مع اقتراب موعد انطلاق نهائيات كأس العالم بروسيا يتساءل عديدون عن الصورة التي يمكن أن يظهر بها المنتخب الوطني خلال مبارياته التي سيخوضها أمام كل من إيران والبرتغال وإسبانيا.. ويتوق آخرون إلى معرفة الحد الذي يستطيع فيه الأسود أن يقدموا مستوى مقنعا ويسجلوا حضورا لافتا سواء على مستوى الأداء أو على مستوى النتيجة.
وللإقتراب أكثر من الصورة التي يمكن أن يظهر عليها أسود الأطلس خلال هذا المونديال.. لا بد من إجراء قراءة في مفكرة المدرب هيرفي رونار.. وإلقاء نظرة على الطريقة التي سيعتمد عليها كنهج فني وتكتيكي.
صحيح أن رونار ينطلق باستمرار في تعامله مع المباريات من مرجعية فنية مبنية على معرفة مسبقة بإمكانيات الخصم.. وصحيح أيضا أنه يصيغ دائما لنهجه حبكة فنية متوازنة يظهر فيها التشكيل متطابقا مع التوظيف، وتعتمد فيها الشاكلة على الإمكانيات المتوفرة لدى التشكيلة.. لكن يجب الاعتراف أن رونار سيدخل معترك المونديال.. وهو معترك يختلف كليا عن كل المعتركات السابقة التي خاضها مع الأسود.. كما يجب الاعتراف أن الناخب الوطني سيواجه هذه المرة منتخبات من العيار الثقيل وتصنف ضمن أقوى منتخبات العالم بل إن أحدها مرشح بقوة للفوز بكأس العالم وهو المنتخب الإسباني.
سيجد رونار نفسه خلال مباريات الدور الأول أمام منتخبات تعتمد في طريقة لعبها على أسلوبين مختلفين.. الأسلوب اللاتيني الذي يجسده المنتخبان البرتغالي والإيراني على اعتبار أن مدرب هذا الأخير البرتغالي كيروش متشبع أيضا بمبادئ الأسلوب اللاتيني.. ثم الأسلوب الأوروبي الذي يجسده المنتخب الإسباني.. لكن مهما كان.. لن يستطيع رونار أن يحيد عن الأسلوب الذي خاض به أغلب مباريات المنتخب الوطني خصوصا الوديات الأخيرة، والتي قربته أكثر من إمكانيات كل لاعبيه ومن مدى جاهزيتهم.
ومع محدودية الفرديات المبدعة، والثوابت البشرية للمنتخب الوطني.. فإن رونار ملزم بأن يدور في فلك رسم فني واحد أو شاكلة محددة لن يستطيع أن يزيغ عنها قيد أنملة.. وهي شاكلة (3 – 5 – 2) مع كل تحولاتها ومتغيراتها الممكنة من (1 – 4 – 3 – 2) إلى (4 – 3 – 2 – 1).
وأيا كانت الشاكلة التي سيعتمد عليها رونار لابد أن تتأسس على تكافؤ اللاعبين في تملك كل مساحات الملعب حتى يحدث ذلك نوعا من التفوق في احتلال كل المواقع وحتى لا يقع ضحية أقلية عددية مع أي هجوم مضاد أو اندفاع متكتل من الخصم.. مع الإشارة إلى أن تشكيلة رونار باتت معروفة عن ظهر قلب.. وتتكون من اللاعبين الذين اكتسبوا رسميتهم بجدارة من خلال ما أثبتوه من أداء قوي وسلس وفعال.. (المحمدي – درار – بنعطية – سايس – منديل أو حكيمي – الأحمدي – بلهندة – بوصوفة – أمرابط – زياش – بوطيب) إلى جانب طبعا العديد من قطع الغيار ومن اللاعبين البدلاء الذين يقدمون السند، ويستطيعون أن يكونوا الخلف والتعويض المناسبين في أوقات الاستنفار والطوارئ.
(3 – 5 – 2)
إذا أراد رونار الالتزام بشاكلة يغلب عليها التوازن الدفاعي والهجومي في نفس الوقت.. وهذا هو المنحى الذي سيطغى على اختياره في الغالب.. فإنه سيعتمد على شاكلة (3 – 5 – 2) التي تتأسس على تقوية الجانب الدفاعي والعمل على الوصول إلى الزيادة العددية في منطقة الوسط بالإضافة إلى الاستفادة من المساحات الخالية عند الاستحواذ على الكرة نتيجة سحب المدافعين المنافسين عند قيامهم بالهجوم.
وتعتمد شاكلة (3 – 5 – 2) على تواجد 3 لاعبين في قلب الدفاع و3 لاعبين ارتكاز في وسط الملعب غلى جانبهم جناحين يقومان بأدوار كبيرة على مستوى التغطية الدفاعية والدعم الهجومي نتيجة تغطية مساحة كبيرة من الملعب على الطرفين ويكون أمامهم لاعبين في الهجوم.
