صحافة ألارديس وجامعة غيرتس

كم يلزمنا من الوقت لتصير لنا نحن أيضا صحافة تغير مجرى النهر، ويذعن لها المسؤولون وتغير مسار القرارات المهمة، حين تقرر فتح جبهات مسيجة بالأسلاك الناسفة وتقتحم محمية من المحميات الممنوع الإقتراب منها؟
عندنا الأمر غير الأمر والحال غير الحال، لأن المسؤول الرياضي على وجه الخصوص تعود على ترك القبيلة تلهت حتى تتعب مطبقا «كم حاجة قضيناها بتركها» ومؤثرا مبدأ «المسير يسير والصحافة تنبح».
تابعت بفضول شديد وانتباه أكبر فصول فضيحة العام ببريطانيا، والتي كان بطلها صحافيو «الغارديان» بصحفييهم الذين يتدثرون في لبوس المحققين، وهم يكشفون عورة كرتهم دون أن يتهمهم أحد على أنهم يعرضون غسيلا قذرا ومتسخا لبلد رائد هو من اكتشف الكرة على أسلاك العار والفضيحة، بأن فضحوا مدرب منتخب بريطانيا أو أنجلترا غير عابئين بتأثير الفضيحة على مستقبل أسودهم الثلاثة في استحقاق المونديال.
ما قامت به صحيفة «الغارديان» لو تحول لفيلم لاستحق الأوسكار بكل تأكيد، لجرأتها الكبيرة في تعرية واقع تعيشه الكرة العالمية مع كل المدربين و لا أحد لامسه أو اقترب منه أو حتى فكر فيه.
على مستوى العالم يجري نقاش هادر بخصوص ضلوع المدربين في اضطهاد لاعب وجلب آخر مفضل إليهم، وفي دخولهم طرفا على خط العمولات مع اللاعبين ووكلاء أعمالهم للتعاقد مع اللاعب الفلاني على العلاني.
كل العالم يعرف الحقيقة ويتستر عليها، حقيقة كون المدربين لا يكتفون برواتبهم مهما سمنت وانتفخت أوداجها ويحشرون أنفهم ليس في اختيار اللاعبين، بل في تحديد قيمهم المالية والتداول معهم سرا وفي الكواليس المغلقة ومع وكلائهم حول عمولة التوقيع من الباطن وفي الكواليس المغلقة أيضا.
وكثيرة هي الحالات الشاهدة على أنه لكل مدرب لاعب مدلل يتبعه حتى التقاعد وأحيانا حتى القبر، والغاية تبررها وسيلة العطية والمنفعة المتبادلة.
ولمن لا يعرف فصول ألارديس فالغارديان عرضته للفضيحة بعنوان صادم «سام ألارديس مدرب منتخب إنكلترا للبيع» بعد تحقيق صحافي تم فيه تصوير مدرب منتخب الأسود الثلاثة بشريط فيديو «مخفيّ» كشف وقوعه قضية فساد مالي (رشوة) إستغل فيها منصبه للتفاوض والحصول على مبلغ قدر بـ 400 ألف جنيه إسترليني مقابل تقديمه المشورة لرجال الأعمال على كيفية «الإلتفاف» على قواعد اتحاد كرة القدم. 
ألارديس البالغ من العمر (61) عاماً جالس مجموعة من «رجال الأعمال»، وهم في الحقيقة صحافيو الغارديان المتنكرين، ووافق على تقديم النصائح لهم من أجل تفادي القواعد التي وضعها الإتحاد الإنكليزي التي تحظر وجود طرف ثالث في امتلاك حقوق اللاعب، تم ذلك بعد أربع ساعات فقط مدة الجلسة، وقال ألارديس لرجال الأعمال أنه «لا مشكلة» في مسألة تجاوز قواعد الإتحاد «السخيفة»، وقال إنه يعرف بعض وكلاء أعمال اللاعبين الذين استفادوا من هذا الأمر سابقا، بقوله «يفعلون ذلك دائما معنا». 
ألارديس وصف قرار الإتحاد الإنجليزي لكرة القدم بإعادة تطوير ملعب «ويمبلي» الشهير بأنه قرار «غبي»، وهو ما أغضب جامعتهم أكثر.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتورط صديقنا ألارديس فيها بهكذا فضيحة، بل سبق أن تعرض في عام 2006 لفضيحة مماثلة، حين فجرت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» مفاجأة مدوية بحصول المدرب ألارديس ونجله كاريج على مبالغ مالية إرضاء لهما. 
تذكرت وأنا أتسلى بفضيحة ألارديس وسرعة قرار جامعة إنجلترا بإقالته، بعدما أسر لهم براتبه، ذات يوم مر من بيننا عالمي شبح لا أحد يتذكر منه اليوم غير راتبه الذي كان كافيا طيلة مقامه عندنا رفقة كلبه الذي أدخله ليرعاه بالهرهورة لبناء ملعب كرة وهو إيريك غيرتس.
تذكرون يومها أن الصحافة سربت صورا لاقتطاعات بنكية لغيرتس وتحويلات الجامعة لحسابه، وتذكرت التحقيق الذي باشره يومها الفهري ليس لإقالة البلجيكي وإنما لوصف الصحافة بالمبتذلة رفقة كريم عالم الذي هاجمها بأنها تدخلت فيما لا يعنيها.
لم يعبأ أحد يومها ونحن نعرض أسرار غيرتس وأنا واحد منهم، إتهمونا باللغو والتشويش لأن جامعتنا لا تسير كما الإنجليزية، ولأنه ليس لديهم كريم عالم.
في نهاية المطاف شكرت جامعة إنجلترا الكروية الغارديان على فضح مدرب في ثوب «سمسار» فانتهى به الأمر مقالا، وهنا استمر غيرتس في خلبنا والفهري تبهدل بين جلسات البرلمان التي تسائله. 
وحين رحل غيرتس إعترف الفهري لنا حصريا في تصريح شهير قال فيه «راتب غيرتس وبقاؤه كانتا غلطتا عمري».
لو أنصت لنا الفهري كما أنصتت الجامعة بلندن للغارديان لما بلغ بنا هذا الحال، ولما ظل التاريخ يذكر لتلك الجامعة فضيحة عالمية بالتعاقد مع عالمي وهمي.
هذا هو الفرق بيننا وبينهم، مختلفون عنهم في كل شيء من طريقة قيادة السيارة لغاية طريقة قيادة شؤون الكرة واحترام وتقدير عمل الصحافة.