لن نختلف أبدا على أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وهي تلتزم بعهد قطعته على نفسها من خلال رئيسها فوزي لقجع، بإخضاع مباريات البطولة الإحترافية لتقنية الفيديو لتحقيق أكبر قدر من العدالة والنزاهة عند إدارة المباريات، وتجنيب المشهد الكروي حالات كثيرة من الجدل واللغط والإحتقان، بسبب أخطاء تقديرية ترتكب من الحكام، وأحيانا يظلمون برميهم بتهمة اقتراف الخطإ العمد.
لن نختلف على أن الجامعة في كل الذي وعدت به، ترصد ما قدر لها من إمكانيات مالية ولوجيتسة لتفي بالوعد، وقد أنفقت من الزمن ومن المال في تأهيل كرة القدم الوطنية بملاعبها لتكون تحت رادار «الڤار»، ما لا يمكن التقليل من أهميته وحجمه، فقد أصبح المغرب مرجعا في قارته الإفريقية بسرعة تنزيله لكل ما تأتي به "الفيفا" للإرتقاء بكرة القدم، ولن نختلف أيضا، على أن حدة الإحتجاج على الحكام تراجعت بشكل كبير منذ أن شرع في تطبيق هذه التقنية على مباريات البطولة الإحترافية، إلا أن القول بأن «الڤار» يمكنه أن يصلح دوما ما يفسده الحكام بسبب رعونة أو عدم قدرة على الإجتهاد، وأن هذه التقنية تطبق عندنا من دون أي تشوهات، فهذا أمر لا تقبل به الوقائع التي نرصدها في غالبية مباريات البطولة الإحترافية الأولى، بخاصة تلك التي تجري منذ عودة المباريات.
لا أريد أن أخصص الحديث عن مباريات بعينها، لطالما أن عيون مديرية التحكيم قد رصدت جل الحالات التي سأتحدث عنها، ولكنني أفضل أن أتحدث عن ملاحظات عامة هي بمثابة تشوه شكلي لا يمكن السكوت عليه.
أول هذه الملاحظات، المدد الزمنية التي يستغرقها التشاور بين حكام الساحة وحكام غرف الفيديو بشأن حالات مثيرة للشك، وهي مدد طويلة نسبية بعضها يذهب إلى 3 دقائق كاملة، ولو فرضنا أن بالمباراة الواحدة 5 حالات مثيرة للشك وتستدعي المعاينة والتدقيق، وتطلبت كل منها 3 دقائق، لاستنزف ذلك 15 دقيقة من زمن المباراة، صحيح أن الوقت الذي ينفقه الحكام في مراجعة القرارات يتم احتسابه في مجموع الوقت بدل الضائع، إلا أن هذه التوقفات الطويلة نسبيا تضرب الإيقاع وتصيب بالملل، بل إنها تربك أحيانا حكام الساحة أنفسهم، وأعتقد أن هناك حاجة ماسة لأن تبحث مديرية التحكيم هذا الأمر وتحاول التنبيه إلى ضرورة تقليص مدد التشاور والتدقيق وحتى الحوار بين الحكم وغرفة «الڤار».
ثاني الملاحظات، هي أن حكم «الڤار» قد ينادي على حكم الساحة للتدقيق في حالة من الحالات، وعندما يقوم حكم المباراة بمعاينتها تحت الإلحاح لا يأخذ بها، وبالتالي يظل ثابتا على قراراه الأول، وقد تكررت هذه الحالة مثلا ثلاث مرات في مباراة كان فيها حكم الساحة وحكم «الڤار»، حكمين برتبة الدولية، وبالعودة لبروطوكول «الڤار» كما تم وضعه من البورد، فإن التمييز يحصل في كنه المواد المرتبطة بحدود تدخلات «الڤار» بين القرارات البينية أو اليقينية وبين القرارات الذاتية، والحال أن بعض حكام «الڤار» وهم أصلا حكام ساحة، غالبا ما يسقطون ذواتهم على المعاينة، فيطلب حكم المباراة إلى معاينة لقطة كان من الممكن أن يأخذ هو بشأنها قرارا، بينما وظيفته بالأساس تكمن في معاينة أي لقطة مشكوك فيها، وبعد التيقن منها يطلب حكم المباراة إلى مراجعتها.
ولست أدري لماذا أصرت مديرية التحكيم على أن يكون كل حكام «الڤار» الحاليين، حكاما ممارسين وليس متقاعدين، علما بأن قاعدة الجودة في مشهدنا التحكيمي غير متسعة، صحيح أن مديرية التحكيم طبقت حرفيا ما نص عليه دفتر التحملات الصادر عن الفيفا كشرط للحصول على رخصة تطبيق تقنية الفيديو، إلا أن باب الإجتهاد لم يغلق بالمرة، فلو فكرت الجامعة في تأهيل الحكام الذين تقاعدوا للتو ليكونوا حكاما ل«الڤار» وهي الوظيفة التي تتطلب ما هم أصلا متمتعون به من خبرة في رصد الحالات ومن تجربة في الحدس والتوقع، فإن "الفيفا" قد لا تبدي اعتراضا على ذلك.
ثالث الملاحظات، هي أن تقنية الفيديو تساعد على كشف العديد من الأخطاء التي لا تقدر أعين حكام الساحة على جردها، وأبرزها الوضعيات التي تسجل منها الأهداف، والحال أن التطبيق الجيد للتقنية في رصد صحة تموقع اللاعبين عند تسجيل الأهداف، يتطلب وجود تقنية الخط التي تساعد على الفصل في صحة أو عدم صحة تموضع الموقعين للأهداف، وأبدا لا يساعد غياب هذه الآلية على الحسم في قانونية كثير من الأهداف، بخاصة تلك التي يجب أن ترصدها الكاميرات التقنية المستعملة لهذه الغاية وليس كاميرات النقل التلفزي.
نعرف أن هامش تطور استعمال تقنية الفيديو بملاعبنا ما زال كبيرا وكثيره رهين بتوفير مزيد من العتاد التقني، إلا أن ما يحدث عندنا منذ الشروع في تطبيق «الڤار» يقول بأننا تخلصنا من كثير من الوساوس والهواجس وهذا وحده يريحنا..