مع هذه الشاكلة لن تحيد تشكيلة رونار عن الأسماء المعروفة التي تعتبر ركائز أساسية لا غنى عنها في منظومة الأسود وهي: ثلاثي الدفاع (بنعطية – سايس – داكوسطا) وخماسي الوسط (درار – الأحمدي – بوصوفة – بلهندة – أمرابط) وثنائي الهجوم (زياش – بوطيب).
ففي حالة الدفاع سيضطر المنتخب الوطني إلى الاعتماد على ثمانية لاعبين هم ثلاثي خط الظهر بالإضافة إلى اللاعبين الخمسة الذين يتشكل منهم أساسا خط الوسط.، مع الإبقاء على (زياش وبوطيب) في خط الهجوم.. بالرغم من ارتدادهما بين الفينة والأخرى إلى الوسط أو إلى المساحات القريبة من الدفاع.. في حالة تأهب تحسبا للقيام بالمرتدات المباغثة والسريعة.
وعند الهجوم مع هذه الشاكلة سيضطر لاعبان من لاعبي خط الوسط هما على الأرجح (بلهندة وبوصوفة) لينضما إلى لاعبي خط الهجوم.. كما سيقوم (درار وأمرابط) بتقمص دور الظهيرين المتحررين ويعملا على التقدم على شكل أجنحة لينشطان في الرواقين على اليمين وعلى اليسار.. بل إنهما أثناء الهجوم سيعملان وكأنهما جناحان مهاجمان أساسيان.
وطبعا فإن تطبيق طريقة (3 – 5 – 2) يتطلب من المنتخب الوطني أن يحضى بلياقة بدنية عالية جدا حتى يستطيع أن ينفذها بأسلوب مرضٍ وأقرب إلى التكامل.
(4 – 1 – 3 – 2)
وإذا اعتبرنا أن رونار سيلعب بشاكلة (4 – 1 – 3 – 2) فإن التشكيلة ستقترب من الأسماء التالية: رباعي الدفاع (درار – سايس – بنعطية – أمرابط) يتقدمهم (داكوسطا) ثم ثلاثي الوسط (الأحمدي – بوصوفة – بلهندة) وفي الخط الأمامي (زياش – بوطيب).
وفي اللعب بطريقة (4 – 1 – 3 – 2) ستكون الشاكلة أقرب إلى اللعب بشاكلة (4 – 4 – 2)، حيث يتوجب على داكوسطا وثلاثي الوسط (أحمدي – بوصوفة - بلهندة) أن يشكلوا حلقة مترابطة تكون مهمتها الربط بين لاعبي الدفاع ولاعبي الهجوم.. فعندما يستحوذ المنافسون على الكرة فإن مهمتهم تحتم عليهم العودة السريعة للتكتل في وسط وتأدية الواجب الدفاعي.. وعندما يستحوذ فريقهما على الكرة فإنهم ينطلقون خلف لاعبي الهجوم للعمل على بناء الهجمات والمساعدة في الهجوم والاشتراك فيه.
وتتطلب هذه الشاكلة مجهودا كبيرا.. لأن الدور الذي سيقوم به لاعبو الوسط أحمدي وبوصوفة وبلهندة نتيجة التقدم والتراجع.. والاندفاع والارتداد باستمرار بين منطقتي الجزاء.. يحتاج إلى درجة عالية من التحمل بالإضافة إلى أن المستوى المهاري لديهما لابد أن يكون مرتفعا.
ولأن شاكلة (4 – 1 – 3 – 2) تتطلب مجهودا كبيرا من ثلاثي الوسط الذي قد يتعرض لدرجة كبيرة من التعب والإرهاق، وهو ما يستدعي الإسناد باستمرار من الخط الأمامي.. فإن على لاعبين من خط الهجوم (زياش وبوطيب) أن يكونا السند باستمرار.. وكأن الشاكلة تتجول إلى (4 – 4 – 2).. وذلك حتى يحافظ الفريق على تكافؤ لاعبيه في تملك كل مساحات الوسط.
وفي حالة وصول أحد لاعبي خط الوسط في شاكلة (4 – 1 – 3 – 2) إلى درجة كبيرة من التعب فإنه يمكن أن يتلقى مساعدة من أحد المهاجمين.. كما يمكن أن يتبادل مع أحدهما مركزه لفترة ويستطيع لاعب خط الوسط في هذه الحالة أن يتقدم للأمام ليتلقى تمريرة زميل له في حالة تأخر لاعبي خط الهجوم في نصف الملعب على أن يؤدي هذا المهاجم المتأخر مؤقتا الدور الهجومي والدفاعي للاعب خط الوسط المتقدم.
