تخليق السوق وأداء الحقوق

كما فعلت وهي تهوي بمطرقة قانون المدرب على الرؤوس، عادت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لتمارس صلاحياتها في الرقابة والوصاية على الأندية لتفرض قانونا يروم تخليق المعاملات المالية وتخليص الأندية من زوائد الديون كما يتخلص الجسد من الدهون والسموم.
حظر الميركاطو أو تقنينه، الأمران سيان والعملية ليست فيه مصادرة لحق الفرق في شراء وبيع من تريد وإنما وضعت حواجز وشروط لا بد وأن تتم الإستجابة لها ودون تقديم تنازلات بما يتيحه الأمر من تساو للفرص وتخلص من هرج النزاعات الذي يتنامى يوما بعد يوم وبشكل رهيب.
في الملف التالي نعرض لأهم تجليات قرار الجامعة وهي تدخل بقوة على خط التعاقدات فارضة في خريفها الساطع «فيطو» جديد غايته ترسيخ قواعد اللعب النظيف.

فيطو صادم
كما هو الشأن مع قانون المدرب الذي صدر في رمشة عين وتم تطبيقه بسرعة فائقة برغم كل الهزات الإرتدادية التي خلفها وردود الفعل المتباينة، التي منها من هلل ومنها من استنكر وعاب على الجامعة طريقة وكيفية الصياغة، لم يتأخر الجهاز الوصي على اللعبة في فرض نفسه وبقوة وهذه المرة بقرار أقوى وأكثر تأثيرا وهو قرار منع الفرق المتعثرة ماليا والمعسرة التي لها ديون أو تلك التي لم تنجح في مد الجامعة بتقاريرها المالية بمنتهى الوضوح ومن دون تسجيل مؤاخذات عليها.
قرار ممارسة الحظر على المركاطو بهدف تقنين لا بغاية مصادرته ومنعه، إذ تم وضع شروط كانت بلدان واتحادات سباقة إليها ومنها حتى الفيفا التي تتدخل في سوق انتقالات اللاعبين، حين تلمس أن هناك تجاوزا صريحا أو تعديا على بعض أخلاقيات الحركة الإنتقالية (مثل التوقيع لقاصرين وشبهة التلاعب في الأرقام المالية للصفقات) ولطالما منعت أندية عملاقة من ممارسة حقها في التعاقد وآخرها ريال مدريد وبرشلونة بإسبانيا.

التخليق قبل التضييق
الفيطو المعلن والدورية التي عممتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بتنسيق مع العصبة الإحترافية، كون الأخيرة هي الجهاز المخول له أمر تدبير شؤون البطولة الإحترافية والسهر على سيرها العادي، رأى فيه البعض تضييقا ممنهجا وقرارا متسرعا فيه ضرب لمصالح فرق لحساب أخرى.
نفس الأندية المتظلمة ترى في الفيطو مصادرة لحق متاح أمامها دون أن تعي هذه الفرق والأندية أن الرقابة المخولة للجامعة بوصفها المشرف على سير البطولة والراعي لها يتيح أمامها إمكانية التدخل والعاجل أحيانا متى لمست أن هناك اختلالات بنيوية بإمكانها الإساءة لمنتوجها الكروي.
ولأن الفرق الوطنية تعيش حالة اختناق على مستوى شريانها المالي وما عاد المال يتدفق فيه كما كان الأمر سابقا، بل هناك بوادر إفلاس واضحة داخل عديد الفرق حتى تلك التي كان البعض يخال أنها محصنة ومحمية مثل الرجاء والكوكب، هي من فرض هذا التدخل بمبدإ الوقاية خير من العلاج.

