الفيفا سحبت من المغرب تنظيم مونديال 2010 عن سبق ترصد وتأمر
أسرار ليلة سرق فيها مشروع أمة وتحطم عندها رهان قارة
كيف إختفى دامسي سنة 2000 وكيف إبتلعت زوريخ وارنر سنة 2004؟
بهذه الطريقة جعل وارنر من الكونكاكاف محور المؤامرة وبؤرة الفساد
جنوب إفريقيا لدغتنا بسم لدغته بها ألمانيا أمام مرأى من بلاتر
تطابق كبير بين ما قاله بن همام وما قاله باهامجي
بأي شكل سيطلب المغرب القصاص والتعويض عن ضرر كبير؟
فجأة وبفعل زلزال عنيف سقطت الجدارات الحاجبة وتهاوت الحصون المانعة، ومن الجحور بدأت تخرج الحقائق والأسرار التي تشير إلى أن الفيفا المؤسسة التي كان السيد بلاتر يتباهى بأنها الأغنى والأقوى والأكثر مقاومة لكل الأعاصير الإقتصادية التي تضرب المؤسسات الكبرى والدار التي تنتصر فيها الديموقراطية، هي دجاجة تبيض ذهبا ولكنها أيضا وكر للفساد ومرتع للفضائح وأرض خصبة للخديعة وبيت للديكتاتورية.
ومع إنتشار خبر صدرته صحيفة بريطانية يقول بأن المغرب تعرض لنهب دولي غير مشروع وهو يسلب حق تنظيم كأس العالم 2010، يكون ضروريا أن نقف عند هذه الفعلة الشنيعة التي يحاكم عليها الضمير الإنساني والأخلاقي.
تعالوا نبحر بكم إلى زمن كنا سباقين للوقوف عند كثير من الصور الدالة على فساده وكثير مما يؤكد ولاءه لنظرية المؤامرة.
سحب الفساد في سماء زوريخ
كان زلزالا مدمرا ذاك الذي شهدته زوريخ السويسرية عشية إنعقاد الكونغرس الواحد والستين للإتحاد الدولي لكرة القدم، ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي يكشف عن وجود خروقات وتجاوزات ورشاوى إرتبطت بأشخاص ضالعين في المسؤوليات داخل المؤسسة الرياضية الأغنى والأقوى بين كل المؤسسات الرياضية العالمية.
زلزال برغم ما تركه من شروخ ومن تصدعات، فإن السويسري بلاتر كعادته في الهروب للأمام أصر على أن يعقد للفيفا دورتها الإنتخابية متحديا ما فاح من روائح كريهة وما إنتشر من فضائح، ليساق إلى ولاية خامسة قبل أن تقض مضجعه مطاردات وتهديدات ليشهر بعد أربعة أيام إستقالته، معترفا بأنه لا يمكن أن يكون الرجل الذي تحتاجه هذه الظرفية الصعبة التي تجتازها الفيفا وقد أحاطت بها المصائب من كل جانب ورميت بالفضائح من كل حدب وصوب.
سقط بلاتر فخرجت الفضائح من الجحور
وكان يكفي أن يعلن بلاتر مكرها لا بطلا خروجه الصاغر من بيت الفيفا الذي كان يتنفس من أوكسيجينه ويدار بثعلبيته، لتبدأ الهزات الإرتدادية في ضرب بيت الفيفا الواحدة بعد الأخرى محدثة رجات عنيفة، ولربما كان أقواها وأشدها وطأة وإصابة بالحزن ما كشفت عنه الصحيفة البريطانية «سانداي تايمز»، من أنها توصلت سنة 2009 إلى تسجيل صوتي حصري وخطير للغاية، يقول فيه البوتسواني إسماعيل باهامجي وقد كان عضوا ممثلا للإتحاد الإفريقي لكرة القدم داخل تنفيذية الفيفا، بأن الإتحاد الدولي لكرة القدم سلب من المغرب حق تنظيم كأس العالم لسنة 2010 بتحايله على كشف التصويت السري، ذلك أن المغرب كان متقدما على جنوب إفريقيا بصوتين ليعلن في النهاية خاسرا بفارق أربع أصوات.
