، فها هي الملاعب الثلاثة التي تعهد ببنائها بمدن طنجة، مراكش وأكادير عند حملة ترشيحه لإستضافة كأس العالم 2010 قد أنجزت باحترام كامل للمواصفات العالمية الدقيقة المنصوص عليها في دفاتر التحملات، وها هو الشغف الذي تحدثت عنه حملات الترشيح قد تجسد بأورع صورة وكأس العالم للأندية تشهد إقبالا قياسيا وغير مسبوق على المباريات ومسارح العرض تبرز كل مظاهر الإحتفال التي تصدرها كرة القدم إلى من يعشقها.

ثاني هذه الرسائل إستهدفت جوزيف بلاتير رئيس الفيفا وفرانز بكنباور الذي قاد، وكلنا يذكر ذلك حملة ترشيح ألمانيا لاستضافة كأس العالم لسنة 2006 والتي شهدت تواطؤا ذهبت ضحيته جنوب إفريقيا، أراد بيكنباور نفسه التكفير عما سمي وقتها بالخطيئة، فتجند وكل أتباعه للإنتصار للملف الجنوب إفريقي لاستضافة مونديال 2010 برغم أن الملف المغربي وقتها وقد تم تقديمه بأفضل صورة ممكنة ودعم من أصدقاء المغرب الكثر، حظي بتعاطف واسع.

مؤكد أن بلاتير وفرانز بيكنباور الذي رافق باييرن إلى المغرب وكل الرؤوس الكبيرة التي تدير الفيفا وتعتبر صانعة للقرارات الكبرى، وقفوا من خلال النجاحات الكبيرة بل والأسطورية للحدث المونديالي، على أن المغرب ظلم بشكل أو بآخر عندما لم يمنح شرف تنظيم كأس العالم هو من كانت له الجسارة ليرفع صوت المقصيين من تنظيم هذا الحدث الكوني، وتأكدوا من خلال كل الذي شاهدوه مجسدا بملعب مراكش الكبير والبهاء الذي نشره الحضور الملكي في ساحة الإحتفال والستارة تسدل على مونديال الأندية، على أن هذا المغرب بملكه وشعبه وإرثه الكروي الكبير يستحق فعلا أن يمنح سنة 2026 شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم بكل ضمانات النجاح الرياضي والفني والجماهيري.

...........................................................................

ADVERTISEMENTS

كنا كرياضيين نمني النفس بأن نشاهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس يشرف الأحداث الكروية الكبيرة بحضوره وهو من كان سخيا مع الرياضة الوطنية بالدعم والتحفيز والنقد، فقد كانت آخر مرة تشرفت بطلعته البهية ملاعب كرة القدم يوم سادس يونيو من سنة 2000 عندما ترأس المباراة النهائية لنيل كأس الحسن الثاني الدولية التي جمعت بمركب محمد الخامس بالدارالبيضاء المنتخب المغربي ونظيره الفرنسي وانتهت بفوز ساحق للمنتخب الفرنسي بحصة خمسة أهداف لواحد، لذلك تملكتنا سعادة غامرة نحن من تابعنا المباراة بملعب مراكش الكبير وعبر الشاشات في المغرب وعبر ربوع العالم ونحن نشاهد جلالة الملك محمد السادس يشرف نهائي كأس العالم للأندية، حضور لا أتفق مع من قال أنه أنهى حالة خصام ملكي مع كرة القدم الوطنية منتخبات وأندية، لأن جلالة الملك ما خاصم يوما وما بخل منذ إعتلائه العرش بأي دعم من أي جنس على كرة القدم معشوقة المغاربة والرياضة بشكل أعم، فقد كان يكافئ إجتهاداتها ويحفزها على البذل والعطاء وكان يقويها بالنقد الصريح والمباشر، كما كان الحال عندما وجه جلالته رسالته التاريخية للمناظرة الوطنية حول الرياضة سنة 2008.

لقد حضر صاحب الجلالة الملك محمد السادس مرفوقا بوارث سره مولاي الحسن وبشقيقه مولاي رشيد ليثني على الرجاء لاعبين ومدربين ومسيرين وجماهير وليهبهم لحظة التقدير التي إستحقوها أمام مرأى من العالم بعد الذي أنجزوهم من ملاحم كروية أعلت رؤوس المغاربة وشرفت العرب والأفارقة، لعل ذلك يكون حافزا لكل مكونات كرة القدم الوطنية لتتوجه بالعمل البناء وبالتعبير الحقيقي عن الإرادات إلى تحقيق ما ينتظره منها ملك البلاد وما يسعد ويتباهى به كل المغاربة.