القصة الكاملة لمباراة غيرت مجرى التاريخ

يوم عبر الأسود إلى الدور المونديالي الثاني

نيزك خيري وشعاع كريمو وشمس مغربية تشرق على وادي الحجارة

ADVERTISEMENTS

الحدث: نهائيات كأس العالم 1986

 الزمان: 11 يونيو 1986

المكان: كوادا لخارا بالمكسيك

شلكت دورة مكسيكو 86 عودة المونديال إلى أرض «الأزتيك» الأرض المكسيكية التي تعتبر فأل خير على كرة القدم المغربية ومنتخبها الوطني الذي زار البقاع بمناسبة دورة 1970 في رحلة الشرف التي دشنت حضور القارة السمراء في عكاظ كرة القدم العالمية، وأي حضور وأي تشريف!

نتذكر أن حضور المنتخب المغربي جاء كمسلسل إصلاحي إنطلق من سنة 1980 عندما تمكن أسود الأطلس بفريق جديد من إحراز النحاس الإفريقي بالعاصمة النيجيرية لاغوس، بعد ذلك جاء الإقلاع الذي دشن من خلاله زملاء الزاكي بادو مسارا كله تألق وأي تألق باعتبار أن الفوز على منتخب البرتغال والوصول لأول مرة للدور الثاني للمونديال المكسيكي يعتبر حدث ولا أروع.

لذا تعتبر مقابلة المغرب مع النظير البرتغالي حدثا يستحق الدخول إلى سلسلة المبارايات الأسطورية التي أشر عليها الطاقم التحريري للجريدة وأعطاها الأبعاد التي تستحق كعمل توثيقي يطمح إلى تأريخ اللحظات الكبرى لكرة القدم الوطنية.

 إدارة كرة القدم المغربية

يمكن إعتبار الإنجاز الرائع الذي حققته كرة القدم الوطنية خلال الفترة الممتدة من سنة 1980، حيث الفوز التاريخي بنحاسية كأس إفريقيا للأمم في الدورة النيجيرية، كان ثمرة عمل جاد وتخطيط محكم نابع من انتماء أصحاب القرار لعالم كرة القدم عكس ما نعيشه اليوم، وهو رد فعل على إنتكاسة وصدمة منيت بها كرتنا الوطنية ومنتخبها من خلال هزيمة مدوية بالدارالبيضاء أمام النظير الجزائري بحصة لا تنسى (5ـ1) والتي أقصتنا من أولمبياد موسكو 80.

جديد الكرة الوطنية جاء في سياق متغيرات همت الإعلان عن تنظيم المناظرة الوطنية حول كرة القدم المغربية لسنة 1979 والتي حظيت برئاسة الوزير الأول أنذاك المرحوم الأستاذ المعطي بوعبيد، وبمشاركة نخبة من الأطر من وزراء وموظفين سامين ومحتكين بالميدان الرياضي والكروي، نذكر منهم المرحوم إدريس البصري والمرحوم عبداللطيف العسكي، تلك اللجنة التي اتخذت قرار حل الجامعة وتشكيل لجنة مؤقتة عهد لها بتدبير الشأن الكروي والجامعي بدعم من الوزير عبد الحفيظ القادري تم عبد اللطيف السملالي الذي عوض القادري على رأس الوزارة سنة 1982 والمغرب يستعد لتنظيم متوسطيات الدارالبيضاء 1983، أما رئاسة اللجنة فتم إسنادها للإطار فضول بنزروال والذي دعم المكتب الجامعي بأطر من الوزارة لخوض غمار الإقصائيات المؤدية إلى نهائية كأس العالم 1986 بالمكسيك.

المهدي فاريا مدربا وناخبا

تم تعيين البرازيلي فاريا في سياق المعمول به من إزدواجية المهام في الجمع بين تدريب الفريق العسكري والمنتخب الوطني، فقد عشنا نفس الإزدواجية مع الإطار الإسباني باريناغا والإيطالي أنجيليلو والفرنسي كليزو واليوغسلاقي فيدينيتش، المحطة كانت سنة 1983 وعرفت بحكم أن فاريا عرف كيف يضع جسور التعامل مع كل اللاعبين الذين أجمعوا على كفاءته، لينطلق العد العكسي من خلال حضور جيد بأولمبياد لوس أنجلس 84 ثم كأس إفريقيا للأمم بالقاهرة سنة 86 وتأهل مستحق للمونديال (86).

كيف كسبنا ورقة العبور إلى المكسيك؟

لقد شكل حضور المنتخب الليبي في آخر محطة من الإقصائيات رفقة المغرب مفاجأة لم تكن متوقعة، حيث واجهنا النظير الليبي ذهابا وإيابا بالبيضاء وبنغاري وخطفنا منه التأهل في جولة الرباط التي انتهت بحصة 3ـ0 أما لقاء العودة بتاريخ 18 ـ 10ـ 85 فجاء لصالح الليبيين بحصة (1ـ0).

