ربما كان يعلم الجميع أن سيسك فابريجاس سيكون لاعب كرة قدم، وربما كان يعرف أيضًا أنه سيرتدي الرقم 4 كما توقع قدوته بيب جوارديولا، لكن لم يكن أحد يعلم أن ذلك الشاب الإسباني الماهر سيتحول إلى أحد أميز لاعبي خط الوسط في عاصمة الضباب لُندن. 

كل شيء في حياة فابريجاس كان يحوم حول برشلونة، إذ أنه لم يكن يُفوّت ولو مُباراة وحيدة لفريقه في الكامب نو، لكن علاقته بالنادي الكتلوني لم تكن سهلة حتى في بدايتها. 

«قبل فترة طويلة من التوقيع لبرشلونة، ذهبت للقيام باختبار مع الفئات السنية الصغرى للنادي، وارتديت حينها قيمص برشلونة لأول مرة في حياتي لألعب مُباراة كرة قدم رسمية»... فابريجاس كان يرتدي قميص برشلونة في قريته، حيث كان يتجول به مُفتخرًا، لكنه لم يكن يرتديه أبدًا في المُباريات الرسمية.  

لم يكن قد بلغ سن العاشرة بعد، لكن فابريجاس مازال يتذكر شيئًا مميزًا من التجارب التي كان يخوضها في لا ماسيا «أتذكر وجود مُدافع طويل ذي شعر أشقر، والحقيقة أنه كان مُدافع رائعًا»...ذلك المُدافع هو جيرارد بيكيه، والذي كان يلعب حينها ضد فابريجاس الذي كان يشغل مركز رأس الحربة، قبل أن يعود جوارديولا ويقوم بنفس الأمر، لكن بعد 15 سنة، حيث أشركه كمهاجم مزور...لكن مدرسة برشلونة لم تتصل مُجددًا بسيسك بعد تلك الاختبارات. 

سيسك لم يستسلم، وواصل اللعب مع فريق قريته «آرينيس دي مار»، قبل أن ينضم لأهم فريق في منطقته والذي يُطلق عليه «ماتارو»، لكنه لم يقض هناك سوى ستة أشهر. المُدربون كانوا يخفونه في كل مرة كانوا يلعبون ضد برشلونة «الحقيقة أنهم كانوا يُبعدوني عن المُباريات في كل مرة كان يحضر فيها أحد كشافي المواهب من برشلونة. لقد اكتشفت ذلك مع مرور الوقت، لكني حينها لم أكن أفهم شيئًا»

لكن إخفاء الموهبة أمر مُستحيل، فما هي إلا أشهر قليلة حتى تمكن أحد كشافي المواهب «رودولفو بوريل» من اقتناص سيسك فابريجاس، بعد أن لاحظ ذكاءه وقدراته الخارقة في وسط الميدان، ليجلبه للاماسيا حيث كوّن صداقة كبيرة مع جيرارد بيكيه. 

بعد سنة من وصوله لمدرسة برشلونة، التحق ليونيل ميسي بالنادي ليكتشف سيسك أن هناك من أهم أكثر خجلًا منه «لقد فزنا حينها بكل شيء. لقد كنا فريق الشبان "بي" الوحيد الذي تمكن من خطف البطولة من فريق الشبان الأول لإسبانيول. الموهبة التي كان يتوفر عليها الفريق حينها كانت أفضل شيء رأيته على مستوى الفئات السنية الصغرى»

لكن الطريق التي كانت ستقود كل هؤلاء المواهب للفريق الأول أغلقت سنة 2003، قبيل بداية كأس العالم لأقل من 17 سنة، والتي بدأها فابريجاس كلاعب احتياطي وأنهاها كهداف للبطولة. القصة يعرفها الجميع: فابريجاس غيّر معشوقه برشلونة بآرسنال الإنجليزي.

