أخيرا فهم رجال الوداد ورجال الرجاء أن خلف كل المحميات الذاتية ووراء كل الجحور التي يصممها كل طرف على مقاسه، وفوق كل الحروب الخفية والمعلنة، الباردة والمستعرة، التي لا يعلن فيها بالمطلق أي طرف فائزا، أن هناك مصلحة مشتركة تمت التضحية بها أمدا طويلا، تارة باسم التعنت وأخرى بسبب أن نوايا لم تسلم من الأذى والسوء الذي تأتي به الأنفس المريضة، وكان من نتائج هذه المكابرة المعلنة وهذا الإصرار على التخندق والتلاسن وأحيانا كيل التهم الجزافية، أن الوداد والرجاء أمضيا سنوات من التواجه سرا وعلنا في حروب طاحنة أسكتت فيها لغة العداوة والحقد لغة العقل الذي كان يقول بأن للغريمين التقليديين اللذين يتقاسمان هواء الدار البيضاء ويمثلان لكرة القدم المغربية، جناحين بهما تحلق إلى العالمية مع أندية وطنية مرجعية أخرى مشتركات يتم التضحية بها.
دلت مباراة قطر الودية التي خاضها الفريق الوطني شهر شتنبر الحالي بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء على أن هناك حاجة ماسة لأن ننزع فتيل التحرش القائم بين جماهير الوداد والرجاء، والذي من أسبابه أن قيادات الفريقين معا لم تيأس من عمليات الضرب تحت الحزام، فإن أصاب فريق نحسا ظن أنه من صنع الآخر، وإن عاش عيدا عرف أن الآخر لا يهنأ له بال، فانعكس هذا التخبط والتقابل السلبي بكل إسقاطاته على سلوكيات الجماهير التي ما توصلت برغم كل الإجتهاد الذي أظهرته في الترفع عن هذه الدونيات الأخلاقية، وتلك الحاجة الماسة نجح السيد فوزي لقجع رئيس الجامعة في الوصول إليها عندما وجد في سعيد الناصري رئيس الوداد ومحمد بودريقة رئيس الرجاء الإستعداد الفكري والرياضي على الخصوص لرأب الصدع القديم ولتحقيق كل ما عجز عنه الآخرون، تقديم الرجل لدخول ما كان يبدو للبعض محظورا أو مستحيلا والتوافق على أن هناك مشتركات رياضية وقيمية واقتصادية لا يمكن التضحية بها لوجود ما أستطيع وصفه بالنرجسية المتبادلة.
لا أستطيع أن أنسى ما كان يدور بيني وبين الدكتور عبد المالك السنتيسي الذي رئس الوداد في نهاية ثمانينيات القرن الماضي وبداية تسعينياته من حوارات، لامس بعضها هذا الجانب المعتم في علاقة الوداد والرجاء، فقد كان الرجل بفعل إنفتاحه على محيطه القريب قد زار تونس وتوصل إلى أن الترجي الرياضي والنادي الإفريقي اللذين يقتسمان هواء تونس العاصمة كما هو الحال مع الوداد والرجاء، يعملان بفكر إستثماري موحد غايته الوصول لأفضل توظيف ممكن لملعب المنزه الذي كان يجمعهما، وسعى السنتيسي وقتذاك إلى مد اليد لزملائه داخل الرجاء للإشتراك في مشروع يقضي باستصلاح مركب محمد الخامس وتمكينه من عدة مقصورات لجلب رجال الأعمال من المتعاطفين مع الفريقين، إلا أن المسعى تلاشى سريعا لكون الإرادات وقتذاك لم تنضج بالشكل الذي يسمح بإبادة عناصر الخلاف.
أنا لا أقول أن لا الوداد ولا الرجاء أمضيا كل هذا الوقت الطويل في نزع فتيل الخلاف المفتعل وفي السيطرة على ثقافة المؤامرة الحاضرة في فكر الغريمين للوصول إلى الإقتناع الكامل بالعمل سويا، ولكن أشدد على أن الخطوة التي أقدم عليها كل من الناصري وبودريقة وهي تاريخية بكل المقاييس، لا بد وأن تترجم إلى فعل محسوس لا يجعل منها مبادرة للمباهاة ولتسويق الصورة، لا بد وأن تتكاثف كل الفعاليات الرجاوية والودادية المستنيرة من أجل تفعيلها بالشكل الذي يجعل الفريقين معا يستفيدان من مشتركات كثيرة منها على الخصوص اللعب بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء ومنها أنهما معا يمثلان للعاصمة الإقتصادية ولكرة القدم الوطنية قطبين بثقل رياضي وقيمي واقتصادي كبير.
إن إتفاقية التفاهم التي وقع الرئيسان على خطوطها العريضة بمباركة من السيد وزير الشباب والرياضة والسيد رئيس الجامعة، لا بد وأن تتبلور إلى أهداف رياضية واستثمارية يحرص الكل على أن تكون دقيقة ومتطابقة ومقترنة بآليات للتنفيذ، فلا مجال على الإطلاق لتضييع هذه الفرصة التي ستؤسس لتقليد جديد ينقل كرة القدم الوطنية إلى الزمن الإحترافي الذي يفصل فصلا موضوعيا بين نتيجة رياضية يتنافس فيها الفريقان كل حسب مقدراته وبين نتيجة إقتصادية ينتفع منها الفريقان معا بحسب الإجتهادات المشتركة.
لا نملك إلا أن نبارك الخطوة بكل حمولاتها الرياضية لأنها ستنهي سنوات من الحروب الخفية وستحطم جدارات من الوهم فصلت لعقود بين الوداد والرجاء، ولا نملك إزاء ذلك إلا أن نطلب عدم إهدار الفرصة التاريخية لبناء حاضر مشترك وأن تصبح هذه المبادرة مرجعا لبناء مبادرات شبيهة في مدن مغربية أخرى لإعادة لحمة كرة القدم الوطنية.
فعلا «دابا كاين معامن».