أما إنطلاقة هذه الإقصائيات فكانت يوم 30 يونيو 1984 بسيراليون حيث انتصرنا بحصة (1ـ0) تم بـ (4ـ0)، الضحية الثانية هو منتخب المالاوي الذي فزنا عليه بالرباط (2ـ0) وتعادلنا معه إيابا بـ (0ـ0)، والمرحلة الثانية كانت جد صعبة بحضور منتخب الفراعنة الذي فرضنا عليه التعادل بالقاهرة (0ـ0) وفزنا عليه بهدفي التيمومي وبودربالة بالدارالبيضاء (2ـ0)، وهكذا أنهينا مسيرة التأهل الثاني من نوعه إلى المونديال بتجاوز عقبة ليبيا.

عودة الشرعية إلى الجامعة وباموس رئيسا

جاء تعيين إدريس باموس رئيسا لجامعة كرة القدم بقرار ملكي حكيم بعد أن ضمن المنتخب الوطني مقعدا ضمن الذاهبين إلى مونديال مكسيكو 86، حيث ناب الأسود عن القارة السمراء رفقة المنتخب الجزائري.

قرار أعاد الشرعية لجامعة كرة القدم التي أدارتها لجنة إدارية منذ سنة 1979.. ومن لا يعرف العقيد باموس فقد كان عميد وقائد الفريق الوطني في مونديال المكسيك 1970..

المغرب في آخر محطة وآخر حقيقة

لن نتعجب من إنجاز أسود الأطلس وقد وقفوا في وجه منتخبين من أقوى ما تعرفه الساحة العالمية، أي إنجلترا وبولونيا محققين القفزة اللازمة التي فتحت باب التأهل، فلنا حارس عملاق وخط دفاع قوي ومتمرس ووسط ميدان غني بالتجربة الدولية وهجوم أكد حضوره بالطريقة وبالمردودية.

لذا فلا غرابة أن نكون أمام فرصة قد لا تتجدد ومنتخبنا الوطني يبحث عن ألوانه بعد تعادلين أمام بولونيا وإنجلترا ليصبح الفوز على البرتغال شرطا لتحقيق التأهل / المعجزة..

كيف إستفاد فاريا من التعليمات المولوية؟

الواضح أن اللاعب المغربي يملك من المؤهلات والمقومات ما يجعله في مستوى المسؤولية بشرط أن تتهيأ له الظروف ويحصل على ما يدعمه ماديا ونفسيا لتكبر لديه الثقة، هذا الحافز المعنوي تجسد في ما أقدم عليه المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني عندما هاتف الإطار المهدي فاريا ودعاه إلى إعطاء الجمهور المكسيكي والعالمي صورة حقيقية عن المنتخب المغربي الذي بإمكانه الدفاع عن عرينه واقتحام شباك الخصم بالأداء والطريقة، لذا اكتشفنا في مباراة البرتغال فريقا يلعب كرة سريعة، يهاجم ويدافع بنفس الكثلة البشرية أمام اندهاش الجميع، مما جعل النجم البرتغالي فوتري يطالب بالتغيير في الدقيقة 69 والمنتخب المغربي متفوق بثلاثة أهداف لصفر (3ـ0).

عرفنا إذن من أين تأكل الكتف البرتغالي باعتمادنا على خطة هجومية ذكية وسرعة في الأداء ومرتدات كاسحة أعطت أكلها، فبنظرة مركزة على الأحداث والطرق التي وصلنا بها مرمى الخصم نجد أن التعليمات التي أعطيت لوسط الميدان المغربي خاصة عزيز بودربالة هي أن تنتقل الكرة من الدفاع إلى الوسط تم الهجوم بأقل لمسات ممكنة، وهذا شيء جد صعب إذا علمنا أن الخصم يملك لاعبين لهم من المهارات والسرعة والتجربة ما يجعل الخطر محدقا في كل لحظة.

نتذكر بالنسبة للهدف الأول أنه جاء بعد عملية منسقة قادها الثنائي  بودربالة والحداوي، الذي سلم كرة ذهبية لعبد الرزاق خيري الذي وجد الوقت لإطلاق قذيفة من بعد 25 مترا تركت الحارس البرتغالي داماس بدون حركة وذلك في الدقيقة 19 من الشوط الأول، أما الهدف الثاني فكان بجمالية لوحة فنية، إذ بتمريرة من المدافع خليفة الكرة تجد قدم خيري الذي يسكنها شباك أتعس الحراس في هذا اليوم وكما يقال «من سماها لماها».

الهدف الثالث صنعه محمد التيمومي الذي وضع الكرة فوق طبق للإختصاصي كريمو.

