غادرت ألعاب القوى الوطنية بطولة العالم في نسختها 17 التي اختتمت أمس الأحد بالدوحة، مكتفية ببرونزية العداء سفيان البقالي، التي حققها في سباق 3000 متر موانع، بعد أن كان ذات العداء قد أهداها الميداليته الفضية الوحيدة التي جنتها ببطولة العالم لألعاب القوى في نسختها 16 بلندن قبل سنتين من الآن.
وفي مرآة النسخة 17 لبطولة العالم المنتهية بالدوحة، يمكننا أن نطالع التجاعيد التي طالت وجه ألعاب القوى الوطنية، ونقف رقميا على تراجع مؤشراتها في بورصة ألعاب القوي العالمية، بل وسنتوصل إلى حقيقة أدهى وأنكى، وهي أن من يتحدث عن بناء مستقبل قريب، ستصدمه حصيلة الدوحة بمعطيات تقول أن لا وجود لجيل جديد من العدائين يمكن أن يحقق في الآماد القريبة وحتى المتوسطة، ما وعدتنا به الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى وهي تفرج عن استراتيجية تقنية، قالت أنها مدروسة ومحصنة بالأرقام التي لا تخطئ وترفع سقف الإنتظارات.
ما كشفت عنه أرقام العداء سفيان البقالي في سباقات العصبة الماسية، وبالخصوص في بطولة العالم لألعاب القوى لسنة 2017 بلندن، حيث تحصل على الميدالية الفضية، كان يقول بأن أملنا الوحيد في اقتناص ميدالية بمونديال ألعاب القوى بالدوحة، هو سفيان البقالي ولو أن اكتفاءه بالبرونزية، يقول بأن هناك تراجعا للرجل الذي تنبأ له الكثيرون بقهر الأرمادا الكينية والأثيوبية، وطبعا بدرجة أقل علقنا بعض الآمال على العداءة رباب عرافي التي تسجل في سباقات العصبة الماسية أرقاما جيدة تحاكي بها كبريات العداءات العالميات في المسافات المتوسطة.
لقد كرست نسخة الدوحة الخط التنازلي الذي سارت فيه ألعاب القوى المغربية منذ قرابة 14 سنة، فخلال الدورات السبع التي أعقبت آخر حضور مميز لألعاب القوى الوطنية في دورة هيلسنكي 2005 (ذهبية جواد غريب في الماراتون وفضية عادل الكوش في سباق 1500م وفضية حسناء بنحسي في سباق 800م ورتبة عاشرة في جدول الميداليات)، كانت الحصيلة بئيسة وموجبة لمخطط إصلاحي ينقذ الرياضة الأكثر تتويجا بالذهب العالمي والأولمبي من الدمار الذي يصيبها، فمجموع ما حققته ألعاب القوى في الدورات السبع الأخيرة من أوساكا 2007 إلى الدوحة 2019، أربع ميداليات، لا ذهبية بينهم (فضيتان وبرونزيتان)، بل إن ألعاب القوى المغربية ستخرج خالية الوفاض من ثلاث نسخ متتاليات لبطولة العالم (2009 ببرلين و2011 بدايغو و2013 بموسكو).
ولمن يبيعوننا الوهم بالحديث عن جيل جديد من العدائين، يجري إعدادهم بطرق عليمة وبمقاربات حديثة في مجال التأطير العالي المستوى، فإن النسخة الأخيرة لبطولة العالم بالدوحة، لا تتحدث إطلاقا بلغة التفاؤل هاته، فباستثناء العداء سفيان البقالي الذي صعد إلى البوديوم متوجا ببرونزية 3000 متر موانع، ورباب عرافي التي صعدت لنهائيي 800م و1500متر، من دون أن تنجح في الوصول للبوديوم، سنجد أن الكثير من السباقات النهائية التي شهدت تألقا لافتا للعدائين المغاربة في سالف الدورات، خلت من عدائين مغاربة، وهو مؤشر خطير ومرعب، يقول بكل أمانة أن ألعاب القوى المغربية ستواصل سيرها في المنحنى التنازلي، وأبدا لن تتمكن من استعادة مكانتها كثالث قوة إفريقية على الساحة العالمية، إلا إذا حدث ما يستوجب ذلك، بلغة ومعايير الحكامة الجيدة.
إن القراءة المجردة التي تنأى بنفسها عن الأحكام القطعية والجاهزة، لحصاد بطولة العالم بالدوحة وأيضا لحصاد الألعاب الإفريقية الأخيرة والتي خرجت منها ألعاب القوى من دون أي ميدالية ذهبية، تقول أننا أمام وضع كارثي، لا يجب أن نبقى حياله متشبتين بوهم أن الجامعة تشتغل على العمق وعلى ما هو هيكلي واستراتيجي، فما أنفقناه من زمن ومن إمكانات لوجيستية ومالية على هذا المشروع الذي آمن به عبد السلام أحيزون منذ أن جاء لرئاسة جامعة ألعاب القوى، لا يمكن أبدا أن يبرر، ولا أن يفسر بشيء آخر، سوى أن هناك فشلا ذريعا على مستوى المقاربة التقنية، في مستوياتها الوطنية والجهوية والمحلية، فالإستراتيجيات التي وضعت والمدراء التقنيون المتعاقبون، كلهم فشلوا في بعث ألعاب القوى من مرقدها، فلا أحد يمكن أن يقنعني بأن المغرب الذي أعطى العالم أساطير في ألعاب القوى، من سعيد عويطة ونوال المتوكل إلى هشام الكروج مرورا بجود غريب ومولاي ابراهيم بوطبيب وخالد السكاح وصلاح حيسو ونزهة بدوان وحسناء بنحسي، لا يمكنه أن يعطي حتى نصف هؤلاء..
أبدا.. ألعاب القوى المغربية ما خارت قواها عالميا وأولمبيا، إلا لأن العقول التقنية التي جيء بها لم تستطع الحفاظ على الإرث، لأنها فاقدة للقدرة وللإبداع وللمعرفة العميقة بأسرار وكنه المستويات العالية.