لطالما إنتقدنا في السنوات الأخيرة بطولة إسبانيا كونها أصبحت  مُملة وتفتقد للإثارة والتشويق، قلنا إن المنافسة الثنائية بين ريال مدريد  وبرشلونة قتلت عنصر التشويق وجعلت الفريقان يغردان خارج سرب باقي الأندية، ورسما لنفسيهما بطولة خاصة، لدرجة أن اللقب يكون محسوما قبل انطلاق الموسم بين هذين الفريقين.

ومع ذلك إنتابنا الشعور هذا الموسم أن  نسبة المنافسة ارتفعت شيئا ما بالليغا من ثنائية إلى ثلاثية، بعد أن وجد أتليتيكو مدريد لنفسه مكانا مع البارصا والريال للمنافسة على اللقب، وهو ما أعطى نوعا من الإثارة، لكن مع هذا التغيير الذي طرأ على البطولة الإسبانية، إنتقلت عدوى الملل إلى البطولة الألمانية أو البوندسليغا كما يحلو للبعض تسميتها، بطولة ألمانية أصبحت هذا الموسم حكرا على فريق واحد لا ثاني له، عملاق إسمه بايرن ميونيخ، حصد الأخضر واليابس منذ انطلاق الموسم وأسقط جميع الخصوم بلا هوادة.

ويحسب للبطولة الألمانية أنها أنجبت العديد من الأندية التي صالت وجالت في البوندسليغا، وهو ما كان يخلق توازنا كبيرا على صعيد المنافسة، أندية من طينة هامبروغ ومونشنغلادباخ وشتوتغارت وكايزار سلوترن وغيرها  لعبت أدوارا طلائعية بالأمس القريب، لكن البوندسليغا أصبحت اليوم  تعزف نغمة الملل والبايرن يتربع على كرسي الزعامة بارتياح كبير ويجهز بلا شفقة على باقي المنافسين.

ADVERTISEMENTS

حقا من يتابع البطولة الألمانية   سيشعر أنها بطولة فقدت إثارتها  المعهودة،  ليس من باب لمستها  الفنية والتقنية لأن لا أحد ينكر المستوى الذي تقدمه الأندية والإحتفالية الجماهيرية التي يضرب بها المثل ولكن لأن البايرن قتل حماس المنافسة على اللقب، فالفريق وإلى غاية الدورة 22 يتصدر الترتيب بفارق 19 نقطة عن مطارده باير ليفركوزن، وهو فارق يؤكد بجلاء السطوة التي يفرضها هذا الفريق، وبالقدر الذي نقف فيه بجلاء على ما يحققه الفريق البافاري من نتائج باهرة ومستويات عالية وللعمل الذي قام به غوارديولا الذي استطاع أن يعجن التيكي تاكا بواقعية الألمان، بالقدر الذي نتأسف لما آلت له البطولة الألمانية من برودة في المنافسة ولاحتكار من طرف واحد.

لن نلوم البايرن، لأن البحث عن الألقاب والإنجازات يبقى حقا مشروعا مهما تنوعت الأسلحة والوسائل، لكن سنلوم القواعد والمفاهيم التي باتت تتأسس عليها كرة القدم، لأن ما وصل إليه اليوم البايرن من هيمنة كروية في البوندسليغا إنما يعود للمال وللسياسة المادية الناجحة، اليوم وفي عالم الكرة الفوارق باتت تتحقق بالمال أولا وبعدها تأتي النتائج والألقاب، والبايرن من دون شك لا يخرج عن هذه القاعدة، لأن النجاح التقني سبقه نجاح تدبيري مالي، رغم أن هذا النجاج جنى على البطولة الألمانية وجعل الملل يتسرب لها من فرط قوة البايرن وهيمنته التي لا حدود لها.

أمام النجاح المحلي والأوروبي الذي يحققه البايرن، تعيش الكرة الإنجليزية حالة من الإستياء، فقد كشفت منافسة دوري أبطال أوروبا إلى أي حد تراجعت الكرة الأنغلوساكسونية، فلا أحد كان ينتظر السقوط المريع كأوراق التوت لثلاثة أندية إنجليزية في أمجد المنافسات العالمية، الأرسنال إندحر بملعبه أمام البايرن بهدفين للاشيء وهي النتيجة التي خسر بها مانشستر سيتي أمام برشلونة ومانشستر يونايتد أمام أولمبياكوس اليوناني، ووحده تشيلسي أفلت من هذا المطب وتعادل أمام غلطة سراي التركي بهدف لمثله.

سقوط الأندية الإنجليزية الثلاثة طرح عدة أسئلة حول علاقة الهالة التي باتت تعرفها البطولة الإنجليزية والنتائج المسجلة، فالتقنيون يخشون أن تتحول البطولة الإنجليزية إلى بطولة تسويقية ليس إلا، بطولة النجوم وجني الأموال، يتساءل المتتبعون إن كانت الكرة الإنجليزية قد أصبحت ضحية غزو عشرات النجوم دون طائل ورجال الأعمال الأجانب الذين سيطروا على أسهم الأندية وبات يهمهم الربح المالي أكثر من الربح الكروي، ومن يقف على متاعب مانشستر يونايتد  المحلية والأوروبية سيتأكد من أن الكرة الإنجليزية تعيش في رأيي نكسة حقيقية يتوجب عليها الخروج من نفقها، فمتى كان المانيو المرصع بالألقاب يشرب من كأس التواضع المحلي والأوروبي، ومتى كانت الكرة الإنجليزية يطارد ثلاثة من أنديتها شبح الإقصاء المبكر من دوري أبطال أوروبا؟