الواجب الوطني قيدني وأتحدى مدربا مغربيا أن يرفض العرض المؤقت
لست مسرورا لوضعي والمهمة تشبه الهدية الملغومة
تعرضت لمذبحة إعلامية رغم أني لم أحضر لا بماربيا ولا أتقاضى راتباً بالعملة الصعبة
في حوار أشبه بالبوح الصريح بكل الأسرار، حوار حاول من خلاله المدرب الوطني حسن بنعبيشة إخراج كل ما ظل يجثم على أنفاسه وقلب فيه دفاتر الوجع.
بنعبيشة تحدث بنبرة فيها من الحزن الشيء الكثير، الحزن على ما سماه السلخانة التي تعرض لها بعد «الشان» والحزن على ما سماه الهدية المسمومة التي تلقاها بتدريب الأسود بصيغة أكره عليها ووصف التعيين بــ «الحصلة».
في الحوار التالي يتحدث حسن بنعبيشة عن كثير من الأشياء التي ظل يضع لها مساحة مسيجة بداخله وعن أسرار رافقت تعيينه مدربا للمحليين ولماذا أدار ظهره للاعبي الناشئين بجنوب إفريقيا.
المنتخب: تواريت للخلف بعد العودة من جنوب إفريقيا، أقفلت الهاتف ولم تترك خلفك آثارا، ما السر وراء الإنطوائية والإختفاء قبل أن تظهر بعد تعيينك ناخبا وطنيا لمباراة الغابون الودية؟
حسن بنعبيشة: بداية وكي أكون صريحا مع قراء «المنتخب» ومع هذا المنبر بالذات، دعني أكشف حقيقة مؤلمة وهي حزني الشديد وحالة الكآبة التي دخلتها بعد العودة من جنوب إفريقيا وحتى وأنا هناك بسبب حملة مسمومة ومسعورة مورست في حقي.
صحيح لا يمكن أن أصادر حقوق أي واحد في النقد والتصحيح، لكن الأمور تعدت الإطار المسموح به وتجاوزت الخطوط الحمراء وتعرضت لغارات عنيفة نالت مني ولم اكن أستحقها.
لذلك فضلت الإنسحاب من المشهد وأخذ فسحة ومساحة ابتعدت من خلالها بعض الشيء حتى لا أدخل في سجالات قد تعقد الوضع أكثر.
المنتخب: بتقييمك هذا أنت تجرني للنبش فيما رافق سفرك لـ «الشان»، لكن قبلها دعني أوضح لك مسألة في غاية الأهمية حسن وهو كون الإعلام المغربي ناصرك وبقوة في اللحظة التي كنت تستحق من خلالها الدعم وتم اختبارك مدربا للسنة، وبالتالي مجال العتاب لا يبدو مبررا هنا؟
حسن بنعبيشة: أنا لا أعاتب بل أتساءل عن بعض من تم تجييشهم ضدي، لقد سمعت مسيرين لاموا الجامعة التي اختارتني مدربا للمحليين وكأني قادم من المريخ ولست مدربا مغربيا، ومسؤول عن فريق هاجمني وطالبني بأن أستشير مع مدربين آخرين وكأنني قاصر.
لكل هؤلاء أقول أن حسن بنعبيشة قضى 50 سنة من عمره كلها بالمغرب وأكثرها من نصفها لصيقا بالكرة وأعرف ما الذي يمكن أن أقوم به.
المنتخب: أنت من قال قبل السفر لجنوب إفريقيا أنك مسؤول عن اختياراتك التقنية وبالتالي مساءلتك بعد الخسارة من نيجيريا وبتلك الطريقة بدت طبيعية بعض الشيء؟
حسن بنعبيشة: طيب لنلعب على المكشوف كما يقولون ومادام الحوار حوار صراحة ومكاشفة، فمن حقي أن أستغله للدفاع عن نفسي وعن قناعاتي.
بنعبيشة اختار فريقا وتشكيلا لم يجتمع لأكثر من 7 أيام بسبب التزام لاعبي الرجاء بمؤجلات البطولة، والسفر تم قبل 3 أيام من الإفتتاح وشخصيا أترفع عن التذكير بالإكراهات التي سبقت السفر.
ثانيا بنعبيشة لم يسافر لماربيا ولا مالقا للتحضير، واكتفى بمعسكر المعمورة بكل ما رافقه من مشاكل، لأنه إتضح أنه حين تم تعييني اختفت ميزانية المنتخب المغربي والجميع يعلم من تدبر ميزانية السفر وكم بلغت الميزانية والتي كانت تقل عن راتب مدرب من المدربين السابقين.
