قد نكون بلا مبالغة من أكثر الدول عالميا تشددا في فرض بعض العقوبات المثيرة والغريبة على لاعبي كرة القدم، والتي لا تزجر بقدر ما تزيد الإحتقان والوضع سوءا، خصوصا إذا ما تم التعامل بمنطق العاطفة والخوف والكيل بمكيالين، بغض البصر عن البعض وإلتماس العذر له، والتدقيق والتمحيص في البعض الآخر والنفخ في رماده.
 غير معقول بتاتا أن نستمر ونحن نقترب من سنة 2020 في جلد اللاعبين بإيقافهم عن الممارسة لست مباريات نافذة، وتكسير إيقاعهم في عز وطيس معارك الموسم، ونحكم عليهم بالعطالة المؤقتة والتشوه التنافسي، بتهم غير ثابتة أحيانا وعن غير سبق الإصرار والترصد، وحتى في غياب المدعِي والمُطالِب بالحق المدني.
 من منا لا يعشق الإنضباط والتعامل بحزم وصرامة مع أي سلوكات غير رياضية، ومن منا لا يسعى إلى تطوير الممارسة وتحسين واقع كرة القدم الوطنية، لكن بمثل العقوبات القاسية التي تصدر بين الفينة والأخرى بحق بعض اللاعبين على التحديد، لا يمكن إلا أن تساهم في عطب اللاعب أولا وناديه وجمهوره ثانيا، والمس حتى بالبطولة الإحترافية والفريق الوطني الذي يحمل قميصه المتهم، كما حدث في آخر حالة مع الودادي يحيى جبران.
أدعو قضاة لجنة الأخلاقيات بالجامعة الملكية لكرة القدم إلى تغيير قراءتها وخلفياتها وأحكامها بشأن الحالات المعروضة، فالقاضي الكسول هو من يطبق القانون حرفيا حتى في غياب الأدلة الدامغة، والمجتهد من يتعامل مع الوقائع بذكاء وحزم سلس، يجعله لا يتسرع ولا يخضع للضغوطات، ولا يميز بين هذا اللون وذاك، ليصدر في النهاية الحكم الرادع والمناسب، بعيدا عن القاعدة الكلاسيكية الخاطئة التي تقول: لا إجتهاد مع النص القانوني.
 على الساهرين على أخلاق مسؤولينا ومدربينا ولاعبينا أن ينظروا للأحكام التي تصدرها اللجان المختصة في دول رائدة أوروبيا كإنجلترا وإسبانيا وفرنسا، والتي تحرص أشد الحرص على صورتها اللامعة وإحترافية الممارسين داخل ملاعبها، وإحترام أسس اللعبة رياضيا وإنسانيا وأخلاقيا، ورغم ذلك لا تتجرأ على إيقاف المتهمين لسلسلة طويلة ومتتالية من المباريات النافذة، ولا تضطر للضرب بقوة وحرمان النادي من لاعبه لفترة غير قصيرة، إلا في حالات العود أو الإساءة التي لا تغتفر لأحد مكونات اللعبة.
 نجم مانشستير سيتي بيرناردو سيلفا عوقب مؤخرا من الإتحاد الإنجليزي بالغياب لمباراة واحدة وغرامة 50 ألف جنيه أسترليني والخضوع لدورة تعليمية، بسبب تهمة ثقيلة وثابتة تحاربها الفيفا والعالم أجمع وهي العنصرية، وقبله بشهور أدان الإتحاد الإسباني مهاجم أتليتيكو مدريد دييغو كوسطا بعقوبة الإيقاف لأربعة لقاءات، بعد هيجانه في وجه أحد الحكام وسبه وشتمه والبصق عليه، لتتضاعف المدة بعدها عقب ثبوت واقعة الإعتداء الجسدي على نفس الحكم، وهي التهمة التي يعاقب عليها الإسبان بأربعة أسابيع دون تباري، عكسنا نحن في المغرب حيث نسجن اللاعب رياضيا لستة أشهر أو سنة أو حتى مدى الحياة، إن تهجم أو إشتبك جسديا مع قاضي المباراة.
 الحرمان من اللعب لا يغير في الكثير من الأحيان سلوك اللاعب المتهور، وعقوبات الإبعاد لسلسلة من اللقاءات النافذة ليس حلا ولا زجرا، فالوقائع وطبيعة الإنسان المغربي خاصة والأجنبي عامة تثبت أن أكثر ما يردعه ويرعبه هو مس جيبه، وسحب الملايين من رصيده البنكي، وهنا سأقترح على اللجنة المركزية للتأديب أن تنقح بعض موادها لتصير العقوبات ثقيلة ومالية أكثر منها رياضية، وترفع من قيمة الغرامات دون تعاطف، وتعاقب مثلا على حالة البصق المقصود على الحكم ب 20 مليون أو 30 مليون سنتيم، وأتحدى بعدها إن إستمرت هذه السلوكات والإنفلاتات في ملاعبنا، فالمال هو السوط المثالي للردع والعقاب وجلد اللاعبين «الضّاسرين».