يلتقي المنتخبان الانكليزي والكرواتي لكرة القدم الأربعاء في المباراة الثانية للدور نصف النهائي لكأس العالم في روسيا، ويحمل كل منهما أحلام ملايين المشجعين ببلوغ المباراة النهائية بعد انتظار مديد.
وغداة حجز فرنسا البطاقة الأولى للنهائي على حساب جارتها بلجيكا (1-صفر)، تبحث انكلترا عن بلوغ المباراة النهائية للمرة الأولى منذ 1966 عندما توجت على أرضها بلقبها العالمي الأول والوحيد، بينما تأمل كرواتيا في حجز مكانها للمرة الأولى، علما انها تخوض الدور نصف النهائي للمرة الثانية في تاريخها بعد عام 1998 عندما خرجت على يد المضيفة فرنسا.
وتقام مباراة المنتخبين على ملعب لوجنيكي في موسكو، والذي سيعود اليه أحدهما يوم الأحد لمنافسة منتخب "الديوك" على الكأس الذهبية.
أي من المنتخبين سيتخلص من مرارة كأس الانتظار؟ انكلترا، مهد كرة القدم، تريد "عودة" الكأس الى ربوعها بعد غياب 52 عاما. خمسة عقود بلا لقب هي فترة انتظار ثقيلة على البلاد التي صنعت نجوما للعبة، واستقطبت العديد منهم الى دوريها الممتاز. فترة طويلة لسكان مدينة شيفيلد ذات التاريخ المحفور في ذاكرة اللعبة، والتي رفعت الأعلام في انتظار الموعد اليوم. هي أيضا فترة طويلة في التنافر الكروي بين انكلترا من جهة، والمكونات الأخرى للمملكة المتحدة، أي ويلز واسكتلندا وإيرلندا الشمالية.
البلاد الغارقة في البحث عن حل لصداع "بريكست" والخروج من الاتحاد الأوروبي، تريد أملا من كرة القدم، وتتطلع الى المدرب الأنيق غاريث ساوثغيت وتشكيلته الشابة بقيادة هاري كين، ابن الـ 24 عاما الذي يحمل على كتفيه آمال بلاد عرفت اللعبة منذ عام 1863.
بالنسبة لمشجعي اليوم، تاريخ اللعبة في انكلترا بدأ (وتوقف) عام 1966، منذ "هاتريك" جيف هورست في مرمى منتخب ألمانيا الغربية (4-2) في المباراة النهائية على ملعب ويمبلي الشهير في لندن.
بالنسبة لكين، هذه المباراة، هذا الجيل، هما مصدر الالهام.
قالها مهاجم توتنهام بعد الفوز على السويد في ربع النهائي (2-صفر)، "لقاء أي كان من أبطال 1966 هو أمر لا يصدق. يشكل ذلك مصدر إلهام كبير. مر وقت طويل منذ حققت انكلترا نتائج جيدة" في مسابقة كبرى.
وأضاف "أنا فخور بجعل اللاعبين السابقين يفتخرون بنا، وانا واثق بقدرتنا على إحياء ذكرياتهم. نحن نتطلع الى كتابة تاريخنا، ونأمل في الذهاب خطوة الى الامام والوصول الى المباراة النهائية".
يقدم المنتخب الانكليزي أداء هو من الأفضل له منذ أعوام طويلة. واثق، لا تنقصه الحلول. ركز بشكل كبير على الضربات الثابتة، وتمكن من عبور المطبات في الطريق الى اختباره الأصعب: كرواتيا ولوكا مودريتش.
يدرك ساوثغيت ان الانظار تتجه نحوه. هو تحت ح مل ين: النجاح مع تشكيلة شابة لا تضم نجما، ومحو ذكرى إضاعته ضربة ترجيح أمام ألمانيا في نصف نهائي كأس أوروبا 1996 في انكلترا، وحرمان بلاده الحلم القاري.