وثالثا بنعبيشة مدرب مغربي يقنع بما هو أمامه ولا يتقاضى راتبا بالعملة الصعبة وباسم الواجب الوطني يقدم تضحياته، لذلك أحسست بالغبن والظلم في التعامل مع الإقصاء.
المنتخب: قبل أن نطوي هذه الصفحة التي يبدو أن آثارها عميقة بداخلك، لماذا إذن قبلت بالوضع؟
حسن بنعبيشة: قبلت بالوضع لأنني مدرب مغربي وأجير لدى الجامعة ومرتبط معها بعقد ولأن هدفي هو خدمة بلدي والمنتخبات المغربية على اختلاف تسمياتها وبالتالي كنت أتوقع معاملة أفضل وأكثر رحمة بدل أن تستل السيوف من أغمادها لتوجه صوب صدري وبتلك الطريقة.
المنتخب: إرتباطا بالوضع السابق أنت تكرر المشهد هذه المرة من خلال قبولك عرضا لتدريب المنتخب المغربي بعد رفض سابق وقبله رفضا لفيربيك لأن المهمة تبدو مؤقتة والتعيين فاقد لجدواه، لماذا تضع نفسك في مثل هذه الأوضاع؟
حسن بنعبيشة: فعلا رفضت قبل أن أقبل لاحقا بعرض الجامعة تولي مهمة تدريب المنتخب المغربي لفترة محددة من الزمن ولا تتيح أمامي أي فرصة لتقديم نفسي بالشكل الصحيح واللائق.
لكن بعدها قبلت لأني بنعبيشة وليس فيربيك، والإختلاف هو في كون الواجب الوطني الذي يجعله اليوم أشخاص محل سخرية هو من يقيدني بقبول المهمة وأتحدى أي مدرب من المدربين المغاربة الذين خرج بعضهم ليهاجمني على قبولي الوضع أن يرفضوا لو كانوا بوضعي.
المنتخب: لكن كان يجدر بك أن تفرض بعضا من مطالبك مع من فاوضك كي تواصل مهامك في المرحلة القادمة باسم الإستمرارية؟
حسن بنعبيشة: سأعرض أمام القارئ الكريم بعض الأسرار لعله يلمس لي العذر الذي لم يلمسه الكثيرون لي حتى أصبحت أحس أنه فعلا هناك «نحس» يلازمني.
قبولي بالوضع وتدريب الـمنتخب الوطني الذي هو شرف كبير لأي مدرب يمثل بالنسبة لي «حصلة» لأن السيد غلام تحدث معي وعبرت له عن رفضي لمقاربة التعيين، لكنه عاد ليقنعني لاحقا بأشياء همت الحرج الذي وضعت فيه الجامعة وهي تدبر مباراة ودية دون أن تجد مدربا.
كما لعبنا على المكشوف كما نقول لأنه قال لي بالحرف إنها مباراة تتطلب منك تأطيرا للمجموعة وتحضيرا للأسماء وبها ستقدم خدمة للمنتخب المغربي بتجميعه بعد فترة طويلة غاب فيها عن المباريات الودية وكل ذلك لتسليم المشعل للمدرب القادم وهو يعلم أشياء عن المنتخب المفروض فيه أن يتوج بعد سنة بــ «الكان».
المنتخب: اللوم الذي لامك على إثره المدربون المغاربة حسن، هو لكون فيربيك رفض المقترح وأنت قبلت فيه وهذا فيه تبخيس لقيمة الإطار الوطني الذي ينظر إليه على أنه حائط قصير دائما؟
حسن بنعبيشة: تروق كلمة يستعملها رجال الصحافة وهي كلمة الإطفائي، لذلك أنا إطفائي لحرائق تسبب فيها غيري والمفروض أن أحظى بالدعم لا الهدم.
فيربيك مدير رياضي وليس مجبرا على تولي المهمة لأنه ليس مغربيا ولا يوجد ما يلزمه في العقد بقبول المهمة وهذا هو الإختلاف بيننا.. وعلى ذكر فيربيك فقد وجدت فيه بعض التقدير أكثر مما وجدته للأسف في بعض الزملاء المغاربة.
المنتخب: عن أي نوع من التقدير تتحدث؟
حسن بنعبيشة: إنه التقدير الذي أتوفر من خلاله على إيميل خاص به ولو أدرتم أن أضع هذا الإيميل تحت تصرفكم لوضعته.
لقد راسل الجامعة وقال لهم بالحرف: «إن بنعبيشة وقياسا بالعمل الذي أنجزه وما قام به هو المدرب المثالي حاليا لتدريب المنتخب الأولمبي».