تلك الخطوة كانت الأولى لفابريجاس في طريق النضج كلاعب كرة قدم «أشياء كثيرة جعلتني أنتقل لآرسنال. لقد كنت سعيدًا جدًا في برشلونة، لكني رأيت كيف تم تصعيد بيكيه وميسي لفريق الشباب الأول، كما أن رودولفو الذي جلني للنادي لم يعد متواجدًا في منصبه» 

رحيل رئيس النادي حينها «جوان جاسبارت» جعله أكثر شكًا حول مُستقبله، قبل أن تُتاح له فرصة آرسنال «لقد تابعوني لقرابة الـ48 مُباراة قبل أن يتحدثوا معي»
فريق المدفعجية استدعى سيسك فابريجاس وعائلته إلى لندن بعد ذلك «آرسين فينجر استقبلنا بنفسه رفقة نائب الرئيس ديفيد دين، وعرضوا علي التمرن مع الفريق الأول منذ السنة الأولى. لم أفهم أي شيء! ماذا كانوا يُريدون أن يفعلوا بصبي مثلي؟! إنه فصل الصيف، لماذا لم يذهبوا لقضاء العطلة؟ لقد كنت مُتفاجئًا لأنهم أوقفوا كل شيء من أجل طفل قادم من برشلونة

لكن بالنسبة لفينجر، سيسك لم يكن طفلًا عاديًا، وهو أمر اكتشفه العالم بأسره بعد ذلك. 

«لقد طلبوا مني اللعب مع الفريق الأول بعد وقت صغير ووثقوا بي كثيرًا، لكني لم أكن حينها أصدق كلما يحصل لي، هل هم يبيعون الأحلام لي؟!...الحقيقة كانت تقول أن فينجر أوقف عطلته في فرنسا من أجل الحديث معي بنفسه، وذلك كان محوريًا في القرار الذي أخدته، وكل شيء كان رائعًا بعد ذلك» تأقلم فابريجاس مع آرسنال كان سهلًا وسريعًا، إذ كان على علاقة مميزة مع فيليبي سانديروس الذي كان يقطن معه في بيت سيدة اسمها نورين «لقد كنت أطلب منها باستمرار أن تُحضّر لي الباستا بالطماطم ورقائق البطاطس...لم أكن أطبخ لنفسي أبدًا لأنني سيئ جدًا في ذلك، لكني كنت أتقاسم الطعام الذي تبعثه لي عائلتي معهم. تأقلمي هناك لم يكن صعبًا كما قد يبدو» 

 أما تطور مستواه فقد كان لا يُصدق «لم يكن بإمكان الأمور أن تسير معي بشكل أفضل. لقد كنت أصغر لاعب في التاريخ يلعب مع الفريق الأول لآرسنال، وأصغر لاعب يُسجل في الدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا. ذلك مكنني من الوصول للمستوى الذي أنا عليه منذ 12 سنة، وذلك أمر صعب جدًا اليوم. اللعب مع الكبار يحتاج قوة بدنية وسرعة لا تُصدق. الشيء الوحيد الذي تستطيع القيام به هو أن تواصل تدريب جسمك وعقلك على تحمل الأمر لأطول فترة مُمكنة»

سيسك فاز بالعديد من الألقاب منذ بدايته كلاعب كرة قدم مُحترف «أنا محظوظ لأنني لعبت الكثير من المُباريات النهائية وفزت بالكثير منها...لقد فزت بكل شيء ممكن تقريبًا»

لكنه لم يتمكن بعد من الفوز بدوري أبطال أوروبا «دوري الأبطال كان حلمي منذ أن كنت طفلًا صغيرًا»...فبالنسبة لكتلوني يُشجع برشلونة، يبقى اللقب الأوروبي هو أكثر شيء يطمح له لاعب كرة القدم، خاصة وأن الكتلان لا يشعرون بالانتماء كثيرًا للألقاب المحلية. سيسك مازال مُصرًا على حلمه رغم اعترافه بصعوبة المهمة «حاليًا، البايرن وبرشلونة أقوى من البقية...الريال يملك فريقًا قويًا بدوره، فيما يأتي البقية وراءهم»

الموسم السيء الذي يبصم عليه تشيلسي والذي أدى لرحيل مورينيو وقدم جوس هيدينك لم يجعل فابريجاس يفقد الأمل في الفوز بدوري أبطال أوروبا هذا الموسم «رغم أننا لسنا الفريق المرشح للفوز باللقب، كرة القدم تبقى لعبة المُفاجآت، وليس الأفضل هو من يفوز دائمًا. الأمر ليس مستحيلًا، وسنحاول الفوز باللقب 

غول