(4 – 3 – 2 – 1)
يمكن للناخب الوطني رونار أن يعتمد أيضا على شاكلة (4 – 3 – 2 – 1) التي تتحول إلى (4 – 5 – 1) وهذه الشاكلة تعتبر تجويدا لطريقة (4 – 4 – 2) وقد بنيت على أساس زيادة عدد لاعبي خط الوسط حتى يستطيع الفريق السيطرة على منطقة نصف الملعب والتي تعتبر العمود الفقري للملعب كله.. ويمكن للاعبي الفريق الوطني أن ينجحوا إلى أبعد حد مع هذه الشاكلة أيضا إن توفق اللاعبون في تأدية واجبهم كما يجب.. والتزموا بالثوابت في كل ما يتعلق بالتحرك والتمركز والتغطية والارتداد.. وغيرها.
ولاعبو خط الوسط خلال هذه الشاكلة سيلعبون دورا حيويا في القيام بالواجب الهجومي وأيضا الدفاعي.. ولكن بجهد أقل من المطلوب في طريقة (4 – 4 – 2) ويرجع السبب في ذلك إلى أن عدد لاعبي خط الوسط في شاكلة (4 – 3 – 2 – 1) سيكون 5 لاعبين وهم (الأحمدي – بوصوفة – زياش – بلهندة – أمرابط) في حين أنه في شاكلة (4 – 4 – 2) يكون عدد لاعبي الوسط 4 لاعبين فقط.
وعند استحواذ الفريق على الكرة في هذه الشاكلة فإن لاعبي خط الوسط (أحمدي – بوصوفة – زياش – بلهندة – المرابط) سيتحولون جميعهم إلى مهاجمين حيث سيشاركون بشكل كامل في الهجوم.. مع ضرورة أن يضعوا في عين الاعتبار قدرتهم على الحفاظ على توازنهم بين الاندفاع والارتداد والتنقل بسرعة كبيرة من حالة إلى حالة حتى لا يقع الفريق ضحية الفراغات خصوصا على مستوى خط الوسط.
أما المدافعون خلال شاكلة (4 – 3 – 2 – 1) فدور بعضهم في بناء الهجمات والمشاركة فيها وخاصة الظهيرين يعتبر واجبا أساسيا على أن يراعوا اتجاه الهجوم وتوقيته مع ملاحظة أن يشترك في الهجوم لاعبا أو اثنين من خط الدفاع لا أكثر.. كما يجب على المدافعين أن يضعوا في الاعتبار ضرورة عدم التفريط في التغطية الدفاعية في حالة ما إذا استحوذ الفريق المنافس على الكرة.
نجاعة الأداء واستغلال الفرص
ويجب الاعتراف أنه مهما كانت الشاكلة التي سيعتمد عليها الناخب الوطني خلال مباريات المونديال لابد أن يحترم خلالها التوازنات الضرورية التي تتطلبها هذه المباريات سواء من خلال القيم الفنية لأسلوب اللعب، أو من خلال القيم النفسية للاعبين.. كما أن نجاعة أداء اللاعبين، ونجاحهم في استثمار الحبكة التي سيلعبون بها هي وحدها الكفيلة بأن تضمن سلاسة هذه الشاكلة ومدى نجاحها وملاءمتها.
على اللاعبين أن يبحثو دائما على التفوق النوعي سواء على صعيد الواجبات الدفاعية.. من دفاع المنطقة.. إلى الدفاع رجلا لرجل.. إلى المراقبة.. إلى التغطية.. إلى التركيز.. إلى التحكم.. إلى الإتزان.. أو على صعيد الوجبات الهجومية من خلق المساحات إلى الضغط إلى التوغل إلى الاختراق إلى التصويب إلى غير ذلك.
كما على اللاعبين أن يبحثوا عن دائما عن التفوق النوعي في المباريات ليس فقط من حيث فرض الذات عبر أداء سلس ومحكم، أو خلق غزارة في فرص التهديد على طول وعرض المباراة.. ولكن أيضا من حيث ترجمة هذه الفرص إلى أهداف حقيقية وملموسة.
على اللاعبين بتوابثهم المهارية وحمولتهم الفنية أن يمتلكوا القدرة على إشهار أسلحة المباغثة في كل وقت وحين، حتى يكسروا طوق المناعة الذي قد يتسم به الدفاع الخصوم.. عليهم أن يجدوا أفضل الصيغ للرفع من منسوب التهديد الحازم وتفعيل هذا التهديد لترجمته إلى أهداف، وبالتالي تحقيق الفوز مهما كان بالغ الصعوبة في مباريات هذا المونديال الصعبة والمعقدة إلى أبعد حد.