قال ساوثغيت (47 عاما) انه بعد تلك اللحظة المريرة، لم يتمكن من سماع نشيد منتخب "الأسود الثلاثة" لعشرين عاما. مضت الأعوام، ووجد ساوثغيت نفسه مدربا للمنتخب، وأمام فرصة تاريخية للتصالح مع المشجعين الذين عادوا لترداد هذه الأغنية في كل شارع وعبر كل أثير في انكلترا.
قال الثلاثاء "جئنا إلى هنا للاستمتاع بكرة القدم، وطيلة مشوارنا كنا أحد أصغر الفرق (سنا) في كأس العالم، والفريق الأقل خبرة، لكننا لم نكن متأكدين تماما إلى أي مدى يمكن أن يذهب هذا الفريق".
وأضاف "لقد كتبنا أجزاء عدة من التاريخ (...) لذلك نحن نبحث فقط للحفاظ على وتيرة كسر هذه الحواجز".
وحيت رئيسة الوزراء تيريزا ماي المدرب واللاعبين الذين "حققوا عملا مذهلا وأنا واثقة انهم سيواصلون القيام بعمل جيد وأتمنى لهم التوفيق الليلة".
ولن تكون ماي حاضرة في مباراة اليوم في ظل المقاطعة الرسمية للمونديال الروسي على خلفية التوتر في العلاقات بين لندن وموسكو. في المقابل، يتجه نظيرها الكرواتي أندري بلينكوفيتش الى روسيا لحضور المباراة، مثله مثل ألف مشجع اضافي انتقلوا في ست رحلات خاصة الى روسيا اليوم.
وقال بلينكوفيتش "هذا يوم كبير جدا للرياضة الكرواتية وكرة القدم".
لانكلترا جيل 1966، ولكرواتيا جيل 1998.
في مونديال فرنسا، يوم كانت البلاد تشارك للمرة الأولى كدولة مستقلة، بلغ جيل دافور شوكر وسلافن بيليتش وغيرهم، الدور نصف النهائي ليخسروا أمام فرنسا وينهوا المنافسة في المركز الثالث.
في 2018، ثمة جيل آخر يحمل آمال البلد الصغير الذي يبلغ تعداد سكانه نحو أربعة ملايين نسمة. اسمه "جيل مودريتش"، وفيه ايفان راكيتيتش، ماريو ماندزوكيتش، أندري كراماريتش وغيرهم.
كما عانى الكرواتيون لنيل الاستقلال، يتعب لاعبوهم في أرض الملعب. في المسار الى نصف النهائي، خاض المنتخب مباراتين من 120 دقيقة وضربات ترجيح في ثمن النهائي وربع النهائي. قد يكون متعبا، الا ان ما على المحك كفيل بمحو آثار التعب، والانطلاق من نقطة الحلم.
قال المدرب زلاطكو داليتش، ما بين الجد والمزاح، "لا أتخيل ما سيحدث في كرواتيا إذا فزنا بكأس العالم (...) ربما لن يذهب أحد إلى العمل"، مضيفا "تخيلوا ما سيحدث إذا فزنا"، لأن في البلد الصغير "كل شيء ممكن".
اختصرت الصحف الكرواتية في الأيام الماضية بكلمة واحدة ماذا يعني لها بلوغ هذه المرحلة: "حلم".
وبالنسبة الى داليتش، "عدنا بعد 20 عاما (الى نصف النهائي) وأنا متأكد من أننا نستحق ذلك. وأحد الاسباب المهمة التي تجعلنا نستحق ذلك، هي اننا استطعنا أن نجعل أكبر عدد من الناس سعداء في بلادنا".
ترقب انكليزي، وسعادة كرواتية... لن يكون سهلا على أي لاعب يطأ عشب ملعب لوجنيكي عند الساعة 18,00 ت غ اليوم، ألا يرى الكرة كتلة من الأحلام والآمال التي تنتظر من يودعها مرمى الواقع.