رونالدو وردة وأسطورة بشهادة فراشة

أعلنت في السابق وعبرت عن موقف نسبي، موقف شخصي يجدر إحترامه كما تحترم باقي المواقف التي لا تبنى على حقائق مطلقة ولا يحكمها لوغاريتم المعادلات التي لها أكثر من حل، وقلت أن تقديري المتواضع للكرة ومجايلتي القصيرة للجلد المدور وتقييمي البسيط لأرقامها يقودني كما يقود عددا من أبناء جيلي لاختيار كريستيانو رونالدو أفضل لاعب في التاريخ بلغة ما كسره من أرقام تهاوت تحت قدميه كما لم تطاوع من غازل نفس الكرة قبله.
اليوم لا أبدي نجما ولا استئنافا على هذا الحكم، بل أدعمه بالتعليل وبما تماثل أمامي كما ترأى للعالم وهم يتابعون في نهائي اليورو مشاهد مثيرة، ومشاهد تحرك الغريزة والمشاعر الراكدة لتتفاعل مع لقطات خالدة للأسطورة كريستيانو رونالدو قبل وخلال وبعد النهائي بعد أن سرق الأضواء من بقية البقية التي كانت حاضرة بـ «سان دوني» فتحول للنجم الأوحد في هذا المشهد.
سأظل راسخا وثابتا على قناعة أن رونالدو هو أفضل من لمس الكرة عبر تاريخها، ولو أن هناك من سينتصر للأبيض والأسود ولـ «بيلي» وهو ما لن يغري ملايير حتى لا أقول ملايير البشر ممن يهيمون بعشق الكرة في الوقت الحالي.
وحين أقول من لمس الكرة وداعبها فلا أقصد الجانب المهاري الفطري الذي يولد مع اللاعب ويتطور، وإنما من كسر كل قواعدها وتحدى حتى نظم الجاذبية وتمادى ليجعل عديد أرقامه محل دراسة وتقييم إن كان هذا فعل بشر أم غير بشر؟
سمعت شهادة لمدرب يعتبر من أكثر مدربي العالم تتويجا بالألقاب، هو إبن الطانغو والمفروض أن ينتصر لميسي ومارادونا على ما سواهم من بقية من يداعبون هذا الجلد الملعون، وخلص أوسكار أثيريا لتقديم شهادة وهو المهووس بالدراسات السيكولوجية والنفسية ليقول «رونالدو هو أفضل ليدر» وأفضل «باطرون» وأفضل «عميد» تابعته في مساري ولم  أر قط مثيل، حين غادر الملعب وعاد ليتحامل على نفسه أيقنت أنه مبدع وعبقري، لا أقول أنه ممثل أو تظاهر بالإصابة لأنه ليس كذلك، بل غالب آلامه ليمرر رسالته لزملائه وليشاهدها العالم فتحول باقي الرفاق لمحاربين».
لن أخوض في نوايا ديشان وباييت وفكر الفرنسيين الذي انقلب كما ينقلب السحر على الساحر وهم يتعمدون إيذاء رونالدو وبأي طريقة بالتحام لم يكن أبدا عفويا وكان مقصودا، ليخلوا لهم طريق المجد يقينا منهم أن خروج رونالدو معناه فرش الطريق بالورود والتوجه رأسا للشانزيليزي للإحتفال.
لا أتعقب النوايا، ولن يكفيني هذا العمود لاستحضار أرقام رونالدو التي لا يضاهيه فيها سوى كريستيانو وحتى وميسي في عز وأوج عطائه أرهقه إبن ماديرا بقوة الإرادة والشخصية وعزم الفرسان والأبطال، ولا بطولاته ولا استمراره في العزف على وتر التألق لـ 14 سنة بنفس الإيقاع ودون كلل ولا ملل ولا حتى غرور، ولو طرحت مقارنة لا يصل معها قياس لغياب الفوارق باستحضار أفول لاعبي  المنتخب المغربي تباعا من أبناء جيل 2004 بتونس وهي نفسها السنة التي لعب فيها رونالدو نهائي اليورو ببلاده وظل حاضرا ومؤمنا بكسب الرهان الأكبر وما ضاع حق وراءه طالب ومجتهد، في وقت توارى واندثر فيه أسودنا وأبرزهم الشماخ وهم من رعيل رونالدو.