الإعتراف الحصري والخطير الذي حصلت عليه الصحيفة البريطانية قبل ست سنوات وتكشف اليوم عنه، قالت أنها خاطبت بشأنه جوزيف بلاتر الذي وعد بتعميق التحقيقات بشأنه، إلا أنه طمس الموضوع وسكت عنه، إن لم يكن قد تحرك في شتى الإتجاهات للإجهاز على كل من سرب الأمر.
ويزيد من صدقية هذه التصريحات التي أطلقها وقتها البوتسواني إسماعيل باهامجي وهو الذي سينحى من عضوية المكتب التنفيذي للفيفا بعد تورطه ببيع تذاكر في السوق السوداء لمباريات كأس العالم 2006 بألمانيا، ما قاله أيضا الأمريكي شوك بلازير الذي حضر لسنوات في تنفيذية الفيفا ممثلا لمنطقة الكونكاكاف، والذي يعتبر اليوم الخيط الرفيع الذي يقود مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي إلى بؤر الفساد وجيوب الرشوة، من أنه حصل مع بعض أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا على رشاوى تتعلق أساسا باختيار البلد المنظم لكأس العالم 1998 و2010.
وعد بلاتر لا ينقض
يؤكد هذا الذي يتداعى على مسرح الأحداث من حقائق مؤلمة وجارحة كانت متمنعة في الكهوف السرية خوفا من بطش الرئيس جوزيف بلاتر، ما كنا قد إنتهينا إليه داخل «المنتخب» ونحن نواكب السباق الساخن والمثير الذي دخله المغرب مع جنوب إفريقيا سنتي 2003 و2004 لنيل شرف تنظيم المونديال وهو يقام لأول مرة على أرض إفريقية، من أن أساليب المكر والتدليس قد حضرت كلها متحالفة من أجل تجريد المغرب من شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم لسنة 2010 ضدا على رغبة مبرمجة ومهندس لها بعناية من طرف بلاتر وأتباعه لإسناد تنظيم المونديال لجنوب إفريقيا.
لقد تمكن المغرب بشكل باغث الجميع بل وصدم بعضهم بمن فيهم بلاتر، من كسر طوق كانت الفيفا تعتقد أنها صنعته من فولاذ لحماية عنق جنوب إفريقيا، وتيسير وصول كأس العالم إليها تنفيذا لوعد كان قد تقدم به بلاتر للجنوب إفريقيين سنة 2000 عند إختيار ألمانيا بلدا مستضيفا لنهائيات كأس العالم 2006.
وللأمانة فإن الفيفا ما فعلت شيئا وقتذاك، سوى أنها عالجت مؤامرة بمؤامرة أشد منها وطأة وضراوة وقذارة أيضا.
كيف ذلك؟ تعالوا نجرد هذه الأحداث لنفهم كيف نسخت مؤامرة ما قبلها.
القيصر يحمل أحلام ألمانيا
بداية من سنة 1992 عاود ألمانيا الحنين لتنظيم كأس العالم وهي التي كانت قد نظمت بأعلى درجات النجاح دورة 1974 التي شهدت تتويج رفقاء القيصر فرانز بيكنبارو باللقب العالمي بعد النهائي المثير أمام أصدقاء الهولندي الأسطورة يوهان كرويف، وقد كان من حسن الطالع أن تكون الشخصية التي إستقر عليها الإتحاد الألماني لكرة القدم لترأس لجنة ترشيح ألمانيا لتنظيم مونديال 2006 هو القيصر بيكنباور الذي قاد المانشافت لاعبا ثم مدربا للفوز بكأس العالم.
إلى جانب ألمانيا، ترشح المغرب في ثالث محاولة له بعد فشله في محاولتين سابقتين (1994 و1998) وترشحت لأول مرة جنوب إفريقيا وعادت أنجلترا لتجريب حظها وكلها طموح لتنظيم ثاني مونديال بعد الأول لها سنة 1966 وكان خامس المتنافسين البرازيل الذي نظم المونديال مرة وحيدة سنة 1950.
أعلنت الفيفا يوم السادس من يوليوز من سنة 2000 موعدا لاجتماع على درجة كبيرة من الأهمية لمكتبها التنفيذي، كيف لا وهو الإجتماع الذي سيكشف هوية البلد المنظم لكأس العالم 2006، وإلى زوريخ حضرت البعثاث الأربع المتنافسة على شرف تنظيم كأس العالم، وقد أستثنيت البرازيل لأنها أعلنت إنسحابها من السباق بعد أن تبين لها أن حظوظها تكاد تكون منعدمة في الحصول على شرف التنظيم، إذ كان التوجه هو أن تذهب كأس العالم إما لأوروبا أو لإفريقيا لأول مرة.
