وهل كان يخامر أحد شك، حتى الذين ما فتئوا يضرمون نار الفتنة، في أن المغرب سيمنح إفريقيا كأسًا أممية لكرة القدم داخل القاعة، فائقة الجمال وبمستوى غير مسبوق في التنظيم؟
ما شاهدناه جميعًا، والعيون حاضرة إقاليمنا الجنوبية، تبدع في تصميم النسخة السادسة لمونديال إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة، يزيدنا ويزيد الأفارقة اقتناعًا بل ويقينا، أن المغرب ماض في تجسيد تعهده بأن يجعل من تنمية القارة الإفريقية، ومن انبعاث الأمل في ساكنتها، رهانا قوميا لا يقبل لا بالمساومات ولا بالتجاذبات السياسية ولا بالأطماع المناسباتية، وأن أفريقيا بشكل عام توجد في صلب مشروعنا التنموي الجديد.
بالطبع لم تنل التحرشات ولا الإندلاقات التي يتفنن أعداء وحدتنا السياسية في حياكتها للتشويش على المغرب، بل لم تنل تلك الهرطقات، من عزيمة أبنائنا بالعيون ولم تثنهم عن صناعة الحدث، بتعبئة كل القوى الحية وكل الملكات الإبداعية والموروث الإنساني والثقافي لأبناء الصحراء المغربية، لإخراج النسخة السادسة لبطولة إفريقيا للأمم لكرة الصالات بالشكل الذي أرضى الكونفدرالية الإفريقية، وجدد اقتناعها بوفاء المغرب بتعهداته اتجاه كرة القدم الإفريقية، وبالزخم العاطفي والوجداني الذي انطبع في خلد كل المنتخبات المشاركة.
ليس هذا فقط، بل إن بهاء ونقاء الصورة التي صدرتها مدينة العيون عن نفسها، باحتضانها ضدا على غطرسة الحاقدين لمونديال إفريقيا للفوت صال، أضاف لانتصارات المغرب الديبلوماسية والسياسية، انتصارا جديدا، فالتنظيم النموذجي والمثالي للبطولة القارية على أرض العيون المباركة، لم يحبط فقط الفتنة التي أوقدها أعداء وحدتنا الترابية، بل إنه عزز اقتناع العالم كله بأن العيون آمنة في مغربها كما المغرب آمن في صحرائه.
وكم كان رائعًا أن يتوج هذا الإنتصار السياسي والديبلوماسي للمغرب، بتتويج أسود القاعة باللقب الإفريقي بالعلامة الكاملة للإستحقاق والإبهار، بعد مسار بطولي أنهاه المنتخب المغربي لكرة الصالات، بفوز قوي على منتخب مصر، الذي كان يملك السيادة إفريقيا على كرة القاعة، قبل أن ينتزعها منه أسود الأطلس وهم يتوجون بكأس إفريقيا للأمم للمرة الثانية تواليا، وكما تهنأ العيون والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على تنظيمها المحكم لكأس إفريقيا للأمم لكرة الصالات، التنظيم الذي لا يبقي هامشا للشك، في قدرات بلادنا على تنظيم كبريات البطولات الإفريقية والعربية والعالمية، فإن منتخبنا لكرة القدم داخل القاعة يهنأ بمدربه هشام الدكيك وبكل أسوده بلا استثناء، وبكافة أطقمه التقنية والطبية والإدارية، على كسبه الرهان، بالبقاء لسنتين أخريين على قمة كرة القدم داخل القاعة بإفريقيا، وبالحضور الثالث له تواليًا في كأس العالم لكرة الصالات، وأيضا بكونه المنتخب الوحيد، بين كل منتخباتنا الوطنية لكرة القدم بجميع فئاتها العمرية، الذي تمكن من التتويج مرتين بلقب قاري.
ولأن هذا التتويج الرائع يلقي على الجامعة مسؤوليات جديدة، أهمها التحضير الجيد للمونديال القادم بليثوانيا السنة الحالية، بهدف تحقيق مسار أفضل بكثير مما كان عليه الحال في النسختين السالفتين 2012 بالتايلاتد و2016 بكولومبيا، والتفكير من الآن في النسخة السابعة لكأس إفريقيا للأمم داخل القاعة، بهدف الإبقاء على التاج الإفريقي، فإن هناك حاجة لتحويل هذا الإنجاز التاريخي والكبير إلى إرث مستدام، والقصد هو أن تصبح كرة القدم داخل القاعة في صدارة أولويات المشروع التقني الجديد الذي عهد للويلزي أوشيان روبيرت، بإعداده وهو على رأس الإدارة التقنية الوطنية، وأن تكون كرة الصالات ضمن أولويات الجامعة والإدارة التقنية الوطنية، معناه أن نضع لتطوير وتنمية هذا الجنس من كرة القدم استراتيجية وطنية، تبدأ من تجهيز القاعات ذات المواصفات والمعايير المنصوص عليها في قانون اللعبة، وتمر عبر تبني سياسة للتكوين بمختلف أجناسه ومستوياته، وتنتهي بالرفع من قيمة البطولة الوطنية، ولماذا لا التشجيع على احتراف أنديتها والرفع من مستويات تسويقها تلفزيا وإعلاميا، لتذر عليها العوائد المالية والرياضية، المساعدة على بلوغ المستويات العالية، التي وصلتها دول أوروبية وفي مقدمتها جارتنا إسبانيا، ولا حاجة لأن أكرر ما ذهب إليه كثير من التقنيين، من أن تطوير كرة القدم داخل القاعة، من شأنه أن ينعكس إيجابًا على كرة قدم الملاعب الكبرى بخاصة من النواحي التقنية والتكتيكية.
نفرح مع أسود القاعة بتتويجهم القاري، شيء ضروري، ولكن لا مجال لإطالة زمن الفرح ولا مجال للنوم في العسل، فالبقاء في القمة والحلم بمونديال أجمل من سابقيه وتنمية كرة القدم داخل القاعة لاستدامة الإرث، لا يكون إلا بالعمل..