على مضض دخلت ما يسمي حينا بالعالم الأزرق، وحينا آخر بالعالم الإفتراضي أو بمواقع التواصل الإجتماعي، ليس لأنني نافر من أي أسلوب يستحدث للتواصل مع المتلقي، وليس لأنني مهاجر عن سبق إصرار إلى منفاي الصغير الذي لا شيء فيه يسوس العقل، ولا شيء فيه يوسوس الضمير، ولا شيء فيه يشغل الفكر بتوافه الأمور، ولكن لأنني توجست من منزلقات كثيرة، خفت أن تحيد بي عن القناعات المهنية والأخلاقية التي عليها نشأت وتربيت.
بالطبع لم أر يوما سببا يجعلني أبادل حب وتقدير قراء «المنتخب» بالصدود والعزوف عن قراءة ما يأتون به من تقويم وتقييم، وما يبدونه من ملاحظات ومن أراء، أشهد أنني أكبرت كثيرا منها، وأشهد أنني تمنعت وتحصنت ببعضها، لرقي المضمون وجمالية الصياغة وعمق المحتوى، فما سعدت بشيء أكثر ما سعدت بقارئ يكتب إما محفزا لمواصلة المسير الإعلامي، وإما منبها بوجود مطبات تحريرية قد تخرجنا عن الخط التحريري الذي جعلناه في «المنتخب» ميثاق عهد بيننا وبين قرائنا منذ 34 سنة.
ولا أرى اليوم مجالا للقول بأنني كرئيس لتحرير جريدة «المنتخب» لا ألقي بالا لما يوجهه قراؤنا من تعليقات وتغريدات وملاحظات بخصوص ما ينشر، فأنا أحصل يوميا على ملخص لكل هذه الردود التي تستهدف بالنقد والملاحظة كل ما تنتجه «المنتخب» إعلاميا من خلال منصاتها المتعددة، تفاعلا مع ما أتى به الإعلام الجديد من واجهات للتخاطب الإعلامي مع قراء فعليين وليس مع قراء افتراضيين، ف«المنتخب» بقوة السنوات التي قضتها مؤثرة وفاعلة في المشهد الإعلامي الوطني والقاري والعربي، تملك لكل قرائها صورة مرتسمة في مخيال كل إعلامييها، وتوصيفا دقيقا لنوعية الإعلام الذي يريده قراؤها، إعلام لا يتخندق، إعلام لا يساوم وإعلام لا يبيع حب وثقة قارئه حتى لو كانت به خصاصة، والدليل الأنصع على أن «المنتخب» أخلصت وتخلص دائما لقرائها، أنها وجائحة كورونا تقفل الملاعب وتطفئ أضواء المباريات وتوصد الأكشاك وتعلق الإصدار الورقي وتسحب كل الإعلانات، رفضت أن تتخلى عن قارئها، فأعطته نسخة إلكترونية إنتظمت في الصدور كل إثنين وخميس وطرحتها مجانا على موقعها الإلكتروني.
وكما أنني من موقعي كقيم على الثوابت المهنية والتحريرية لمؤسسة «المنتخب» بكل أطيافها الإعلامية، حريص على قراءة كل التغريدات وردود الفعل حيال مواضيع بعينها، فإنني بالقدر الذي لا يتملكني جنون العظمة وقراؤنا الذين يشعرون بمقدار معاناتنا وكم نزيفنا، يكتبون فينا شعرا وينظمون غزلا في «المنتخب» الصرح الإعلامي الفخور بمغربيته، لا أتبرم ولا أتضايق من الردود العنيفة التي وجد أصحابها في يسر التواصل مع المؤسسات الصحفية، سبيلا لتفريغ شحنات من الغضب الذي نفهم بعضه ولا نقبل بكثيره، فكما أنني على يقين من أننا في «المنتخب» لن نبلغ الكمال مهما فعلنا، وأننا نتفهم مصدر الإلتياع ونقدر كم الضيق المركوم في الصدور من بعض الذي يقرؤنه ولا يميل لهواهم، فإنني أرفض كليا ما يذهب إليه البعض من تفييء ومن تصنيف متعسف ومن ظن آثم، وأحيانا من تقديح مجاني يقوم على حكم قيمة باطل، تماما كما أنني لا أعير اهتماما لكل كتابة محمولة على الحقد، ولكل تغريدة نبتت من مستنقع الكراهية، ولكل نفس أمارة بالتشهير الذي يعاقب عليه القانون.
كانت «المنتخب» دوما فخورة بقرائها الذين تعرف لهم أصلا وثقافة وحصانة، وأبدا لن تتزحزح عن الميثاق المهني والأخلاقي الذي كان من البداية شريعة لتعاقد أبدي لم يخل به قارؤنا ولم نخل به نحن، وسنظل دائما في الإستماع لنبض قرائنا بكل ما تتيحه لنا المواقع التواصل الإجتماعي من منصات، فهم الأصل في كل شيء، وما دونهم لا ينفعنا، وكل من داهمه هاجس أو استبد به وسواس من أن «المنتخب» حادت عن طريقها، سيوقن اليوم وغدا أن «المنتخب» كالجبال لا يهزها ريح المنفعة وإن ضاقت بها السبل أو أصابتها قلة الحيلة وقصر اليد..
تلك رسالة موجهة إلى قرائنا، بالصدق الذي عرفتموه عني كتبتها، فأبدا لم ولن نتخلى عنكم..