بعد تقديم العروض، بدأت مرحلة الجد وتوجه الأعضاء 24 المشكلون للمكتب التنفيذي للفيفا إلى الإقتراع السري الذي سيمر لأول مرة من ثلاثة أداور، فقد إنتهى الدور الأول بحصول ألمانيا على 10 أصوات وجنوب إفريقيا على 6 أصوات وأنجلترا على 5 أصوات والمغرب على 3 أصوات ليكون المرور إلى الدور الثاني الذي أقصي منه المغرب لحصوله على أقل نسبة من الأصوات.
خلال الدور الثاني أضافت ألمانيا لرصيدها صوتا واحدا وأصبح لها 11 صوتا، إلا أن المفاجأة كانت في الصعود الصاروخي لجنوب إفريقيا التي نالت 11 صوتا عندما ضمت إليها الأصوات الثلاثة التي كانت للمغرب في الدور الأول وأخذت صوتين من رصيد إنجلترا التي فقدت 3 أصوات وبالتالي استبعدت من الدور الثالث الذي كان لزاما المرور إليه للفصل بين ألمانيا وجنوب إفريقيا المتساويين في الدور الثاني بـ 11 صوتا لكل منهما.
أين إختفى دامسي؟
باللجوء للدور الثالث والحاسم كانت هناك حاجة لمعرفة أين سيذهب الصوتان اللذان بقيا لإنجلترا في الدور الثاني، فإن ذهبا معا لألمانيا حسمت الأمور لصالحها، وإن ذهبا معا لجنوب إفريقيا أصبح بلد مانديلا أول بلد إفريقي ينظم كأس العالم، أما وإن وزعا عليهما معا فإن التعادل في الأصوات (12 مقابل 12) سيجر الرئيس جوزيف بلاتر إلى الكشف عن تصويته، لأن صوته أنذاك سيصبح حاسما عند حصول تعادل في الأصوات كما هو مثبت في اللوائح.
في هذا الدور الثالث سيحدث ما لم يكن يتوقعه أحد، أو ما يمكن أن يكون قد جرى تدبيره في الكواليس بكثير من المكر والخبث، فقد بحث الأعضاء عن زميل لهم هو النيوزيلاندي شارل دامسي، إلا أنهم لم يعثروا له على أثر، وكأنما إنضقت الأرض وإبتلعته، ليجرى الدور الثالث في غيابه وتحصل ألمانيا على 12 صوتا وبقيت جنوب إفريقيا بذات الرصيد 11 صوتا، وتتفجر فضيحة إختفاء شارل دامسي الذي قال فيما بعد أنه حصل من إتحاد أوقيانوسيا على تعليمات بمنح صوته لجنوب إفريقيا، إلا أنه عند المرور للدور الثالث تعرض لضغوط كبيرة إستوجبت إنسحابه بتلك الطريقة الفجة الدالة على وجود مؤامرة حيكت في الكواليس.
هذه المؤامرة قررت الفيفا التغطية عليها بتقديم وعد صريح بأن كأس العالم 2010 ستنظم على أراضيها، قبل أن يشجع هذا الإنفجار الخطير لعبوة الأسرار، الصحيفة الألمانية «دي زييف» للإعتراف بأن ألمانيا إشترت تنظيم كأس العالم 2006 بسلسلة من الإستثمارات قامت بها داخل قارة أسيا، فقد أشارت إلى أن المجموعة الصيدلية «بايير» ومصنع السيارات «فولسفاغن» قامتا معا باستثمارات ضخمة بنيوزيلاندا وكوريا الجنوبية وهما معا كان لهما عضوان مصوتان في المكتب التنفيذي للفيفا.
المداورة الحل السحري
أيقن بلاتر وحواريوه من الأعضاء النافذين داخل المكتب التنفيذي أن هناك حاجة ماسة لإخراس الأفواه والتغطية على زلة فظيعة ورفع ظلم كان قد وقع على جنوب إفريقيا، فكان الخيار الأسلم لتجاوز الرجة العنيفة هو أن يقدم بلاتر وعدا لا يقبل النقض لجنوب إفريقيا بتنظيم كأس العالم 2010 بعد أن أخذ بخاطر قادتها الكبار وأثناهم عن كل محاولة للتصعيد.
