<< شخصيا كنت متوجسا من السفر المقلق للرجاء إلى كينشاسا لملاقاة فيتا كلوب، ليس لأنني لم أكن أثق بقدرة النسور على التحليق مجددا في سماء الأبطال بعد السقطة المفاجئة والمؤلمة أمام الترجي التونسي، ولكن لأن ما كان يفصل الرجاء بعد الهزيمة أمام الأنصار في أول جولة لدور المجموعات، والسفر إلى الكونغو، مجرد أيام لا تكفي في العادة لاستشفاء اللاعبين ذهنيا، وأيضا لأن جمال السلامي الذي أدرك ما يوجد بالمنظومة الدفاعية من اختلالات، لم يحصل على متسع من الوقت للإشتغال على هذا المرفق الهام في صرح اللعب.
هذا التوجس انهار تماما وأنا أشاهد الشجاعة التي أبداها النسور في مواجهتهم لفيتا كلوب على أرضية ملعب الشهداء الصعبة والمعقدة، فما سحب الشك وهزم الخوف ووضعنا أمام الرجاء الذي كنا نتمنى مشاهدته أمام الترجي التونسي، هو شخصية الرجاء التي لا تقبل بالإنكسارات ولا تتأثر لمجرد حدوث كبوة، الشجاعة التي هي المقوم الأول للشخصية الرجاوية، هي ما جعل المنظومة الدفاعية للرجاء تخلو من كل العيوب التي شاهدناها في مباريات سابقة، فبرغم الغياب الإضطراري للعميد ولقائد الدفاع بدر بانون، فإن متوسط الدفاع المشكل من الشاكير والورفلي أظهر تناغما مثيرا للإعجاب، وبالرغم من أن أرضية الملعب فرضت على الرجاء أن يلعب ضدا عن طبيعته التكتيكية، إلا أن النسور الخضر أظهروا براعة كبيرة في الشق الدفاعي ليتمكنوا من الخروج لأول مرة بشباك نظيفة بعد انقضاء 5 مباريات استقبلت خلالها شباكهم 10 أهداف كاملة.
فوز الرجاء هو انبعاث جديد للحلم، وسيصبح لهذا الفوز قيمة كبيرة جدا، فيما لو حسم النسور قمتهم المغاربية هنا بالدار البيضاء أمام شبيبة القبائل الجزائري، في مجموعة ستكون بطاقتا التأهل فيها من نصيب فريقين من الفرق المغاربية الثلاثة.
<< هل ترك الوداد في مباراته أمام ماميلودي صن داونز الجنوب إفريقي، التي خرج منها متعادلا من دون أهداف، ما يمكن أن يقضم عليه الأصابع ندما أو ما يمكن أن يأسف عليه؟
بالقطع لا، فالوداد ولنكون موضوعيين، لم يقدم الأداء الجماعي الذي يشفع له التفوق نتيجة ورقما، على فريق جنوب إفريقي بات يعرفه كما يعرف خارطة أحلامه وملامح وجهه في مرآة القارة، بل سنجزم بأن الوداد، يمكن أن يكون سعيدا بالنقطة التي تحصل عليها مساء السبت بمركب محمد الخامس، صحيح أن تلك النقطة المرتجفة، لو أضيفت لنقطة البليدة أمام اتحاد العاصمة الجزائري لأعطتنا محصلة تكاد تكون هي الأسوأ للوداد في حضوره المنتظم منذ ستة مواسم في دور مجموعات عصبة الأبطال، إلا أن المباراة أمام صن داونز بمضمونها وبكافة تفاصيلها لم تقدم لنا الوداد الذي جعل من نفسه رقما صعبا في السباق نحو اللقب القاري في آخر ثلاثة مواسم.
لا أريد أن أجهز على زوران مانولوفيتش ولا أن أجزم بأنه لا يبدو البديل المثالي للتونسي فوزي البنزرتي، إلا أن ما كان في المباريات الثلاث الأخيرة، أمام الغريم الرجاء في ديربي العرب المجنون وأمام اتحاد العاصمة وصن دوانز برسم دور مجموعات عصبة الأبطال، يسائل وزران تحديدا عن متخيله التكتيكي، وعن المساحة التي يملكها للتعامل مع ترسانة بشرية راكمت الخبرة واستأثرت بالحضور الرسمي، ولكنها في مقابل ذلك جعلت الفريق يئن كلما اشتكى أحد أعضائه من عدوى الإصابات.
ما الذي يجعلنا اليوم نتحدث داخل الوداد، عن كوماندو بشري مقلص ومقصوص الجناح، بينما كنا نجمع قبل موسمين، بأن الترسانة البشرية للحمر هي الأغنى بين كل الأندية الوطنية، أساسيين وبدلاء؟
طبعا الأمر مرتبط بالتوظيف البشري، وبالقدرة على استخلاص ما بقي في مخزون لاعبين استنزفتهم كثرة الإلتزامات المحلية والقارية والعربية، ومرتبط أيضا بسياسة فريق، بنوعية الإنتدابات التي يقوم بها وبمدى نجاحه في جذب اللاعبين الذين يحتاجهم الفريق، والحال أن هناك تناقضا غريبا يطالعنا كلما أتينا لتحليل وتقييم الإنتدابات، فالوداد الذي ترك بنشرقي وأوناجم يرحلان عنه، نجح في التعاقد وطنيا مع عناصر جيدة، وأخص بالذكر هنا، يحيى جبران وبديع أووك وحتى العملود، إلا أنه فشل تماما في جلب لاعبين أجانب تكون لهم البصمة القوية في الأداء الجماعي، على غرار ما حصل سابقا مع الكونغولي فابريس أونداما والليبيري ويليام جيبور، فماذا جنى الوداد يا ترى من النيجيريين بابا توندي وأوكوشيكوو؟
ربما هي المرة الأولى التي أجدني فيها راضيا، بأن الوداد جنى نقطة غالية بميدانه، لأن ما شاهدته أعطاني الإنطباع على أن الوداد الذي يشكو من كثير من المعطلات بسبب الغيابات وبسبب الهبوط الحاد في مستوى بعض اللاعبين الحاسمين وبسبب غياب التوفيق عن المتغيرات التكتيكية والبشرية التي جاء بها زوران، كما أعطاني الإنطباع على أن هذا الماميلودي صن داونز سيختلف عن كل المرات التي صادف فيها الوداد في طريقه، لذلك يجب القول بأن الوداد الذي تتبقى له أربع مباريات، يجب أن يرتفع عن البداءات التكتيكية التي لازمته في مبارياته الثلاث الأخيرة، إن هو أراد أن يواصل رحلته الجميلة في مسار الأبطال.