إنتصار الفريق الوطني على النظير البرتغالي (3ـ1) سابقة في كرة القدم للبلدين، ونتيجة جعلت القارة السمراء محط إعجاب العالم، لتنطلق المسيرة الكروية للقارة السمراء بحضور الكامرون ونيجيريا والسنيغال وتونس وغانا وجنوب إفريقيا وكوت ديفوار ليبقى المغرب هو حامل المشعل.

زيارة الأسود للأزطيك برغم الهزيمة أمام الغول الألماني في دور الثمن النهائي سجلت في دفتر العزة والكرامة وكتاب التفوق، نتيجة ساهمت في إلتحاق أكبر عدد من اللاعبين بالإحتراف الأوروبي والعربي وعلى رأسهم الأسطورة الزاكي بادو الذي دخل سجل أحسن حراس العالم وانضم إلى مايوركا الإسباني، وأيضا التيمومي بدخوله منتخب العالم ضد منتخب أمريكا اللاتينية إلى جانب مارادونا في لقاء استعراضي بلوس أنجليس، كلها لحظات رائعة يذكرها التاريخ.. 

خالد الأبيض سفير من نوع خاص

عندما علم جلالة الملك بخبر عدم مرافقة بعض اللاعبين المرموقين لزملائهم إلى مونديال الأزتيك بداعي الإصابة وهم سعد دحان وعبدالسلام لغريسي وعبدالله هيدامو من الجيش الملكي وخالد الأبيض من الفتح وباديدي من النادي المكناسي أمر جلالته بإلحاقهم بالوفد المغربي مع تعليمات حملها للمدرب فاريا من خلال خالد الأبيض الذي قام بالدور أحسن قيام عندما رفض الإفصاح عن فحوى رسالة جلالة الملك للسيد الوزير عبد اللطيف السملالي الذي رافق الوفد.

 الورقة التقنية للمباراة الأسطورية

المغرب ـ البرتغال: 3ـ1

في 11 يونيو 1986

نهائيات كأس العالم 1986

الملعب: 3 مارس بغوادا لاخارا 

الحكام: آلان سنودي (إنجلترا)

الأهداف: عبد الرزاق خيري (د19 ود 27) كريمو (د62) المغرب

ديامانتينو (د79) البرتغال

المغرب: الزاكي بادو ـ خليفة العابد ـ عبدالمجيد لمريس ـ مصطفى البياز ـ نور الدين البويحياوي ـ عبد المجيد ظلمي ـ محمد التيمومي ـ مصطفى الحداوي (عزيز السليماني د71) ـ عبد الرزاق خيري ـ عزيز بودربالة ـ ميري كريمو

المدرب: المهدي فاريا

البرتغال: داماس ـ أنطونيو سوزا (ديامانتينو د69) ـ ألفارو (روي أغواس د55) ـ كارلوس مانويل ـ باتشيكو ـ فريديريكو ـ غوميز ـ فوتري ـ خايمي ماغالياش ـ أوليفييرا ـ إيناسيو

المدرب: خوسي طوريس

صانعو الإعجاز المونديالي

بادو الزاكي.. الحارس العملاق

كان من الصعب على حارس شاب أن يقوم بالدور الذي من خلالها ينسي جمهور كرة القدم الوطني ومنتخبها الوطني هرمان تعاقبا بنجاح وقوة على حراسة مرمى المنتخب الوطني.. حارسان من حجم علال بنقصو وحميد الهزاز، نتذكر أنه دخل التجربة في زمن الحيرة بعد هزيمة الجزائر وبشجاعة نادرة وإصرار بطولي شكل الزاكي بادو قائدا جديدا لكرة القدم الوطنية أمثال التيمومي، بودربالة، خيري وباقي الشلة.

أنا إخترت لقاء المغرب ضد ألمانيا لأنني أجد فيه نفس مواصفات البطولة التي كرست تألق علال بنقصو أمام زملاء بيكنباور، ويكفي الزاكي فخرا أنه لم يتلق هدفا من النجم (رومينغي 86).

خليفة العابد: من كان يراهن على رسميته؟

الغريب في أمر هذا المدافع القنيطري القح أنه لم يرسم خلال الإقصائيات المؤدية إلى النهائيات بالمكسيك وبالتالي لم يشارك في الإقصائيات ليظهر كمفاجأة في لقاء المغرب بولندا ويستمر إلى نهاية مطاف الأسود، قبله شكل كل من المكناسي بيدان والوجدي الحسين و"الفاروي" فاضلي عناصر اختيار بدون نتيجة.. تمريرته إلى رجل خيري يجب أن تبقي لقطة تدرس.