المنتخب: هل يحتاج بنعبيشة لشهادة مدرب كفيربيك كي يشفع له عمله لهذه المهمة؟
حسن بنعبيشة: أنا أتحدث من منطلق الحسرة ومن منطلق مقارنة موقف فيربيك مع مواقف معادية لشخصي.. وكما قلت لك في البداية تعييني أزعج البعض وحتى بعض المسيرين ممن يفترض أن يتحلوا بالحياد ويدعموا المدربين المغاربة هاجموني.
المنتخب: أنت الآن مدرب للمنتخب المغربي وهذا واقع، كيف تناقش التعيين من الآن لغاية مباراة الغابون الودية؟
حسن بنعبيشة: أناقشه كما ناقشت مهامي على رأس كل المنتخبات التي دربت.
أتوفر على رصيد معرفة كافي بلاعبي البطولة والمحترفين أتابعهم كباقي النقاد كل أسبوع عبر التلفاز ولا معرفة دقيقة لي بهم.
المنتخب: هل نفهم من كلامك أن التشكيل الذي ستلعب به سينبني على هذه المقاربة؟
حسن بنعبيشة: أنا رجل ربط بين مرحلة سابقة ومرحلة قادمة وحتى وإن كان دوري مؤقتا، فإن ضميري يحركني كي أكون عند مستوى الأامانة والمسؤولية التي بين يدي.
لا يمكن أن أدير ظهري للمحترفين الكبار الذين يفرضون أنفسهم ولا الأسماء التقليدية ولا يمكن أن أجعل منها مباراة اختبار للجدد لأنها مباراة إضافة جرعة إنسجام للهيكل الأساسي المتوفر للمنتخب المغربي والمعروف سلفا.
المنتخب: ما الذي سيقوله حسن بنعبيشة للاعبين حين يلتقيهم وهم يعرفون وضعه؟
حسن بنعبيشة: سأتحدث معهم كمواطن مغربي مع مواطنين مغاربة وكلنا في نفس السفينة التي تتواجد بعرض البحر وعلينا أن نصل لبر الآمان.
سأقول لهم اليوم أنا هنا وسأذهب لكنكم باقون وعليكم أن تؤكدوا أنكم مجموعة لا تحتاج مدربا وأمامكم رهان كبير اسمه «الكان» عليكم أن تقدموا إشارات مطمئنة بخصوصه للجمهور المغربي والبداية بمباراة الغابون.
المنتخب: بالعودة لــ «الشان» الذي شكل محطة سوداء في مسيرتك، لماذا لم تنتصر لقناعاتك باصطحاب اللاعبين الذين تعايشوا معك لفترة طويلة؟
حسن بنعبيشة: سأكشف لك سرا وهو كوني كنت أضع بعد التعيين مخطط الإعتماد على لاعبين أقل من 19 سنة، لكن هناك من لم يعجبه الحال وقال إن سمعة الكرة المغربية ستكون بالمحك وحتى نهج سيرتي يوجد بالمزاد وعلي مراعاته حين علمت بتشكيل نيجيريا وغانا وغيرها من المنتخبات القوية.
أتحدى أي مدرب أن يدير ظهره للاعبي الرجاء الذين حلوا ثانيا بمونديال الأندية وللاسف خرجنا بسوء تقدير وفي أقل من دقيقتين كان من الممكن مشاهدة عناوين صحفية مغايرة.
المنتخب: لكن من غير المقبول أن تقبل بتدخل البعض في مخططاتك؟
حسن بنعبيشة: التدخل لم يكن بالمخططات ولا الخطة، كان توافق على الأهداف وهذا جار به العرف في كثير من سياقات اشتغال المدربين.
المنتخب: تمت مؤاخذتك على الإعتماد على الحارس لمياغري الذي اقترب من الإعتزال على حساب حارس يمكن الإستفادة منه مستقبلا مثلا؟
حسن بنعبيشة: لقد لمست أن هناك من صفى حساباته مع لمياغري على حسابي، لمياغري اختير أفضل لاعب في مباراة وفي تقديري إرتكب خطا واحدا لا غير أمام نيجيريا.
المنتخب: لو نضع أمامك مساحة من سطرين لختم الحوار، كيف يصوغها حسن؟
حسن بنعبيشة: على من هاجموني على طريقة قبولي المهمة أن يتأكدوا أني لست مسرورا بالوضع، أتمنى تغييب جانب التعصب والأنانية وأن يتوجه كل هؤلاء العباقرة الذين هاجموني لخدمة المنتخب المغربي من موقعهم بالفترة القادمة لأنه بحاجة للدعم.
حاوره: منعم بلمقدم