صاحب شخصية قوية، حاد الطباع، وغير محبوب من قسم لا بأس به من مشجعي كرة القدم الإسبانية... على رغم هذه الصفات، وربما بسببها، اختير المدرب السابق لنادي برشلونة لويس انريكي، لقيادة منتخب "لا روخا"، ويستعد لخوض مباراته الأولى على رأس جهازه التقني السبت في عصبة الأمم الأوروبية ضد المضيفة إنكلترا.
عشية انطلاق نهائيات كأس العالم 2018، فجر الاتحاد الإسباني مفاجأة بإقالة جولن لوبيتيغي من تدريب المنتخب، على خلفية إعلان نادي ريال مدريد التعاقد معه لتدريبه بعد المونديال خلفا للفرنسي زين الدين زيدان.
الا أن العديد من متابعي اللعبة يذكرون طباع اللاعب السابق البالغ من العمر 48 عاما، أكثر مما يذكرون الألقاب التي حققها.
كان دافع التوبيخ انتقاد الصحافي لتراجع المستوى البدني لبرشلونة. بعدها بأسابيع، قاد انريكي الفريق الى الثنائية المحلية، بعد موسم الثلاثية. كان العام 2016، وفي آذار/مارس 2017، أعلن أنه لن يستمر في تدريب برشلونة بعد موسم 2016-2017 الذي اكتفى فيه بلقب كأس اسبانيا.
سيكون انريكي أمام مهمة صعبة: إعادة "لا روخا" الى انجازات الحقبة الذهبية، عندما قادها لويس أراغونيس الى لقب كأس أوروبا 2008، وبعده فيسنتي دل بوسكي الى لقب مونديال 2010 وكأس أوروبا 2012.
بعد دل بوسكي، أوكلت المهمة في 2016 الى لوبيتيغي الذي نجح على أرض الملعب، قبل أن يسقط بضربة قاضية عشية الامتحان الروسي، والذي خرج فيه المنتخب (قاده بعده المدرب الموقت حينها فيرناندو هييرو) من الدور ثمن النهائي، بركلات الترجيح أمام المنتخب المضيف.
يبدو انريكي المعروف بصرامته، قريبا في فلسفة العمل من رئيس الجامعة الإسبانية لويس روبياليس الذي انتخب في أيار/مايو 2018. لم يرحم الأخير لوبيتيغي عندما تم الاعلان عن تعاقده مع ريال في الأمتار الأخيرة من استعدادات "لا روخا" للمونديال ومن دون علم الاتحاد.
قال روبياليس أنه يريد مدربا للمنتخب يقوده و"لا يقبل الجدل"، وهذا ما يبدو أن انريكي بدأ بتطبيقه من اليوم الأول: فبحسب التقارير الصحافية، شملت قراراته الأولى حظر استعمال اللاعبين للهواتف النقالة أثناء تناول وجبات الطعام، فرض موعد مبكر للنوم، غرامات على التأخر...
كما كان متوقعا، حفلت اللائحة الأولى من اللاعبين الذين استدعاهم انريكي بالتغييرات بعد إعلان عدد من النجوم اعتزالهم اللعب دوليا، مثل أندريس إنييستا ودافيد سليفا وجيرار بيكيه. لكن لعل ما ترك الأثر الأبرز، خلو التشكيلة من لاعبين مثل كوكي وخصوصا جوردي ألبا.
وعلى رغم أن انريكي يشدد على أن خياراته لا تتضمن أي جوانب شخصية، الا أن الصحافة الإسبانية لم تتمكن من التغاضي عن العلاقة المتوترة بين ألبا وانريكي في برشلونة، لدى البحث عن تفسير استبعاده.
وكتب مدير صحيفة "آس" الرياضية ألفريدو ريلانيو "نحن نعلم أنهما واجها مشاكل في الماضي، لكن اللاعب كان لديه دائما أداء جيد في التشكيلة".
وردا على استفسار حول عدم استدعائه، طلب ألبا "توجيه السؤال إلى المدرب، الذي يعود القرار إليه".
في مسيرته كلاعب، دافع انريكي عن ألوان الغريمين اللدودين: ريال مدريد (1991-1996)، وبرشلونة حتى اعتزاله عام 2004. وعلى رغم أنه استدعى ستة لاعبين من النادي الملكي، مقابل لاعبين اثنين فقط من الكاتالوني، الا أن "رواسب" العلاقة بين انريكي ومشجعي ريال الذين لم يغفروا له الانتقال للغريم، قد تعود لتطفو الى السطح في مهتمه الجديدة.
لكن المدرب الجديد سيكون أمام تحد أكبر من كسب ود المشجعين في الفترة الراهنة: على يتمكن من تعديل أسلوب اللعب الذي اعتمده "لا روخا" لفترة طويلة، للتأقلم مع التحول في خطط العديد من المنتخبات؟
في مقابل اللجوء المتزايد من قبل المدربين للاعتماد على أسلوب الضغط والانتقال السريع والهجمات المرتدة، لا يزال المنتخب الإسباني ضمن قلة تعتمد على أسلوب الاستحواذ في أرض الملعب.
خلال ثلاثة مواسم أمضاها كمدرب للفريق الكاتالوني، تمكن من فرض أسلوب لعبه بطريقة مباشرة، مطورا أسلوب التمريرات القصيرة السريعة الذي اعتمده سلفه جوسيب غوارديولا (عرف باسم "تيكي تاكا").
قال انريكي بعيد تسلمه تدريب برشلونة "علينا أن نطور هذه الفكرة (الأسلوب)، نجعلها مثالية، نجعلها أفضل حتى، لنتمكن من أن نفاجئ منافسينا لئلا يعرفوا الطريقة التي سنلعب بها".
لم يكن أقل نجاحا من غوارديولا، وأحرز تسعة ألقاب في ثلاثة مواسم.
هل يستطيع تكرار ذلك مع "لا روخا"؟ ردا على سؤال بشأن أسلوب لعب المنتخب، قال انريكي "سيبقى أسلوبنا على حاله من حيث الاستحواذ على الكرة (...) لكن هناك فوارق دقيقة"، مشيرا إلى رغبته في الابتعاد عن الحمل الثقيل لتكرار إنجازات 2008-2010-2012.
بحسب لاعبه إيسكو، "من هذا الأسلوب في كرة القدم الذي نعرفه جيدا، يجب أن نجد نقاطا ننفذ منها إلى اختراق الدفاعات المتماسكة".
اختباران قويان ينتظران المدرب الجديد للمنتخب الإسباني، أولاهما امام إنكلترا، التي بلغت نصف نهائي مونديال روسيا وحلت ثالثة، ثم أمام كرواتيا الوصيفة بخسارتها المباراة النهائية أمام فرنسا 2-4.
وقال انريكي تعليقا على مهامه المقبلة "تحد جيد. علينا أن نجد طريقنا إلى النجاح، لنرى إذا وصلنا إلى حيث نريد".