عبد المجيد لمريس.. المدافع العنيد

بعد مشاركة ناجحة مع الفريق العسكري الفائز بكأس إفريقيا للأندية البطلة (85) كان لا بد أن يجد فاريا لمدافعه مركزا قارا في الخط الخلفي للفريق الوطني، حيث كانت المنافسة شديدة مع المكناسي زميل النادي احسينة، ونظرا لمتاع هذا اللاعب التقني استطاع أن يستحوذ على مركز في الدفاع وأن يبرز بمستوى جيد، ولياقة بدنية ماراطونية وحس هجومي نادر.

 نور الدين البويحياوي.. عنصر صعب المزاج

نعم يعترف نور الدين البويحياوي كونه صعب المزاج لسبب بسيط كونه ملتزم ويحب الجدية وهذا ما انعكس على دوره في دفاع المغرب كمكمل مناسب لمصطفى البياز.

سألته مرة عن رأية في ظاهرة إرجاع الكرة للحارس بدون مقاييس، فأجاب أنه يتحدى أي مدافع مغربي بإمكانه القيام بنفس المجازفة والمهاجم الذي أمامه هو "بونييك" أو "لينيكير" الأنجليزي.

مصطفى البياز.. صاحب الإنزلاقة الذكية

هو جلاد من نوع خاص لكن في حدود اللياقة والقانون، لاعب إختص في الصد وذوذه على شباكه وحارسه تجعله متشبت بالمنطقة التي يحولها إلى محرمة فلا يبالي بالطابع الهجومي إلا قليلا.. في الركنيات كان رائعا في المونديال.

 عبد المجيد الظلمي.. الإختصاص في إفشال الكرات الساخنة

هو اختصاص من ورائه لاعب لم يسبق لكرة القدم الوطنية أن حملته في طياتها بذكائه وتقنياته وسخائه، خلال لقاء البرتغال فعل ما شاء في سوزا وفوتري نجم أتلتيتكو مدريد، وخرج مرفوع الرأس.. برودة دمه توحي بأنه لا يظهر فرحته بعد الإنتصار وهذا من شيم العباقرة.

 محمد التيمومي.. رسام بريشة واحدة

يكفينا فخرا أن محمد التيمومي ونظرا لتألقه في وسط الميدان المغربي قد تم اختياره للمشاركة في لقاء خيري منظم بلوس أنجلس الأمريكية، جمع زملاء دييغو مارادونا على صعيد أمريكا اللاتينية وباقي العالم، وقتها نعث المغربي بالقدم الذهبية التي كان قد توج بها مع الفريق العسكري سنة 85.

مصطفى الحداوي .. سقاء بتمريرات عابرة القارات

هو الذي كان من وراء جل التمريرات التي وضعت زملائه في التموضع الملائم، إما لتوظيف كرة تصبح قابلة للتهديف أو لإعداد العملية، وفاؤه يجعله دائم المساندة لزملائه دفاعيا.

 عبد الرزاق خيري.. الهداف المعجزة

في البداية كان عبد الرزاق خيري بمثابة اللاعب البديل حسب استراتيجية المدرب المهدي فاريا استراتيجيته فرضت حضور البديل الدائم بعد تسجيله لهدفين دخلا "غينيس الأهداف الشهيرة".

ميري كريمو : التجربة التي جاءت في وقتها

عندما كان المنتخب الوطني المغربي متقدم بهدفي خيري كان طموح الفريق البرتغالي ما زال قائما لضمان التعادل على الأقل، إلا أن هدف القناص كريمو أحبط كل مساعي زملاء "فوتري" في إحراز هذا المبتغى الذي تقلص إلى هدف يتيم.

عزيز بودربالة.. فنان بنخوة الكبار

قام بالدور الهجومي الذي أنيط به كعنصر مساند للهجوم، إلا أن الصورة التي ظهر بها أمام المنتخب الألماني، حيث جاء تكليف "الديكاتلونيان" بريغل بحراسته والطريقة التي تخلص بها عزيز من هذا الوحش جعلته ينال إعجاب الزملاء والجمهور المكسيكي.

لاعبون في بؤرة الإحتياط النافع

هم مجموعة من اللاعبين الذين بصموا من خلال دخولهم كبدلاء في بعض اللقاءات وأعطوا ما عندهم كل حسب تموضعه خاصة الخط الدفاعي، نذكر احسينه وداني والحارسان فتاح موداني وصلاح الدين حميد ووسط الميدان أمان الله ومصطفى ميري وعزيز السليماني وعبدالفتاح الغياتي وعبدالله بيدار ومنصف الحداوي وجلال فاضل. 

ADVERTISEMENTS

كلمة لا بد منها لمن إلتحقوا بالوفد وقد شاركوا في الإقصائيات أي سعد دحان خالد الأبيض عبد الله هيدامو باديدي بالإضافة إلى الفاضلي.

كتب القصة: عبد الجبار والزهراء