من أول وهلة يبدو نهائي أمجد الكؤوس الأوروبية ببرلين عشية اليوم السبت عبارة عن معترك تتنافس فيه فلسفتان كرويتان مختلفتان في المبنى وفي العمق، لا تفتقدان للعمق وللثراء ولكنهما أشبه ما تكونان على طرفي نقيض، فبرشلونة حين "التيكي تاكا" بأن ألبسها ثوبا جديدا أخرجها من حالة الإحتباس التي كانت عليها، وجوفنتوس يتمتع بقدرة رهيبة على أن يقدم لنا في قالب جديد "الكاتناشيو" الإيطالي الذي يستطيع أن يسلخ أي منافس عن جلده التكتيكي فيضيع عليه هويته قبل أن يجهز عليه بالمرتدات القاتلة.
لست أدري ما الذي ذكرني بمباراة تاريخية هي واحدة من قمم كأس العالم ومن أقوى مآسيها أيضا، مباراة وضعت المنتخب الإيطالي في مواجهة منتحب البرازيل في نهائيات كأس العالم لسنة 1982 بإسبانيا، فقد وقف جميعنا على ما يشبه المجزرة الكروية التي أدمت العيون وغيرت الكثير من المفاهيم في كرة القدم الحديثة.
يومها رمي المنتخب الإيطالي بواقعية ليس لها مثيل وبصرامة تكتيكية لا تضاهى بالمنتخب البرازيلي الذي كان يلعب أجمل كرة قدم رأتها عيني وعين من جايلوني، إلى غياهب الإقصاء حيث أكمل طريقه إلى أن نال اللقب وهو يفتك في نهائي كبير بالواقعية الألمانية.
شيء ما يقول بأن نهائي اليوم قد يكون قرينا لنزال إيطاليا والبرازيل قبل 33 سنة، فبرشلونة بكرتها الجميلة والجذابة وبثلاثيها المرعب وبزخمها الإبداعي تمثل قوة كروية راجحة في الميزان التكتيكي، ما يرجح كفتها ويجعلنا نعتقد جازمين أن الفريق الكطلاني أقرب إلى نيل اللقب الأوروبي، إلا أن لا شيء على الإطلاق يقول بأن لا نعتد بالأسلحة الجماعية التي يملكها اليوفي ونجزم بأن برشلونة يوضع في نهائي ربحه سلفا.
وإذا كان برشلونة لا يجد غير شاكلة 4-3-3 لينتج تكتيكيا كل الجمل التي تغني النص الإبداعي وتبرز القوة الفردية الكامنة في وسط ميدانه كما في هجومه، فإن اليوفي لا يمكن أن يجد أفضل من شاكلة 4-4-2 ليجهز خطين متلاصقين يتحركان بنظام الكورديون لخلق نوع من التناغم في الإنغلاق دفاعيا وفي الإنفتاح على الهجوم، فمتى أخطأ اليوفي في ربط الخطوط ببعضها إلا وكانت هناك شقوق منها سيتدفق ماء برشلونة فيغرق مركب السيدة العجوز.
لقد شاهدنا صورة من البراعة في تدبير المنظومة التكتيكية عندما نازل اليوفي ريال مدريد بالبرنابيو برغم أن ما يوجد بين الريال المتعب بالإصابات وبالهبوط الحاد في المستوى وبين برشلونة المتحفز بالحالة الذهنية القوية للاعبيه والتي تقود إلى أداء مبهر، من فوارق يقول بأن اليوفي ستكون عند مواجهة برشلونة أمام عيار مختلف وأمام إعصار تكتيكي إن لم تكن لها رباطة جأش ومهارة في التدبير فإنها ستسقط في برلين شر سقطة.
بالقطع لسنا أمام نهائي المتناقضات بل نحن أمام نهائي تتبارز فيه منظومتان تكتيكيتان مختلفتان في الهوية وفي المبنى ولكنها تحملان ثراء سيجعلنا لا محالة أمام نهائي تاريخي بكل المقاييس.
بدرالدين الإدريسي