شدنا إليه متفاعلين ومتحفزين بل وشغوفين بتحقيق النجاح، المنتخب الجزائري الشقيق وهو يدخل مباراته الثانية أمام التنين الكوري الجنوبي بخيار الفوز ليس إلا، ليبعث من رمادها الآمال الأخيرة للصعود إلى الدور الثاني لكأس العالم وهو الذي كان قد خسر المباراة الأولى له أمام شياطين بلجيكا الحمر بشكل لم نستصغ معه طريقة التدبير التكتيكي للمباراة ولا حتى الحرص المبالغ فيه من مقدرات المنتخب البلجيكي.
وكان مثيرا للإعجاب حقيقة أن المدرب وحيد حاليلوذزيتش الذي تعرض لغارات عنيفة من النقد، لم يركب رأسه ولم يبد ما يظهره غيره من المدربين من عناد، بل إنه وظف ما كان ممهدا لنجاحاته، إستفزاز الملكات واستنفار كل الطاقات البشرية التي ما ضمها للائحة 23 لاعبا موندياليا إلا لأنه كان يعرف لها هوية ومقدرات، لذلك فاجأنا جميعا نحن من كنا نصر على ضرورة أن يقدم المنتخب الجزائري أمام التنين الكوري الجنوبي صورة مغايرة تماما لتلك التي قدمها أمام بلجيكا، بأنه أوقع بالفريق خمسة تغييرات دفعة واحدة جعلتنا أمام منتخب جزائري يغرس كل الأنياب في التنين الكوري لينتزع فروته وليجهز عليه منذ الجولة الأولى عندما تقدم عليه بثلاثة أهداف، من دون أخذ بالإعتبار ضربة الجزاء غير المحتسبة والفرص التي ضاعت وسط الطريق.
إن ما قاد محاربي الصحراء إلى تحقيق فوز مونديالي طال إنتظاره لمدة قاربت 32 سنة، منذ أن هزم زملاء رابح ماجر والأخضر بلومي منتخب الشيلي بمونديال 1982 بإسبانيا، هو أن وحيد أزال عنه غشاوة المونديال وتجاوز مرحلة الخوف المسئول الذي يسيطر في العادة على كل مدرب يقبل لأول مرة على المونديال بلاعبين في ريعان النضج، وقدم منتخب الجزائر بالتشكيل والتشكيلة اللتين تجسدان التطابق الكامل مع الممكنات ومع إمكانات منتخب كوريا الجنوبية، فجاء الفوز بالرقم وبالأداء ليقرب الثعالب من حلم سعت إليه كرة القدم الجزائرية منذ أن قيد لها المشاركة سنة 1982 لأول مرة بنهائيات كأس العالم.
الفوز إذا على منتخب كوريا أعطى لمنتخب الجزائر مرتبة ثانية في المجموعة الثامنة خلف المنتخب البلجيكي المتصدر بالعلامة الكاملة والنقاط الست، وإذا كانت هناك حاجة ماسة للحفاظ على هذه الرتبة الثانية والتي تمنح حق المرور إلى الدور ثمن النهائي، فإن ذلك لن يكون ممكنا إلا إذا تمكن المنتخب الجزائري من تحقيق التعادل على الأقل في المباراة الثالثة التي سيلعبها اليوم الخميس مواجها لمنتخب روسيا الذي يمر تأهله للدور الثاني من الفوز على الجزائر.
في النهاية هل يوجد في المنتخب الجزائري لعبا وأداء وشخصية ما يقول بإمكانية إسقاط الدب الروسي في الموقعة الحاسمة؟
وهل من الضروري أن يلعب المنتخب الجزائري محتاطا وحذرا لاحتواء السعار الذي سيتملك اللاعبين الروس ويبحث عن نقطة فقط؟
في العادة نقول أن المدربين الواقعيين لا يغيرون فريقا يفوز ولا يتنازلون على نهج وأسلوب لعب يضمن لهم التعبير بواقعية كبيرة عن مقدرات لاعبيهم، لذلك لا نتوقع من وحيد سوى تغييرات طفيفة في منظومة اللعب للتعامل مع سياقات المباراة وأيضا لترويض المنتخب الروسي الذي يلعب المباراة بخيار الفوز ليس إلا، وننتظر أن تكون الروح الإنتصارية التي طبعت مباراة كوريا الجنوبية هي ما سيطبع المباراة أمام روسيا، ومن دون مزايدة أو مغالاة أو إفراط في التفاؤل فإن المنتخب الجزائري يملك مصيره بيده، بل إن له كل المؤهلات ليتجاوز المنتخب الروسي الذي شاهدته بموسكو يواجه المنتخب المغربي ولا يفوز عليه إلا لما كان من فوارق في المخزون البدني والوعاء النفسي والروح الإنتصارية وشاهدته يلعب على إستيحاء أمام كوريا الجنوبية ويتعادل إيجابا وأمام بلجيكا وينهزم بالضربة القاضية.
نتمنى صدقا أن يستمر المنتخب الجزائري في إسعاد العرب والأفارقة ويهديهم ما هو رمز للفخر وما هو قادر عليه، بأن يكون ثالث منتخب عربي يصل إلى الدور ثمن النهائي للمونديال بعد أسود الأطلس بمونديال المكسيك سنة 1986 والأخضر السعودي بمونديال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1994. 
..........................................................................
وجد وحيد حاليلوذزيتش في الفوز التاريخي الذي حققه الخضر على حساب كوريا الجنوبية هو وبعض من نجومه فرصة ليصفوا حسابهم مع عينة من الصحفيين الجزائريين، فبينما أحجم لاعبون جزائريون ممن ذبحوا علنا على أعمدة الصحف عن تقديم تصريحات صحفية بعد المباراة، تصدي وحيد في الندوة الصحفية لمن شنقوه إعلاميا عندما قال متوجها لحضور ندوته الصحفية: 
«أعرف أن هنا في هذه القاعة من لا يسعدهم هذا الفوز، ذاك شأنهم فما حققناه اليوم لم يكن لهم ولكن حققناه لشعب جزائري يساندنا، لقد قالوا فينا ما شاءوا من أكاذيب صدقها الناس، ذبحونا إعلاميا وها نحن اليوم نرد على الإفتراءات بأجمل وأقوى صورة...».
لا أستطيع أن أنتصر لكل ما يمكن أن يسقطه وحيد حاليلوذزيتش على الإعلام عندما يضع البيض في سلة واحدة، ولكن لا يمكنني أن لا أقتنع بالمرارة التي يستشعرها المدرب وحيد وكل اللاعبين الذين ذهب بعض الصحفيين إلى التشهير بهم والمزايدة بوطنيتهم، فهناك بالتأكيد ما يمكن أن يصيب بالحكرة وما يستشيط له الإنسان غضبا.
لو كان ذاك الغضب يتحول إلى شرارة تلهب الحماس عند وحيد ومحاربيه فأهلا به، فرب ضارة يأتي منها النفع العميم.

بدرالدين الإدريسي