ولكي يضمن بلاتر لجنوب إفريقيا تنظيم مونديال 2010، فقد كان عليه أن يعبد لها الطريق، فكان أن أصدر باسم اللجنة التنفيذية قرارا يقضي بإعلان نظام المداورة بين القارات، وبأن إفريقيا هي التي ستكون البادئ بهذا النظام على إعتبار أنها القارة الوحيدة التي لم تحظ بشرف تنظيم كأس العالم، وتلك كانت تلميحات صريحة لجنوب إفريقيا بأنها هي من سينظم مونديال 2010.
ما كان للمغرب برغم هذه التربيطات والإيحاءات والوعود المسبقة الدفع، أن يدير ظهره للسباق المفضي إلى تنظيم كأس العالم لأول مرة على الأرضي الإفريقية، وكيف يفعل ذلك وهو من تجرأ لأول مرة وترشح لكسر الإحتكار الأورو أمريكي لتنظيم المونديال منافسا على استضافة دورة 1994.
دخل المغرب السباق الطاحن والقوي برؤية جديدة وبمقاربات مختلفة عن حملاته الترشيحية الثلاث الأولى التي إفتقدت لكثير من المهنية ودلائل الإقناع وبفلسفة تنم عن وجود إستفادة من كل الدروس المتراكمة، فقد وضع فريق سعد الكتاني خارطة إشتغال يمكن القول أنها غيرت بشكل مدهش الكثير من المعطيات والحقائق، فبرغم أن الفيفا سربت الجزم بأن المونديال لن يقام لأول مرة بإفريقيا إلا على أرض جنوب إفريقيا، إلا أن لجنة ترشيح المغرب أمنت بحظوظها وبقدرتها على قلب الطاولة على أضلاع اللعبة.
وقد كان رائعا ومدهشا أن لجنة ترشيح المغرب مستفيدة من بدء الأشغال بالملاعب المونديالية الثلاثة بكل من مراكش وطنجة وأكادير ومستفيدة أكثر من أوراش البناء والتعمير التي إنطلقت على عهد ملك شاب ومن صور البناء المجتمعي الديموقراطي التي جرى تصديرها من المغرب إلى الدول النامية، تمكنت من ربح مسافات كثيرة ربما كانت تفصلها عن جنوب إفريقيا بحكم ما جرى الترتيب له في السر والعلن، وبدا ممكنا ما كان ذات وقت مستحيلا، بخاصة وقد تحالف نجوم كبار مع ملف المغرب أجادوا الترويج لبلد هو الأمثل بين دول القارة السمراء لتنظيم مونديال ناجح بكل المقاييس.
جنوب إفريقيا تستشعر الخطر
باقتراب لحظة الصفر ستستشعر جنوب إفريقيا خطرا داهما وقد تأكد لها أن المغرب ربح مسافات كثيرة قلصت ما كان بينهما من فارق وأن الرحلة الأخيرة نحو لحظة الإعلان عن البلد المستضيف لنهائيات كأس العالم ستكون مجنونة، فما كان يظنه الكثيرون، من أن الفيفا عقدت صفقة مع جنوب إفريقيا لتمرر لها بكل الطرق كأس العالم 2010، بات أمرا لا يحتمل الكثير من الصدق ولا يمكن قطعا الجزم به.
ومثلما كان الخطاب الجنوبي إفريقي محمولا على نبرة الثقة المغالى فيها أحيانا، فإن الخطاب المغربي تقوى بشكل كبير وموعد إجتماع المكتب التنفيذي للإتحاد الدولي لكرة القدم يقترب، إذ طلعت أصوات تتحدث عن وجود منافسة شرسة وأن الفيفا وعلى رأسها بلاتر قد تصبح في حل من الوعود التي بسطتها أمام جنوب إفريقيا، والحقيقة أن ذلك كله سيضطر بلاتر إلى أن يفتح الدهاليز المرصودة ليطلع بما كان له عونا في تيسير الكثير من الأمور، فكما أن إختفاء النيوزيلاندي شارل دامسي في الدور الثالث للتصويت على البلد المستضيف لكأس العالم 2006 لتيسير فوز ألمانيا بالتنظيم وإعفاء البوص بلاتر من كشف نواياه، فإن وارنر وعصابته سيكون ورقة بيد الفيفا للإجهاز على حظوظ المغرب.
