كدنا ذات وقت نعتقد صدقا لا خطأ أن منتخب الأرجنتين في مباراته الأولى أمام البوسنة والهيرسيك يلعب من دون عميده وملهمه وساحره ليونيل ميسي، فقد إنصرم وقت طويل ولا حس ولا خبر عن رجل بقامة متوسطة وبقدرة رهيبة على إبتلاع المسافات والخصوم بإنجاز متواليات فنية لا قبل للاعب آخر بها، ذلك أن ليونيل ميسي إختار طوعا أو كرها أن يذوب وسط كماشة من مدافعي البوسنة وهو الذي حشر في جبهة الهجوم مع أغويرو الذي مالت كفته على حساب المثير للجدل تيفيز بتوجيه من البرغوث.
لم نلحظ والجولة الأولى تنتصف تم تنتهي أي وجود مؤثر لليونيل ميسي الرجل الذي جاء إلى مونديال البرازيل حاملا على كتفين صغيرتين أحلام شعب بكامله، وجاء أيضا لينتزع أخيرا صفة الخلود التي تضعه في مرتبة أساطير كرة القدم إلى جانب مواطنه دييغو أرماندو مارادونا والبرازيلي بيلي، فقد كان بالتوظيف التكتيكي الذي وضع بالمقاس على ميسي نوع من الضبابية التي جعلت من ليو فاقدا للنجاعة وعديم الجدوى برغم أنه إختار ذات وقت الخروج من مقصلة الدفاع البوسني ليشم هواء الحرية.
إنقضى النصف الأول من المباراة والمنتخب الأرجنتيني متقدم بهدف سجل بالخطأ في مرمى البوسنة، وكان أكثر لاعب أثار الإنتباه في المباراة هو بيانيتش صانع الألعاب البوسني ونجم نادي روما الإيطالي زميل عميد أسود الأطلس المهدي بنعطية، الذي أخرج من قنديله السحري ومضات جميلة يؤسف أنها لم تضئ كفاية الطريق نحو شباكم روميرو حارس مرمى الأرجنتين.
شخصيا لم أفهم أن يكون  المدرب أليخاندرو سابيلا قد إختار لمنتخبه الأرجنتيني شاكلة 3-5-2 من دون أن يسجل عليها تنشيط هجومي يتناسب مع الطاقات الفنية والإبداعية الكبيرة للاعبيه، فباستثناء أنخيل دي ماريا الذي يملك سخاء كبيرا في بذل الجهد وفي الإتيان بما هو غير متوقع، لم يكن أي من اللاعبين الأرجنتينيين بمن فيهم ميسي بارزا في المباراة حتى أننا ساءلنا سابيلا عن جدوى الركون لشاكلة 3-5-2 إذا كان توظيفها سيغلب عليه الهاجس الدفاعي ونحن نرى خمسة مدافعين يتكومون في المنتطقة الخلفية، وما جدوى وضع ميسي وأغويرو على خط واحد وما بينهما لغة تكتيكية غير مفهومة لا تفضي إلى حوارات هادفة.
من رجاحة عقل وليونة المدرب سابيلا وعدم إنغلاقه في منظومة لعب واحدة، أنه تنبه إلى ضرورة تحوير أسلوب اللعب لحماية هدف السبق، حتى لا تضيع النقاط الثلاث وحتى يأمن على فريقه من صحوة أكيدة للمنتخب البوسني، فعمد إلى الإنتقال من 3-5-2 إلى 4-2-1-3 بوضع جاجو سقاء إلى جانب ماسكيرانو وبإلحاق هيغواين في جبهة الهجوم مع أغويرو وبوضع ميسي في مركز صانع للعب ما أعطاه مساحة أكبر للإبتكار وقدرة على الإنطلاق من الخلف بالإعتماد على سرعة المراوغة.
هذا الترميم التكتيكي أعطانا خلال الشوط الثاني منتخبا أرجنتينيا لا أدعى أنه بلغ درجة الإكتمال في الأداء الجماعي والتطابق مع الإمكانات الفردية، ولكنه كان أفضل من حيث تدبير المباراة في الجولة الثانية بدليل أن ميسي إستعاد نفسه وبريقه بأن سجل هدفا من ماركة مسجلة وبأن كان وراء تمريرات حاسمة لم تستثمر جيدا من هيغواين وأغويرو وكلاهما ما زال في مرحلة التسخين.
كان فوز الأرجنتين متوقعا وإن لم يكن قد تتحقق باليسر والجمالية اللذين ظنهما الكثيرون، وكان الهدف الذي وقعه ميسي بمتابة خروج من كهوف الشك التي دخلها البرغوث هذا الموسم مع ناديه برشلونة، وأتحفنا منتخب البوسنة والهيرسيك بكرة قدم جميلة التي هي صورة من المعزوفة اليوغوسلافية السابقة التي عزفها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي جيل المدرب سوزيتش ووحيد حاليلودزيش وجيل سوكر ومياتوفيتش وإن كانت الهزيمة مرة المذاق وصعبة الهضم.  

بدرالدين الإدريسي

ADVERTISEMENTS