المندبة الكبيرة والمرثيات التي يقيمها البعض على الأرصفة الصفراء وبالأبواق، بعد «أسبنة» اللاعب منير حدادي وصبغه بألوان الثور بعدما رفض أن يكون أسدا، هي واحدة من المقامات الساخرة، وواحدة من الإستهلاكات التحليلية التي نغرق فيها كل مرة حتى الركبتين، كلما داهمنا طارئ أو تعرضنا لنكسة.
لحسن الحظ أن بابا الجديدي ما يزال حيا ولا أدري إن كان يرزق أم لا، ومن جايل بابا وفراس والكزار والزهرواي بإمكانهم أن ينصبوا أنفسهم شهودا ليقدموا لنا الرواية الحقيقية لملحمة بلاد الحبشة.
بابا الذي حمل لنا ذات زمن بعيد لم أشاهده للأسف لا أنا ولا غيري من سبعين بالمائة ممن يمثلون قبيلة صحفيي الجيل الحالي، الكأس الإفريقية الوحيدة واليتيمة من أديس أبابا وهنا أكتشف لأول مرة سر الحكاية بين «بابا» الجديدي و«أبابا» الإثيوبية، لم يكن يومها لاعبا لبرشلونة ولا هو نتاج مصنع «لاماسيا» وإنما موهبة فطرية جادت بها سماء المغرب وطوعته أرض دكالة فكان وطني القلب والساق والمذهب.
وبين اتهام لقجع لأسرة حدادي بالكذب والبهتان وهجوم والد حدادي العنيف وهو المهاجر السري الذي ركب قبل سنوات طويلة البحر وقوارب الموت من الفنيدق صوب إسبانيا، على الجامعة والزاكي ونفيه أن يكون هاتف نجله قد رن في يوم من الأيام من أحد منهم، سنكون قد دخلنا شهورا قليلة قبل الكان متاهة «هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين»..
البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وعلى الجامعة أن تقدم لنا هذه البينة بالتفصيل الممل وبالدليل وليس بـ «النية» التي كانت عند السيد الرئيس بدعوة حدادي للفريق الوطني، البينة هي «الفاكس» وهي المراسلة الرسمية من جهازه لبرشلونة لدعوة اللاعب وليس اليوم وإنما قبل 3 سنوات التي كان يومها علي الفاسي الفهري هو من يجلس على نفس الكرسي وكان هو بصدد الإحماء بأحد مقاهي الدار البيضاء الباريسية لخلافته.
قبل حدادي رحل حداديات كثر غير مأسوف عليهم، ولا عزاء لمن يبيع وطنه ويشتري وطنا ثانيا لتمثيله لأنه سيعيش أبد الدهر داخل المنتخب الذي يفتح له أحضانه اليوم بهدايا عيد الميلاد، بالغد مظاهر الحكرة والإهانة والغربة وسيظل في أعينهم نسخة غير أصلية لثور «مدرح».
بقليل من الذكاء يمكن أن نفهم  كيف تسارعت وثيرة  أحداث حدادي ليصبح في ظرف شهر لاعبا رسميا بالبارصا وبعدها لاعبا بمنتخب الشبان مع سيلاديس وفي اليوم التالي ثور من ثيران ديل بوسكي مع الماتادور الكبير.
الحكاية سهلة وبسيطة جدا وهي أن حدادي قبل أن ينضم لفيلق المدرب إنريكي تمت محاورته على أنه إسباني وليس مغربيا، لأن البارصا والريال مستحيل أن تضم لصفوفهما لاعبا يحمل الجواز الأخضر المغربي هذا أولا.
وثانيا لو أن حدادي كشف عن تعلقه بألوان المنتخب المغربي لكان برشلونة قد أعاره كما أعار قبله مواهب أفضل منه بكثير لهولندا أو ما سواها.
وثالثا من يكون هذا الحدادي الذي تقام الدنيا لأجله ولا تقعد، كي يتم تصوير وتهويل انضمامه لمنتخب إسبانيا على أنه خسارة لمعركة كروية وغدا قد يلعب على وترها البعض فيصورها خسارة من نوع آخر.
حدادي ليس هو زيدان ولا بنزيمة ولا ديستيفانو ولا أوزوبيو ولا غيرهم من عظام الكرة الذين غيروا اللون والمذهب، ومع ذلك سارت قافلة منتخبات بلادهم الأصلية ولم تتوقف كما لم تنته الحياة عند مجرد تغيير لون الجلدة.
قبل حدادي ضعنا في بولحروز وبوشيبة وبوستة وأفلاي الذين فضلوا برتقال هولندا على ليمون المغرب الأصلي، واختار عادل رامي ويونس قابول أن يكونوا ديكة في حضيرة الفرنسيس، ولبس فلايني وشادلي ثوب الشيطان الأحمر وفضلوه على قمصان الأسود، وفي نهاية المطاف كانت خاتمة أغلب هؤلاء مقبرة النسيان حتى لا أقول شيئا آخر مع المنتخبات التي استأجرت ولاءهم المؤقت..
شخصيا أكره الحداد المعلن على حدادي، وأتمنى صادقا أن يكون ما حدث مع هذا اللاعب قبل أشهر قليلة من الكان هو «الديكليك» الذي نبحث عنه، كي يتحول كل لاعبي الفريق الوطني لحداديات حقيقيون ويمنحون المغرب لقبه القاري الثاني بأبناء رضعوا حليبه وشربوا ماءه وتنفسوا هواءه ورفضوا أن يؤجروا ولاءهم لسواه..