كان التفاؤل يغمر الوفد المغربي الذي قاده إلى زوريخ الأمير مولاي رشيد لحضور مراسيم التصويت على البلد المستضيف لكأس العالم، تفاؤل كان مصدره اليقين الذي كان للجنة الترشيح من أن التصويت سيلعب على جزئيات وأن ما كان مقيدا من أصوات لجنوب إفريقيا لإعطائها فوزا مريحا لا يمكن الإعتداد به وأنه لم يعد من المسلمات.
لم يكن الليل قد إنتصف بزوريخ يوم الرابع عشر من أبريل سنة 2004، أي في اليوم الذي يسبق إجتماع المكتب التنفيذي للفيفا للتصويت سرا على البلد المنطم لمونديال 2010، عندما شعر المغاربة بأن هناك خديعة قد تم تدبيرها بشكل سري من قبل جنوب إفريقيا التي أحست بأن الأصوات بدأت تهرب منها الواحد بعد الآخر، فقد جاء إلى أعضاء الوفد المغربي من يخبرهم بأن الترينيدادي جاك وارنر رئيس إتحاد الكونكاكاف والضامن لثلاثة أصوات قال أنها للمغرب وقدم لأعضاء في اللجنة التنفيذية للفيفا ضمانات على ذلك، قد إختفى من زوريخ وعلى الأرجح تكون جنوب إفريقيا قد أخذته إلى مكان بعيد لتعقد معه صفقة هي التي يحكى عنها اليوم، صفقة بموجبها تسلم جنوب إفريقيا منحة مالية قدرها 10 ملايين دولار لمنطقة الكونكاكاف بمعرفة الفيفا، ظاهرها مساعدة دول القارة على تطوير كرة القدم وباطنها الحصول على الأصوات الثلاثة التي كانت تحتاجها جنوب إفريقيا لتحسم فوزها بتنظيم المونديال، والحاصل أنها رشوة علنية لا يجيزها قانون المنافسة بأي حال من الأحوال، ولو أن سدادها لم يتم إلا بعد انتهاء التصويت.
وارنر محور الشر والفساد
كان للإختفاء المقصود للتريندادي جاك وارنر الذي يرمز له اليوم في كل التحقيقات على أنه محور الفساد وبؤرة الرشاوى، كما تدل كل الحقائق على أنه كان يمثل لبلاتر الجوكر الذي يخرجه وقتما تطلب الأمر حسم الكثير من الأمور الوسخة، كان لاختفاء الترينيدادي وقع الصدمة لدى الوفد المغربي الذي أيقن وقتها أنه سلب رسميا حق التنظيم من دون أن ينبس ببنت شفة.
في يوم التصويت تقدمت الدول الثلاث وهي المغرب وجنوب إفريقيا ومصر إلى غرفة المصارحة للتحدث لآخر مرة أمام أعضاء اللجنة التنفيذية، ومن أول دور تعلن جنوب إفريقيا فائزة بحصولها على 14 صوتا، فيما حصل المغرب على 10 أصوات ولم تحصل مصر على أي صوت.
والحقيقة أن هناك وجهين للعار إلتصقا بعملية التصويت على البلد المستضيف لمونديال 2010، الوجه الأول كشفت عنه ليلة الإقتراع مع الإختفاء المبرمج للترينيدادي جاك وارنر وفي جيبه 3 أصوات هي لاتحاد الكونكاكاف، وقد أخذ المغاربة وكل الأعضاء المتعاطفين مع المغرب علما ويقينا بأن الأصوات الثلاثة لاتحاد الكونكاكاف ستذهب للمغرب، وهو ما أكده لي وللزميل مصطفى بدري بعد ذلك القطري محمد بن همام العضو النافذ وقتذاك داخل الفيفا عندما إختصر الخديعة بجملته التاريخية: « نمت وفي جيبي 13 صوتا للمغرب ولما صحوت لم أجد غير 10 أصوات، فقد اختلست 3 أصوات»، وقد كان قصده أصوات الكونكاكاف الثلاثة.