الوكلاء متذمرون
منذ فترة ليست بالقصيرة والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تجري دراسات عميقة على بعض الفرق وتواكب بقلق شديد ظروفها المالي والتعثر المحيط بهذه النقطة، بل لمست أنه لا مناص من التدخل والعاجل بصيغة صارمة وحاسمة لا تقبل المزايدات غن تطلب الأمر ذلك لما فيه مصلحته ولما يمكنه أن يساعد على مصاحبتها لتتجاوز الظروف الصعبة المحيطة بها وكذا حافة الإنهيار التي تلامسها كل مرة.
لجان الإحتراف التي زارت الفرق ورافقتها مرارا وأنجزت تقارير شاملة بخصوص السياقات المالية للأندية، لمست أن هناك عجزا واضحا على مستوى الإستجابة لمتطلبات دفتر التحملات وما يفرضه الأمر من توضيح المعاملات والتخلص من كتل الديون الزائدة والمجانية أحيانا، سيما في ظل المراهنة على تحويل الفرق لشركات.
ولأن أغلب الفرق بالبطولة لها ملفات ثقيلة بغرفة النزاعات داخل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم،فقد جاء قرار منع التعاقد مع الفئة التي لها ديون صريحة تفوق ما تتوصل به من الجامعة من دعم و منحة سنوية، ليقلق ليس راحة هذه الأندية وأنصارها فحسب، بل الفئة المستفيدة وبدرجة أولى من دينامية الإنتقالات وهي فئة وكلاء أعمال اللاعبين الذي صعقهم القرار الجامعي.

الرابحون والخاسرون
مبدئيا يبدو أن من يتخوف من قرار بهذا الشكل إما إنه متورط في معاملات غامضة أو له ديون ثقيلة أو أن ملفاته بغرفة النزاعات تثير التوجس والقلق.
قرار كان يجب أن يحظى بالتأييد ويلقى التقدير اللازم حتى وإن كان هناك تحفظ على مستوى التوقيت، إذ أنه لو صدر بداية الموسم أو نهايته كان سيضع الكل في الصورة ويمنحهم الحيز الزمني المعقول لترتيب البيت بما يتيح إمكانية الإقبال على الميركاطو بصدر مفتوح ودون أدنى مركب نقص.
في كل العمليات المشابهة تظهر أطراف مستفيدة وأخرى متضررة والمستفيدون هنا كما بلغنا ومن مصادر جامعية هم قلة قليلة جدا كشفت هشاشة البنية المالية والإدارية لفرقنا، وميزتها عن بعضها.
ويظهر الفتح الرباطي في حالة الإستثناء ويأتي خلفه الجيش الملكي ثم نهضة بركان في حين البقية الباقية كلها موضوع نقاش ويختلف زئبق شفافية معاملاتها من ناد لآخر وإن كانت جميعها تنضوي ضمن خانة الفرق المرتبكة ماليا.
الخاسر الأكبر وبشكل يثير الإستغراب هو الرجاء البيضاوي، الذي كان صرحا فهوى ومن عالمية تثير الغيرة لفريق منهك ماليا يستجدي الرحمة ويثير الشفقة.

قرار يصحح الإختلالات
هذا القرار رأى فيه الكثير ممن هم متجردون من كل تعصب وممن هم موالون لإنقاذ وتخليص الكرة المغربية من براثين الهواية وسمومها الفاسدة، رأوا فيه قرارا صائبا ومحترفا ومسؤولا بدرجة أولى.
القرار سينهي عبث الكوارث المالية التي تضرب أركان الفرق بتعاقب مسيرين ورؤساء لا يضعون نصب أعينهم المصلحة العليا لنواديهم ويشتغلون وفق رؤية قصيرة المدى تؤثر المصلحة الذاتية على ما سواها.
قرار سيصحح هذه الإختلالات فلا يمنح صلاحيات «الكارط بلانش» لرئيس أو مسؤول داخل ناد من الأندية ليتصرف من تلقاء نفسه فيتعاقد مع من شاء ويسرح من يريد دون أن يكون هناك رادع ورقابة عليا فوقه.
القرار سيخلص الفرق من ديونها كما يتخلص الجسد من الدهون والزوائد فيعود لرشاقته ومعه تعود الرشاقة والمرونة المالية لمعاملات الفرق.
والقرار سيتيح أمام الأندية باختلاف أشكالها أن تتساوى أمام القانون فلا يتميز هذا عن ذاك إلا بما يقدمه في نهج سيرته يسمح له بولوج المركاطو «ناد نظيف الذمة»، غير هذا فقرار دخول السوق أمر مؤجل و فيه مقال.