كل هذا لا يغريني وسجل رونالدو الإحصائي بالهاتريكات والسوبر هاتريكات التي هو ملكها وكونه الهداف التاريخي لتصفيات اليورو ونهائيات اليور والهداف التاريخي لريال مدريد والهداف التاريخي بأوروبا والهداف التاريخي لمنتخب البرتغال، والهداف التاريخي لعصبة الأبطال في مجموع الأرقام التي اقتربت من 100 هدف والهداف التاريخي للنسخة الواحدة للعصبة بـ 17 هدفا الموسم المنصرم و16 هدفا الموسم الحالي والهداف التاريخي للمان والهداف التاريخي حتى لليغا لو بدأنا العد والإحصاء من يوم حضر لهذه البطولة وقارناه مع ميسي الذي سبقه بنحو 5 سنوات.
أعترف بعجزي عن تعقب أرقام رونالدو التي ترهقني كما ترهق هواة الإحصاءات في وقت لم ترهقه هو ولا المجد والجاه والمال آخذ مأخذه منه وأضناه عن مواصلة المسير بنفس الإيقاع وبنفس الثقة والإرادة التي تستحق أن تدرس.
بل يغريني الجانب الإنساني الذي يزيد مزية وإضافة لرونالدو عن ميسي، في تعامله مع حاملي الكرات وملتقطي الأوتوغرافات ومتعقبي النجوم بلا غرور ولا كبرياء ولا حتى خيلاء ودعمه السنوي لمرضى السرطان وإسهاماته الإنسانية داخل وخارج بلاده، هو ما يعدمه البرغوث وبشهادة مريديه أنفسهم.
تغريني قوة شخصية هذا الفتى والمغناطيس الذي يؤثر به على البقية ولكم أن تتذكروا نهائي السوبر بين الريال وبرشلونة لما حضر بلباس رسمي ودعم غاريت بيل وانتهى الأمر بالأخير ليمارس أكبر هربة في تاريخ الكرة على البرشلوني بارطرا وتتويج فريقه باللقب، وبعدها تأثيره في مباراة المان سيتي على البقية في عصبة الأبطال وآخرها دوره الحاسم وهو يغالب آلامه و يتحامل عليها ليعود بضمادة على الركبة ناسيا قطع رباطه الصليبي أو تمزقه الأمر الذي استغربه طبيب ليفربول وقال عبر باقة «بي أن سبور» «إما أن تكون أحمقا أو شخصا خارقا غير عادي» لتعود للركض وبعدها للوقوف على قدميك بعد صدمة باييت العنيفة».
ما قام به رونالدو لم يقم به ميسي أمام الشيلي حين اختار الأخير الفرار من القدر والمصير ولم يجابههما بقوة وانعكست ارتعاشته على رفاقه فضاع اللقب واعتزل هو اللعب.
حرمت في فرشاة ملعب سان دوني كل الأحاسيس والمشاعر وأنا أرقبها قبل حركات الإحماء وهي ترافق رونالدو وأبت أن تفارقه، وحين سقط على أرض الملعب جاثيا عادت لتحط على حاجبه كما لو أنها تحط على وردة تمتص رحيقها وتحمل له العسل لاحقا.
الفراش لا يحلق إلا على الورود ذات الروائح الزكية، وذلك المشهد كان أقوة حتى من مشهد التتويج خاصة بعد عرضه البطيء، وكل ذلك لتخبر هذه الفراشة اليقين من به بداخله شك.. أن رونالدو وردة وفلة وأسطورة..