أما الوجه الثاني وهو أكثر إيلاما ودرامية من الوجه الأول، فهو الذي كشف عنه البوتسواني إسماعيل باهامجي عندما وجه الوفد المغربي بعد إنتهاء عملية التصويت إلى المطالبة بفرز الأصوات بشكل عيني، وهو الذي قال أن صوته لا يمكن أن يذهب إلا لجنوب إفريقيا لوجود أوامر سياسية صادرة إليه.
كيف يطلب المغرب القصاص؟
والذين يذكرون هذه الواقعة وقد مرت عليها 11 سنة، ربما حصلوا اليوم على ما يؤكدها وصحيفة «ساندي تايمز» البريطانية تكشف عن تسجيل صوتي للبوتسواني إسماعيل باهامجي، قال فيه سنة 2009 أن الفيفا إنتزعت من المغرب حق تنظيم كأس العالم 2010 وهو الذي كان متقدما بصوتين على جنوب إفريقيا (13 مقابل 11)، واستند في ذلك على حوارات جانبية ضمت أغلب أعضاء اللجنة التنفيذية وقد أشهروا لمن ذهبت أصواتهم.
الغريب أن الصحيفة البريطانية راسلت الفيفا وجوزيف بلاتر في الموضوع ووافته بالتسجيل الصوتي، وحصلت على حد قولها من بلاتر بوعد لفتح تحقيق في الموضوع، إلا أن ذلك لم يحدث.
وقد كان واضحا للعيان مدى إستماثة الفيفا وعلى رأسها بلاتر في الإبقاء على كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا برغم عديد الأصوات التي إرتفعت محذرة من مغبة المجازفة بتنظيم كأس العالم في بلد فاقد لكل قدرة على تنظيم حدث بكونية كأس العالم، والحقيقة أن الفيفا جندت كل فيالقها التنظيمية والتدبيرية لتغطي على كثير من العيوب الظاهرة، إلى أن أخرجت كأس العالم بالصورة التي رضي عنها الجميع.
إلا أن السؤال الذي يجول هنا وهناك، في المغرب كما في الكثير من دول العالم، كيف سيتعامل المغرب مع هذه الحقائق الصادمة التي تتوارد وتتداعى، والتي تقول يقينا أن إسناد تنظيم كأس العالم لجنوب إفريقيا 2010 لم يكن بريئا وأن الفيفا سلب من المغرب تنظيم هذا المونديال وهو من كان فائزا بالتصويت؟
هناك طرق كثيرة لطلب القصاص الدولي واستعادة حق مشروع، أن يدفع المغرب عبر كل هيئات الإنصاف إلى طلب رد الإعتبار من الفيفا، بأن يحصل على ضمانات دولية تعيد كأس العالم سنة 2026 إلى القارة الإفريقية إعمالا لنظام المداورة الذي تتحقق معه العدالة الكاملة وتكفيرا عن ذنب أرتكب في حق المغرب.
كتب: بدرالدين الإدريسي
لمن صوت الأعضاء 24 للمكتب التنفيذي للفيفا؟
بالعودة إلى التلميحات وحتى التصريحات المباشرة يمكن أن نتوصل إلى حصيلة الإقتراع السري لأعضاء المكتب التنفيذي 24 للإتحاد الدولي لكرة القدم لتعيين البلد المنظم لكأس العالم 2010.
ــ السويسري جوزيف بلاتير الرئيس: صوت لجنوب إفريقيا
ــ الكاميروني عيسى حياتو (الإتحاد الإفريقي لكرة القدم): صوت للمغرب
ــ التونسي المرحوم سليم علولو (الإتحاد الإفريقي لكرة القدم): صوت للمغرب
ــ البوتسواني إسماعيل باهامجي (الإتحاد الإفريقي لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا أو للمغرب.
ــ المالي أمادو دياكيتي (الإتحاد الإفريقي لكرة القدم): صوت للمغرب
ــ الكوري الجنوبي مونغ جونغ شونغ (الإتحاد الأسيوي لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا أو للمغرب.
ــ التايلاندي ووراوي ماكودي (الإتحاد الأسيوي لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ الياباني موجونجي أوغورا (الإتحاد الأسيوي لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ القطري محمد بن همام (الإتحاد الأسيوي لكرة القدم): صوت للمغرب
ــ الأرجنتيني خوليو غراندونا (إتحاد الكوميبول لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ البرازيلي ريكاردو تيكشيرا (إتحاد الكوميبول لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ الباراغوياني نيكولاس ليوز (إتحاد الكوميبول لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ الكوستاريكي إسحاق دافيد ساسو (إتحاد الكونكاكاف لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ التريندادي جاك وارنر (إتحاد الكونكاكاف لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ الأمريكي شوك بلازير (إتحاد الكونكاكاف لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ الطونغالي أهونغالو فوسيمالوهي (إتحاد أوقيانوسيا لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ البلجيكي ميشيل دوغ (الإتحاد الأوروبي لكرة القدم): صوت للمغرب
ــ التركي سوييس إرزيك (الإتحاد الأوروبي لكرة القدم): صوت للمغرب
ــ السويدي لينارت يوهانس (الإتحاد الأوروبي لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ الروسي فياشسلاي كولوسكوف (الإتحاد الأوروبي لكرة القدم): صوت للمغرب
ــ الألماني غيرهارد ميير فورلفيلدر (الإتحاد الأوروبي لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ السكوتلندي دافيد ويل (الإتحاد الأوروبي لكرة القدم): صوت لجنوب إفريقيا
ــ الفرنسي ميشيل بلاتيني (الإتحاد الأوروبي لكرة القدم): صوت للمغرب
ــ الإسباني أنخيل ماري فيلار (الإتحاد الأوروبي لكرة القدم): صوت للمغرب
النتيجة النهائية:
ــ جنوب إفريقيا: 14 صوتا
ــ المغرب: 10 أصوات
اللغز الكبير: لمن صوت باهامجي؟
إذا كان جرد الأصوات بالشكل الذي قدمناه وهو الأقرب للحقيقة يقول أن جنوب إفريقيا حصلت فعلا على 14 صوتا بعد أن اقتنصت ليلة الإقتراع الأصوات الثلاثة لإتحاد الكونكاكاف التي يتحكم فيها الترينيدادي جاك وارنر، وحصل المغرب على 10 أصوات، فإن اللغز الكبير يظل هو البوتسواني إسماعيل باهامجي الذي برغم أنه أكد أن صوته ذهب إلى جنوب إفريقيا بإملاءات وتوجيهات سياسية، إلا أن هناك من يؤكد أنه صوت للمغرب وكتم ذلك ليكون الأعضاء الأفارقة داخل اللجنة التنفيذية قد أجمعوا كلهم على التصويت للمغرب.
ونفهم من خلال هذا اللغز لماذا خرج إسماعيل باهامجي بتصريحه الصوتي الذي يقول فيه بأن تزويرا ما حدث على مستوى فرز الأصوات عند الإقتراع السري.
هل فعلا حصلت مصر على 0 صوت؟
إذا كان الإقتراع السري لإختيار البلد المنظم لكأس العالم 2010 قد جرى من دور واحد وإنتهى إلى فوز جنوب إفريقيا بفارق 4 أصوات عن المغرب، فإن هناك من عاد ليطرح السؤال: هل فعلا لم تحصل مصر على أي صوت؟ البعض يؤكد أن مصر حصلت فعلا على صوتين أو ثلاثة أصوات ولكن جرى تحويلهم لرصيد جنوب إفريقيا، وهو الأمر الذي يظل مستبعدا على اعتبار أن من صوت لمصر ربما كان سيسمع إحتجاجه على أن الحصيلة النهائية لم تشر إلى ذلك.
هل بالإمكان العودة لتقرير التصويت؟
بالنظر إلى أن الإتحاد الدولي لكرة القدم عند اللجوء إلى الإقتراع السري بين أعضاء مكتبه التنفيذي، فإن المسطرة تقضي حضور موثق قانوني يضبط عملية الإقتراع وإحصاء الأصوات لتقديم الحصيلة النهائية، وينجز بشأن ذلك تقريرا لا يطلع عليه غير رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم ويتم إيداع هذا التقرير السري في إحدى ودائع الفيفا بالأبناك السويسرية للإئتمان عليه والعودة إليه عند الضرورة، فهل بعد الذي أطلقه إسماعيل باهامجي من تصريحات تفيد بوجود حالة تزوير في جرد الأصوات خلال عملية الإقتراع التي تمت يوم 15 ماي 2004 بزوريخ يمكن للمغرب أن يطالب الفيفا بإخراج التقرير السري لمعرفة حقيقة ما إنتهى إليه الإقتراع؟